رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإرهاب.. والأدب

يذهب الناقد الدكتور جابر عصفور في كتابه "ضد التعصب" الصادر عن مكتبة الأسرة، إلى أن الإرهاب يتصل زورًا وبهتانًا بالدين الحنيف، الإرهاب الذي تصاعد تأثيره بشكل متسارع منذ السبعينيات من قبل بعض المجموعات الدينية المتطرفة الموازية للدولة، أو التي انقلبت عليها حين رفعت شعار الدولة الدينية.
وقد نتج عن ذلك - كما يشرح جابر عصفور ظهور جماعات منها، جماعة الفنية العسكرية "شباب محمد" سنة 1974، ومضت فيه جماعة "التكفير والهجرة" سنة 1977، وأكملته "جماعة الجهاد" التي أعيد بناؤها التنظيمي سنة 1979 لتقوم بعملية اغتيال السادات سنة 1981 التي كانت أخطر عملية عنف سياسي شهدها تاريخ مصر الحديث.
وبعد ذلك تواصلت عمليات الاغتيالات التي بلغت ذروتها مع اغتيال المفكر فرج فودة عام 1992، ثم نجيب محفوظ الذي نجا بأعجوبة من محاولة اغتيال عام 1994، هذا بالإضافة إلى موجات تكفير المفكرين والأدباء والفنانين ومصادرة أعمالهم ومنعها من التداول.
لم تبدأ صورة الإرهابي في الظهور في الأعمال الأدبية إلا بعد التسعينيات في أعقاب اغتيال الكاتب فرج فودة في 11 يونيو 1992، وبعد حوادث الاعتداء على الكاتب نجيب محفوظ، ومحاولة تدمير مقهى وادي النيل حيث يتجمع عدد كبير من المثقفين.
بعد تلك الحوادث تحرك المثقفون في مصر وأدانوا الأحداث، وكتب الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، قصيدة من ستين بيتًا بعنوان "شفق على سور المدينة" نشرها في مجلة إبداع، كما كتب بدر الديب قصيدة يرثي فيها الفقيد، وكتب إدوار الخراط ولطفي الخولي في مجلة إبداع التي تصدرها وزارة الثقافة ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، مقالات تعبر عن رأيهم في التطرف، كما كتب غيرهم من الكتاب في أماكن متفرقة.
الدراما كانت أسبق من الأدب في تناول التطرف، فظهرت أفلام سينمائية عديدة منها طيور الظلام، والإرهابي لوحيد حامد، كما ظهرت مسلسلات تليفزيونية ناقشت تلك الظاهرة منها العائلة لأسامة أنور عكاشة.
الكاتب العالمي نجيب محفوظ كان الأسبق في تناول تلك الظاهرة غير أن تناولها كان بصورة مغايرة لصورة الإرهابي الذي ظهر بعد التسعينيات، أشار نجيب محفوظ إلى شخصية المتطرف في رواية المرايا 1972، فنرى عبدالوهاب إسماعيل المفكر والشاعر الحالم الذي تنقلب أفكاره تدريجيًا لتصل به إلى التطرف والمغالاة، ويصل في النهاية إلى تكفير المجتمع ورفض كل ما يحكم المجتمع من قوانين وعلوم ويري أن المجتمع لابد وأن يعود جاهليًا كما كان حتى يمكن أصلاحه.
نجيب محفوظ كان يشير في روايته إلى شخصية سيد قطب التي عرفها جيدًا من خلال معاصرته له عندما كان الأخير ناقدًا وكاتبًا وعضوًا عاملًا في المجتمع الثقافي والأدبي، وهو المفكر والشاعر الذي تحول بأفكاره إلى منحى أكثر تطرفًا وتشددًا تصل إلى درجة تكفير المجتمع ورفض كل معطيات العصر من علوم وفنون.
ولاشك أن الأدباء لم يتوقفوا عن رصد تلك الحالة التي بدأت تسيطر على المجتمع والتي بدأت تظهر من خلال اتجاهين.
- الاتجاه الأول، التدين الملحوظ والظاهر بمظاهرة الأصولية سواء بارتداء الجلباب الأبيض أو الملابس الرجالية القصيرة، وإطلاق اللحى، والعودة إلى فقه بن تيمية والسنة المهملة.
- الاتجاه الثاني، هو الموقف من الآخر، والآخر في مصر هو الأقباط وبداية ظهور حالات التحرش الديني بين المسلمين والأقباط. 
ظهرت حالات التحرش الديني في أواخر السبعينيات في الخانكة وعين شمس والزاوية الحمراء، وفي الثمانينيات بدأ تنتقل إلى باقي البلاد. 
خلال تلك الفترة ومع بداية التسعينيات ظهرت رواية خالتي صفية والدير 1991، نشرت مسلسلة في جريدة المصور، ثم ظهرت في سلسلة روايات الهلال وتحولت فيما بعد إلى مسلسل درامي.
تصور خالتي صفية والدير موضوع الفتنة الطائفية بنعومة ووداعة ونبرة هادئة يتميز بها المؤلف، وتدور الأحداث في إحدى قري الصعيد المجاورة للدير، بطفل راو يروي أحداثًا رآها حيث كان أثناء العيد يحمل الكعك إلى المقدس بشاي في الدير الذي تربطه بأهل القرية علاقات مودة، فهو يقدم للفلاحين نصائحه.
خالة الطفل صفية فتاة جميلة تحب الشاب حربي الذي يدير أملاك خاله في الأقصر وكان من المنتظر أن يتقدم حربي لخطبة صفية وبالفعل يحضر حربي لمنزل صفية لخطبتها ولكن لخاله الذي يعمل عنده.
المفاجأة ألجمت صفية وهو ما جعلها توافق على الفور على خال حربي الطاعن في السن، وتزف إلى خال حبيبها عسران وبعد فترة تنجب ولدًا من زوجها، وتسري شائعات بأن حربي يريد أن يقتل ابن صفية وعسران من أجل الميراث، ليحتفظ بالثروة.
وعندما يعلم عسران يستدعي حربي ويهينه، ويبالغ في إهانته مما يجعل حربي يقتله ويحكم عليه بالسجن، وعندما يخرج من السجن يخاف من انتقام صفية فيلجأ إلى الدير وتستأجر صفية من يقتل حربي وتفشل المحاولة ويصاب حربي بمرض خطير مما يجعل صفية تصاب بنوبة اكتئاب وتدخل غرفتها ولا تخرج منها.
يقول الدكتور حمدي السكوت عن خالتي صفية والدير: لقد وفق بهاء طاهر لأنه يستلهم من هذا الموقف الشرير روح التسامح والود المتغلغلة بين المسيحيين والمسلمين في مصر على مر التاريخ، فيخلدها على الدوام لتبقي لتذكر المصريين بتاريخهم المتسامح في كل عصوره، باستثناء بعض الأوقات الشاذة والطارئة كتلك التي صدرت إبانها الرواية.