لهذا السبب حُذفت مذكرات راشد الغنوشى من مواقع الإخوان على الإنترنت!
تكشف مذكرات راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة التونسية، وهي أحد أفرع جماعة الإخوان المسلمين بتونس التي كتبها سنة 2009 ـــ ونشرت علي أحد مواقع الحركة، لكن سرعان ما حذفت- كثيرًا من التشابه الذي قد يصل في بعض الأحيان إلي حد التطابق بين الغنوشي ومنظر الجماعة في مصر سيد قطب، فكما بدأ قطب حياته كاتبا للقصة والرواية وناقدا أدبيا لم يحظ بشهرة أو نجاح يذكر ومن ثم تحول إلي النقيض وكتب "معالم في الطريق" الذي يعد مانفيستو الجماعات المتطرفة والأفكار الإرهابية في العالم، بدأ الغنوشي حياته الدراسية بجامعة الزيتونة وود مفقود بينه وبين علومه الدينية الجامدة والمتون القائمة علي النقل عن النقل وانعزالها عن تطورات الزمن الحديث وآلياته ومعطياته الجديدة، مما جعل الغنوشي يكره ما يدرسه من علوم شرعية وفقهية نقلية دون اجتهاد أو إعمال عقل:"وهو ما جعل في يدي أسلحة كان يلذ لي استخدامها في معاكسة وتسفيه والسخرية من بعض المشايخ الذين كانوا يدرسوننا العلوم الدينية والحقيقة أني تخرجت في جامعة الزيتونة لا يشدني إلى الإسلام إلا بعض ما تلقيته من والدي أما من الناحية الفكرية فقد كنت أقرب إلى الشك والحيرة والتمرد على القديم، وما ذلك إلا رد فعل على أسلوب المشايخ في التعليم وضد المنهاج التعليمي الذي كان سائدًا في جامعة الزيتونة".
انفصال تلك المناهج عن الحياة اليومية وما يواكبها من تفاصيل ابنة زمنها جعلت "الغنوشي" يشعر بالغربة بين ما يتعلمه في الزيتونة وما يدور خارجها من انفصال:"لم تكن تسمع إلا الحديث عن العبد الآبق والبعير الشارد، وعن قضايا لا تمت للواقع بصلة، وفرعيات موغلة في القدم، وبحوث لغوية مقطوعة عن لغة العصر ومنطقه، رغم أنه كان يقدم لنا إلى جانب تلك العلوم الدينية الجامدة مواد علمية حديثة في الرياضيات والفيزياء والكيمياء والجغرافيا، وهي نفس المواد التي تقدمها المدارس الحديثة بلغة أجنبية فكنا نعيش في اليوم الواحد عالمين منفصلين، فاذا خرجنا إلى الشارع ازدادت الغربة".
وفي عام 1964 اجتمع الغنوشي وأربعين طالبا تونسيا في القاهرة أمام منزل الرئيس جمال عبدالناصر يطالبون بالدراسة في جامعة القاهرة وبالفعل أصدر عبدالناصر قرارا والتحق الغنوشي بكلية الزراعة، إلا أن السفارة التونسية سرعان ما طالبت بترحيل جميع الطلبة التونسيين وإعادتهم إلي بلدهم ورفض الغنوشي وفكر في السفر إلي ألبانيا، حيث كان قد اعتاد الاستماع إلى البث العربي من إذاعة تيرانا ومراسلة قسمها الأدبي ببعض القصص التي كان يكتبها فتذيع بعضها، إذ كانت هوايته مطالعة الروايات، ويحلم بأن يكون روائيا أو صحفيا، فلما تأزم الوضع في القاهرة خطر بباله الذهاب إلى هناك، لكنه عدل عن رأيه وهو في المطار يحجز تذكرته عندما التقي أحد أصدقائه وحذره من السفر إلي ألبانيا ويقنعه بالذهاب إلي سوريا: "فأقنعني وصرفني بالكامل عن وجهتي إلى وجهة أخرى، ورغبني في أن أذهب إلى سوريا وطمأنني أن له فيها أصدقاء يمكن أن يساعدوني ويمكن أن أتابع دراستي هناك دون حاجة إلى أن ألقي بنفسي إلى المجهول وهكذا في لحظة حوّل القدر وجهتي بشكل حاسم، كما حصل أكثر من مرة، لعله لأمر يريده الله."