رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رُبَّ حرب كاشفة

جاءت الحرب الروسية- الأوكرانية كاشفة لمواقف كثيرة، وفاضحة لمواقف وسياسات أمريكية وأوروبية لطالما تشدق بها المجتمع الغربى «الديمقراطية وحقوق الإنسان»، كما كشفت لنا تلك الحرب، وما قبلها جائحة كورونا وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، عن أهمية الاعتماد على سياسات اقتصادية جديدة سنتحدث عنها فى هذا المقال.

قبل أن أبدأ الحديث عما كشفت عنه الحرب الأكرانية- الروسية، ينبغى أن أوضح أن للحروب ويلات تتكبدها الشعوب وتتأثر بها لفترات طويلة من نزوح ولجوء لآلاف بل وملايين من البشر إلى بلدان آمنة هربا من القتل والتدمير، وينجم عنها قتل وإصابة المدنيين، هذا بجانب ما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من فرض سياسات جائرة «بالحصار الاقتصادى، والعقوبات الاقتصادية، والحرب التجارية، والتدخل فى فرض حكام تابعين للجالس فى البيت الأبيض فى واشنطن» على البلدان التى لا تتفق مع سياساتها الاستعمارية، وأيضا فرض سياسات الرأسمالية الجديدة القائمة على الهيمنة والسيطرة ونهب ثروات الشعوب، ومن البلدان التى فرضت عليها أمريكا عقوبات اقتصادية إيران وكوبا وفنزويلا، وأخيرا وليس آخرا روسيا، والتى تسببت العقوبات المفروضة عليها من قبل أمريكا والاتحاد الأوروبى فى خسائر اقتصادية طالت كل دول وشعوب العالم. 

وإذا كنا لا نرضى بالحروب الاستعمارية ولا نرضى بالاحتلال الصهيونى لفلسطين وانتهاكاته وجرائمه اليومية ضد الشعب الفلسطينى، فإننا مع حق الدول والشعوب فى مقاومة الاحتلال، كما فى فلسطين المحتلة من الكيان العنصرى الاستيطانى الصيهونى، وأيضا نحن مع حق دولة روسيا فى الدفاع عن أمنها القومى المهدد من قبل حلف الناتو ومن قبل أوكرانيا التى تشترك مع روسيا فى الحدود.

لقد كشفت تلك الحرب عن العنصرية البغيضة لدول الغرب تجاه بقية الدول فى الشرق والجنوب والشعوب العربية والإفريقية، وكشفت عن الفكر المتطرف والمتشدد تجاه شعوبنا من قبل الشعوب الأوروبية المتعصبة، والتى صدعتنا بمقولات عن الحرية والإخاء والمساواة والديمقراطية وحقوق الإنسان، وإذا بها بعد الحرب الروسية- الأوكرانية تكشف عن الوجه القبيح، وهو المعاملة الحسنة للنازحين واللاجئين الأوكرانيين باعتبارهم الجنس الأرقى، فهم كما قال المسئولون والشعوب فى بولندا والعديد من الدول الأوروبية: "علينا أن نحتضنهم فهم شبهنا، عيونهم خضراء وزرقاء وشعرهم أصفر"، وأضافوا: "إنهم ليسوا سوريين أو عراقيين أو إفريقيين"!!.

رب حرب كاشفة للشعوب والحكومات الغربية التى تتجاهل وتصمت أمام الانتهاكات وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التى يرتكبها الكيان الصهيونى المحتل فى فلسطين يوميا من تدمير وقتل وتشريد واعتقال أبناء الشعب الفلسطينى، وبناء مستوطنات غير شرعية، واعتداءات يومية على المسجد الأقصى وتهويد القدس والمدن العربية الفلسطينية، وإصدار قانون الدولة اليهودية وما تبعه من تهجير قسرى للفلسطينيين، وتطهير عرقى، سجلته منظمة العفو الدولية فى تقريرها فى الأول من فبراير 2022 تتهم فيه إسرائيل بأنها دولة الفصل العنصرى "أبارتهايد" وطالبت بمحاكمتها على جرائمها بحق الفلسطينيين أمام الحكمة الجنائية الدولية.

تصمت الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وتغض البصر عن تلك الجرائم بل وتدعم الكيان الصهيونى وتقدم له السند والعون السياسى والاقتصادى والعسكرى.

وإذا انتقلنا لشق آخر كشفت عنه الحرب الروسية- الأوكرانية، وهو شق هام أثر على كل دول العالم فى الشمال والجنوب والشرق والغرب، وهو التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الأخيرة والأزمات التى تسببت فيها العقوبات الاقتصادية التى فرضتها كل من أمريكا والاتحاد الأوروبى على روسيا وطالت كل الدول، وذلك للمصالح والاستثمارات المشتركة والمتشابكة بين كل الدول، خاصة بين روسيا والصين من جهة، ودول أوروبا والدول العربية والإفريقية من جهة أخرى، حيث تعتمد الدول الأوروبية على استيراد 40% من احتياجاتها من النفط والغاز من روسيا، وتعتمد بقية الدول على استيراد القمح من روسيا وأوكرانيا.
لقد كشفت الإحصاءات عن أن الدول الإفريقية تستورد من روسيا وأوكرانيا 25% من احتياجاتها من القمح، وأن مصر تستورد 50% من احتياجاتها من القمح من هاتين الدولتين، هذا غير استيراد معظم الحبوب الغذائية واستيراد 95% من الزيوت.

إن تداعيات جائحة كورونا وبعدها الحرب الروسية- الأوكرانية نبهتنا ونبهت جميع الدول إلى الاعتماد على الإنتاج الصناعى والزراعى للاكتفاء الذاتى، وأهمية التخطيط للاقتصاد الإنتاجى وليس الاقتصاد الذى يعتمد على الخدمات والسياحة فقط.

إننا نأمل فى خطة زراعية تعيد لمصر مكانتها فى الزراعة، خاصة الحبوب الغذائية مثل القمح والذرة، وإعادة الدورة الزراعية، والإرشاد الزراعى، وتشجيع وتحفيز المزارعين والفلاحين على الزراعة وتقديم التسهيلات لهم.