رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتوى تحريم "التجنيد الإجباري" تنقذ المصريين من الموت أيام الإنجليز

جريدة الدستور

فتوى من الإفتاء المصرية تنقذ أقارب الفارين من بدل التجنيد الإلزامي أيام الإنجليز 

كان التجنيد الإجباري فى مصر مختلف عن المتعارف عليه فى أوروبا فى العصور والوسطي، فالشكل الإلزامي من الجندية لم تعرفه الديار المصرية، ولكن كان يعرف بالتطوع وقت الحرب. 

وكان يطلق على هذا النوع من التطوع نظام "الصوائف والشواتي" بمعني خروج حملات عسكرية في فصلي الصيف والشتاء، وقد اعتمدت فى فترة لاحقة فى العصر العباسي على شراء الفتيان الأتراك وتربيتهم في مساكن عسكرية مستقلة ليكونوا نواة لجيش مستقل بعيد عن نزاعات العرب والفرس كما فعل المعتصم العباسي حين بنى مدينة (سامراء) لتكون مدينة عسكرية وعاصمة له.

وعندما احتل الإنجليز مصر اعتمدوا على نظام التجنيد الإجباري وارغموا المصرين علي التجنيد فى الحاميات الأنجليزية فى نظام كان أقرب إلي السخرة والإلزام منه إلي التطوع والتدرج الوظيفي بل وصل الأمر إلي من يتخلف تأخذ السلطة العسكرية أحد اقاربه بدل منه. 

ونصت المادة الثانية من قانون الجندية لسنة 1900 م على " أن من يفر من العساكر يصير اشعار ضامنه الذي هو رئيس العائلة، ويقوم بالبحث عليه فى ميعاد اقصاه ثلاثة شهور، وإلا من تاريخ وصول الإشعار إليه بذلك، وإن لم يستحضره فيها، فيؤخذ نفر بدل من عائلته الذين فى سن القرعة بمراعاة أولوية أخذ الأقرب فالأقرب".

وأرسلت دار الإفتاء المصرية سنة 1900م رسالة إلى ولي الأمر المختص تطالب الدولة بتغيير المادة الثانية من قانون الجدنية وهي إيقاع البدل علي من يفر من الجندية على عائلته. 

ونصت الفتوى بتحريم أخذ بدل الجندية من عائلت الجندي الذي يفر من الإلزامية، وحددت الفتوى درجات القرابة وترتيبها وبيان أحكام كل درجة، من أجل الظلم الذي يقع على أولي القربي من الهارب من العسكرية. 

وناشدت دار الإفتاء المصرية التي تأسست قبل تاريخ الفتوى بخمسة أعوام 1895م، أولي الأمر بتغير المادة المذكورة بقولها في نص الفتوى " الهارب من العسكرية لا يبالي بأبيه ولا أخيه ولا يدلهم على مكانه، فالأليق بالعدالة هذه الأيام ان يعدل الأمر العالي المذكور وتلغي المادة الثانية".
 
وأضافت الفتوى أن ضمانة العائلة أصبحت في هذا المعني كعدمها، وتحمل الأقارب التبعية من يفر منهم صارت لا معني لها وسلطة الحكومة أقوي من كل ذلك، فلا يليق بها أن تعاقب شخصا بذنب أخر. 

ويعلق د حيدر ابراهيم استاذ علم الإجتماع السياسي السوداني علي هذه الفتوي بقولة: " يلاحظ أنه قد استجيب لتلك الفتوي من الحكومات التالية، وظهر ذلك بوضوح فيما أصدرته الحكومة من قوانين تختص بهذا الشان فيما بعد".

لقد نجحت فتوى دار الإفتاء من رفع الظلم علي المصريين الذين تقوم الحكومة الإنجليزية بالقبض عليهم بدل اقاربهم الفارين من التجنيد، وتجبرهم وتخضهم بالجندية الإلزامية، وعدة ذلك نوعا من الظلم المستند إلى قوله تعالي " قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" الأنعام: 164.