رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل أبوي النبي في النار؟ سؤال يكشف عمق الخلاف بين السلفيين والأزهر

السلفيين - أرشيفية
السلفيين - أرشيفية

دأب علماء الوهابية والسلفيين على القول بأن أبوى النبى صلى الله عليه وسلم من أهل النار رغم أنهما ماتا قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم ولم يأت لهم رسول، والله لا يعذب أحدًا لم يأته رسول إذ قال ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾.

هؤلاء العلماء استدلوا بحديث رواه الإمام مسلم فى صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رجلا قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : "في النار "، فلما قفى دعاه، فقال: " إن أبي وأباك في النار"، معنى قفى : أي انصرف

ورغم ورود هذا الحديث فى صحيح مسلم إلا أن الكثيرين من أهل العلم خالفوا ظاهره وقالوا بعكسه فعلى سبيل المثال لا الحصر ممن قالوا بنجاة والدى النبى صلى الله عليه وسلم الإمام "أبوحنيفة"، والإمام فخرالدين الرازي، والإمام أبوبكر بن العربي المالكي، والحافظ القرطبي وابن الجوزي، والألوسي، وعمدة الشافعية ومفتيهم العلامة ابن حجر الهيتمي، والملا علي قاري، أمير المؤمنين في الحديث الحافظ ابن حجر العسقلاني، والإمام ابن نجيم المصري في كتابه غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر، وابن عابدين الحنفى، والشهاب الخفاجي، القسطلاني.

 


وقالت دار الإفتاء المصرية: إن القول بنجاة أبوَي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو القول الحق الذي استقرت عليه كلمة المذاهب الإسلامية المتبوعة، وهو قول المحققين من علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو الذي انعقدت عليه كلمة علماء الأزهر الشريف عبر العصور، وعليه الفتوى بدار الإفتاء المصرية، كما حققه فضيلة مفتي الديار المصرية الأسبق العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، والتي ذكر فيها أن مَن زعم أن أبوَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليسا مِن أهل الإيمان: [قد أخطأ خطأً بيِّنًا يأثم ويدخل به فيمن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لا يُحكَم عليه بالكفر؛ لأن المسألة ليست من ضروريات الدِّين التي يجب على المكلَّف تفصيلها. هذا هو الحق الذي تقتضيه النصوص وعليه المحققون من العلماء] اهـ.

وأضافت الإفتاء، أن علماء الأمة قد سلكوا في إثبات هذا القول عدة طرق؛ أهمها:

أن موتهما كان قبل البعثة، ومَن مات ولم تبلغه الدعوة كان ناجيًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: 15].

وأنهما كانا على الحَنِيفِيَّةِ السمحة؛ كما قال تعالى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ [الشعراء: 219] فوجب ألَّا يكون أحدٌ مِن أجداده صلى الله عليه وآله وسلم مشركًا.

وأن الله تعالى أحياهما لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فآمَنَا به، واحتجوا لذلك بأحاديث ترتقي بمجموعها إلى الحسن.

أما حديث: «إن أبي وأباك في النار» فقد حكم عليه جماعة من النقاد بالشذوذ، أو أن الراوي رواه بالمعنى فخلط فيه، والصواب رواية: «إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار».

وحذرت دار الإفتاء كل من يقول باستحقاق أبوى للنار بقولها: فلْيتقِ اللهَ أولئك الأدعياء ولْيخشَوا لَعْنَة وإيذاءَ حبيبه صلى الله عليه وآله وسلم المستوجب لِلَعْنِ فاعله، ولْيعلموا أنه لا ينبغي ذكر هذه المسألة إلا مع مزيد مِن الأدب مع مقام حضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

حديث مسلم وإشكالية رد الحديث

الجدل الذى أثاره شيوخ السلفية والوهابية بقولهم إن أبوى النبى فى النار مع ذهاب كثيرين من أهل العلم قديماً وحديثًا لغير ذلك يذهب بنا لنقطة أبعد من هذه المسألة ذاتها يذهب بنا إلى قضية أكبر، وهى منهجية التعامل مع الأحاديث فالحديث الذى يتمسك به السلفيون والوهابيون ورد فى صحيح مسلم والشائع عند جماهير العلماء أن البخارى ومسلم أصح كتابين بعد كتاب الله، ويرفضون الاقتراب منهما، لكن هذه المسألة كشفت هشاشة هذا القول حيث اضطر الكثيرين من جماهير أهل العلم كما قلنا لمخالفة الحديث إتكالاً على أنه حديث آحاد خالف صحيح القرآن الثابت والمتواتر والصريح.


الشيخ على جمعه يرد الحديث

كان على رأس ممن ذهب إلى ذلك حديثًا الشيخ "على جمعة" إذ جعل للحديث مخرجين وعلى المخالف أن يختار إما التأويل، وإما الرد للحديث وحينما قال بالرد وهو شىء عظيم خشى أن يستبكروا ذلك ويستعظموه فأتى بكثيرين من أهل العلم قد ردوا أحاديث للبخارى ومسلم.

فقال: أما إذا رفض المخالف ذلك التأويل وأراد الاستمساك بظاهر النص في الحديث الثاني، حيث لم يسعفه ظاهر النص في الحديث الأول، فنقول: نزولا على كلامكم وإذا اعتبرنا أن الحديثين دلا على أن أبوي النبي صلي الله عليه وسلم غير ناجيين، فإن ذلك يجعلنا أن نرد الحديثين لتعارضهما مع الآيات القاطعة الصريحة التي تثبت عكس ذلك مما مر، وهذا هو مذهب الأئمة والعلماء عبر القرون، وقد نص على هذه القاعدة الحافظ الخطيب البغدادي حيث قال : « وإذا روى الثقة المأمون خبرا متصل الإسناد رد بأمور : أن يخالف نص الكتاب أو السنة المتواترة فيعلم أنه لا أصل له أو منسوخ».

ورد المحدثون كالبخاري والمديني حديث : «خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل»، وقد ردوه لأنه يعارض القرآن كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسيره لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾.

وكذلك فعل الإمام النووي رضي الله عنه عندما رد ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت : « فرضت الصلاة ركعتين، ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر»، ورغم أنه متفق عليه لم يتهاون الإمام النووي في رد ظاهره؛ حيث ذكر : «أن ظاهره أن الركعتين في السفر أصل لا مقصورة، وإنما صلاة الحضر زائدة, وهذا مخالف لنص القرآن وإجماع المسلمين في تسميتها مقصورة، ومتى خالف خبر الآحاد نص القرآن أو إجماعًا وجب ترك ظاهره».