في ذكرى رحيله.. «علي الجارم» ارتدي عمامة البلاغة ومات مفتونا بسماع الشعر
نشأ الشاعر المصري علي الجارم، الذي تحل ذكري رحيله اليوم، في مدينة رشيد بمحافظة البحيرة، لم يعلم الفتى المفتون بالشعر منذ صباه أن أبياتًا منظومة يكتبها بالفطرة ستجعله يرتحل بين البلاد ويصبح أحد أشهر رجال عصره.
بدأ «الجارم» تعليمه القراءة والكتابة في إحدى مدارس رشيد ثم أكمل تعليمه الثانوي في القاهرة، بعدها سافر إلى إنكلترا لإكمال دراسته ثم عاد إلى مصر حيث كان محباً لها، وقد شغل عدداً من الوظائف ذات الطابع التربوي والتعليمي، فعُيِّن بمنصب كبير مفتشي اللغة العربية ثم عُيِّن وكيلاً لدار العلوم وبقي فيها حتى عام 1924، كما اختير عضواً في مجمع اللغة العربية، وقد شارك في كثير من المؤتمرات العلمية والثقافية.
ظل مفتونًا بمدينته "رشيد" التي شهدت الكثير من الأحداث المرتبطة بتاريخ مصر وفيها نبتت جذوره، وكان والده الشيخ محمد صالح الجارم أحد علماء الأزهر والقاضي الشرعي بمدينة دمنهور وتوفي عام 1949م.
مما قاله في حب بلدته "رشيد":
جـدّدي يـا رشـيدُ لـلحبِّ عَـهْدَا حَـسْـبُنا حـسبُنا مِـطالاً وصـدَّا
جدّدي يا مدينةَ السحرِ أحلاماً وعْـيشاً طَـلْقَ الأسارير رَغْدا
جدّدي لمحةً مضتْ من شبابٍ مـثل زهـر الربا يرِفُّ ويندَى
وأثناء زيارة علي الجارم لبريطانيا كتب عنها أبياتا شعرية يشير فيها أنه مهما اغترب يظل هو الفتي صاحب العمامة من مدينة رشيد المصرية حيث قال في بيتين :
لَبِـسْـتُ الآنَ قُـبَّـعَـةً بَـعـيـداً عن الأوطانِ مُعتادَ الشُّجونِ
فـإنْ هِـيَ غَيَّرَتْ شكلي فإنِّي "متى أضع العِمامةَ تعرفوني"
زار علي الجارم بغداد مرتين الأولى مشاركته في الحفل التأبيني الذي أقيم للشاعر جميل صدقي الزهاوي عام 1936 أما الثانية فهي التي نظم فيها قصيدته المشهورة (بغداد يا بلد الرشيد) وقد برع في الشعر التقليدي فأخرج ديواناً بأربعة أجزاء ضم عدداً من القصائد السياسية والأدبية والاجتماعية، أما في التاريخ والأدب فألف مجموعة من الكتب منها (الذين قتلتهم أشعارهم) و(مرح الوليد) تضمن السيرة الكاملة للوليد بن يزيد الأموي، و(الشاعر الطموح) تضمن دراسة عن حياة وشخصية الشاعر أبي الطيب المتنبي كما وألف عدداً من الروايات التاريخية: (فارس بني حمدان) و(غادة رشيد) و(هاتف من الأندلس) بالإضافة إلى عدد من المؤلفات (شاعر وملك) و(قصة ولادة مع ابن زيدون) و(نهاية المتنبي) كما قام بترجمة (قصة العرب في إسبانيا) للكاتب (ستانلي لين بول) من اللغة الإنكليزية إلى اللغة العربية.
وبالإضافة إلى تأليفه لمجموعة من الكتب الأدبية والاجتماعية فقد قام بتأليف عدد من الكتب المدرسية في النحو منها (النحو الواضح) الذي كان يدرس في المدارس المتوسطة والثانوية في العراق. وفي عام 1949 عندما كان يصغي إلى أحد أبنائه وهو يلقي قصيدة في الحفل التأبيني لمحمود فهمي النقراشي فاجأه أن سكت قلبه ففاضت روحه إلى بارئها عام 1949.
حصل على عدد من الأوسمة منها وسام النيل من مصر عام 1919، ووسام الرافدين من العراق 1936، كما منحته لبنان وسام الأرز عام 1947.
جاءت وفاته مفاجأة بالقاهرة وهو مُصغي إلى أحد أبنائه وهو يلقي قصيدة له في حفلة تأبين لمحمود فهمي النقراشي، عام 1949م.