رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ليدا وابنتها المفقودة

جائزة أفضل ممثلة وحصل الفيلم على جائزة أفضل سيناريو مقتبس 

تؤدي الممثلة أوليفيا كولمان دور البروفيسور ليدا، وهو اسم موفق لدور الممثلة الإنجليزية، إذ إنه سميت باسم الإسطورة اليونانية المرأة التي أحبها زيوس وكانت ابنة حاكم إيتوايا وزوجة تيندارياس حاكم أسبرطة وقد ذاع اسمها عن طريق لوحة ليدا والبجعة وهي أم هيلين طروادة وقد أغوي زيوس بها حين تجسد في شكل بجعة لكي يسقط كبجعة بين أحضانها في محاولة للنجاة من براثن صقر محلق. 
ليدا في فيلم الابنة المفقودة لا تقل أنوثة ورغبة جامحة في الحياة، فهي امرأة وحيدة على مشارف الخمسين، تقرر قضاء إجازة على جزيرة يونانية راغبة في الاستجمام، تمني نفسها بوقت يسوده الهدوء، بعيدًا عن صخب الحياة وضوضائها. افترشت ليدا رمال الشاطئ، الذي سرعان ما أصبح يعج بالزوار الذين أثاروا على الفور ضجيجًا وصخبًا لم تتحمله. تحول غضبها إلى فضول في  تفحص سيدة شابة (داكوتا جونسون)، وابنتها الصغيرة، جرى التعارف بين أفراد المجموعة وليدا، التي بدت مستعدّةً لإخبار الجميع بأنّ لديها أيضًا ابنتين راشدتين، وستكرر اسميهما وعمريهما لكل من يبادرها في الحديث، مثلما كررته لصاحب الفندق اللعوب (إدّ هاريس)، وانتهاء بتلك الأم التي تشع أنوثة، وقريبتها التي لا تزال حاملًا (داغمارا دومينتشيك). سيغدو واضحًا ومفهومًا من حديثها أنّ حياتها لم تكن سلسة في كل شيء، وذلك يتضح من خلال نبرات صوتها، وتعمدها من وقت لآخر التوقف عن سرد قصتها، إذ ستخبر هذه المرأة بنبرةٍ تكاد تكون شامتةً، ولكنّها ممزوجة بالمرارة، زميلاتها "الأمهات الأصغر" عن أعباء لا تطاق ستحملها الأمومة القادمة إليهن.
هنا تبدأ ذكريات الماضي تكمل القصة عبر لقطات فلاش باك، تظهر فيها ليدا الشابّة (باكلي) مشغولةً مع فتياتٍ صغيراتٍ، ومع بناتها، وهي تحاول عبثًا الجمع بين واجبات الأمومة من جهة، وبين مسيرتها الأكاديمية كمترجمةٍ وناقدة أدبية، ورغباتها الشخصية، التي تدفعها إلى الهروب من روتين الأعمال المنزلية.
إنها قصة عقاب أم لنفسها مأخوذة عن رواية الابنة المفقودة للكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي 
فان، مأساة ليدا تتلخص في الصراع بين الرجل والمرأة التي تصبح الملامة المسئولة عن تفكك الأسرة إذا ما قررت الرحيل بعكس الرجل الذي يفعلها كل حين والآخر في جميع بلاد العالم ومختلف الثقافات والأعراق، الأمور تكون أحيانًا صعبة على الأم إلى درجة الإصابة بالأمراض النفسية والانهيار العصبي المتكرر. انطلاقًا من الإدراك بأنّ ترك الرجل للأسرة أمرٌ جديرٌ بالإدانة، ولكنّه مقبول نوعًا ما، هو للأسف حقيقة سائدة في مجتمعٍ يصدر بحقّ المرأة التي تترك منزلها وأولادها حكمًا قطعيًا غير قابلٍ للطعن، أو النقاش وكذلك كان الأمر بالنسبة لمحاولاتها الصمود بكلّ ما أوتيت من قوة، من خلال الدخول في علاقات عابرة، ومن خلال الشكوى أمام الغرباء، أثناء الدقائق والساعات والأيام التي تكسر وحدتها.
وجدت ليدا نفسها أمام أشد الجلادين صرامة وقسوة، ألا وهي روحها ذاتها، حتى وإن كان العقاب سيطالها في النهاية بحسب قصة الفيلم، تمامًا كما في الأساطير اليونانية القديمة. الفيلم لا يعفي ليدا من الذنب، فتترك للمشاهد الحكم على ماضيها وحاضرها، ولكنها في الوقت نفسه تحظى بفرصة جديدة على ما يبدو.  ليدا تصحو في الصباح التالي، وتتصل بابنتها بلانكا، التي كانت برفقة أختها مارثا. سعدت الفتاتان بسماع صوت أمهما التي اختفت فجأة منذ بضعة أيام. بعد انتهاء المكالمة، نظرت ليدا إلى يدها فوجدت أنّها تمسك برتقالة سارعت تنزع قشرتها كاملة لتشكل منها ما يشبه الثعبان، بالطريقة نفسها التي كانت تبهج بناتها عندما كن صغيرات.