رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمريكا والناتو.. فى المستنقع الأوكرانى

يقع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بين نارين، في الحرب الروسيةـ الأوكرانية.. بين تحذير الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الولايات المتحدة وحلفاءها من الانخراط في (أعمال حرب) مباشرة ضد روسيا، وبين الضغط من مجموعة من المشرعين الأمريكيين، الذين يطالبون بمشاركة بلادهم المزيد من المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، والاستجابة إلى طلب القادة الأوكرانيين بإنشاء منطقة حظر للطيران فوق البلد المحاصر؛ وإلى طلب بولندا تسليم طائراتها المقاتلة إلى الطيارين الأوكرانيين، عبر قواعد الولايات المتحدة في ألمانيا.. ويزيد النار لهيبًا فوق رأس بايدن، تحذير نائب وزير الخارجية الروسي، سيرجي ريابكوف، واشنطن، من أن موسكو ستعتبر تسليم الأسلحة الغربية إلى أوكرانيا من عدد من دول الناتو، ليس مجرد خطوة خطيرة، بل هو عمل يجعل تلك القوافل (أهدافاً مشروعة).. ويتمسك بايدن ـ حتى الآن ـ بتعهده، بعدم إشراك القوات الأمريكية في قتال مباشر مع روسيا.
وتواجه إدارة بايدن ضغوطًا متزايدة للانخراط أكثر في الحرب الأوكرانية، ولكن مع كل خطوة يطالب بها المشرعون والدول الحليفة والأوكرانيون أنفسهم، يشعر مسئولو الإدارة الأمريكية بالقلق من تزايد خطر، أن يصبحوا مشاركين مباشرين في الحرب.. وقد ظهر الخلاف مع بولندا حول تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة، مما يؤكد كيف يحاول البيت الأبيض تحقيق توازن حذر، بين دعم كييف بالأسلحة، مع الابتعاد عن خط نيران موسكو، خصوصًا أن بوتين أكد أن منطقة حظر جوي تقودها الولايات المتحدة فوق أوكرانيا، من شأنه أن يرقى إلى (المشاركة في الصراع المسلح)، كما أن السماح للأوكرانيين باستخدام قواعد في البلدان المجاورة لشن هجمات على روسيا، يعني أن الدول المضيفة متورطة بشكل مباشر في الحرب، وحذر المسئولون الروس من أن العقوبات الاقتصادية (الثقيلة)، التي فرضتها الولايات المتحدة وشركاؤها على روسيا، (أقرب إلى عمل من أعمال الحرب).
الأسبوع الماضي، فاجأت بولندا إدارة بايدن بالقول إنها ستنقل 28 طائرة مقاتلة من طراز (ميج 29) تحت تصرف الولايات المتحدة في ألمانيا، ليتم تسليمها بعد ذلك إلى الطيارين الأوكرانيين، مقابل طائرات F16 تستلمها من واشنطن، عوضًا عنها.. ولكن في بيان بدا وكأنه أوقف الفكرة، عكس المتحدث باسم البنتاجون، جون كيربي، قلق إدارته بشأن الكيفية التي سينظر بها الكرملين إلى مثل هذا التصرف.. لسبب واحد، (احتمال أن تؤدي مغادرة هذه الطائرات المقاتلة من قاعدة أمريكية للناتو في ألمانيا، للتحليق في المجال الجوي المتنازع عليه بين روسيا مع أوكرانيا، إلى إثارة مخاوف جدية لحلف الناتو بأكمله).. وتعكس رغبة بولندا، في تسليم الطائرات إلى الولايات المتحدة، قلقها بشأن كيفية رد روسيا، إذا أعطت الطائرات إلى أوكرانيا مباشرة، لأن بوتين يرى أصول الصراع بشكل مختلف عن خصومه، وقد أثبت أنه خصم عنيد ولا يمكن التنبؤ بقراراته.
بالنسبة لبوتين، فإن الخلاف الواضح بين وارسو وواشنطن، وداخل واشنطن، يمثل الهدية لبوتين، الذي يحاول إضعاف ما كان، إلى حد كبير، جبهة غربية موحدة.. ولذا، قال بوبي تشيسني، أخصائي قانون الأمن القومي في جامعة تكساس، (الروس يحاولون الضغط والخلط بين وحدة جهود الحلفاء بشأن العقوبات، وكل شيء آخر نقوم به من الواضح أن له تأثيرًا كبيرًا عليهم.. أننا لا نريد أن نشارك بشكل مباشر في الحرب بأي معنى قتالي، وهم يفهمون ذلك، ويريدون توسيع تعريف القتال إلى أقصى حد ممكن).
وترتبط عدم رغبة بايدن في إرسال قوات أمريكية للقتال في أوكرانيا، بتردد إدارته بشأن فرض منطقة حظر جوي على أوكرانيا، التي من المرجح أن تعني، بالنظر إلى الخدمات اللوجستية لمثل هذه العملية، اتصالًا مباشرًا بين القوات الروسية وقوات الولايات المتحدة، وشركائها في حلف شمال الأطلسي.. وقد تعرض البيت الأبيض لضغوط متزايدة، لفرض نسخة ما من منطقة حظر الطيران، وهذا قد يكون السبب في أن بوتين أصدر تحذيره الأخير ضدها.. ويتفق العديد من المحللين، على أن إنشاء منطقة حظر جوي سيشكل حتمًا مشاركة مباشرة في الحرب، وبسبب مبدأ الدفاع المشترك للناتو، فإن أي صدام بين روسيا وعضو في الناتو، بما في ذلك الولايات المتحدة، يمكن أن يتصاعد بسرعة.. (ما نحاول القيام به، هو إنهاء هذه الحرب في أوكرانيا، وليس بدء حرب أكبر)، هكذا قال وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، مؤخرًا، عندما تم الضغط عليه بشأن موضوع منطقة حظر الطيران.
أما الجوانب الأخرى للتعاون بين الولايات المتحدة وحلفائها وأوكرانيا فهي أقل وضوحًا.. على سبيل المثال، فإن إدارة بايدن أوقفت، في الأصل، نقل أنواع معينة من الأسلحة، وتبادل نوعيات من المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، بسبب المخاوف من أن أمريكا يمكن أن تُوصف بأنها مقاتل مشارك في الصراع.. وذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال)، أن الإدارة الأمريكية غيرت بعض توجهاتها، بشأن تبادل المعلومات الاستخباراتية، وهو ما انتقده بعض المشرعين الأمريكيين، باعتباره إجراءً بطيئًا للغاية في المستقبل.. وكل ما قيل في هذا الشأن، هو أن المعلومات الاستخباراتية التي تشاركها الولايات المتحدة مع أوكرانيا (مهمة، وتأتي في الوقت المناسب).
إلا أن أحد أكثر جوانب الصراع الروسي ـ الغربي، ينطوي على الفضاء الإلكتروني.. ولم تظهر بعد الهجمات الإلكترونية الرئيسية المدمرة، التي اعتقد الكثيرون أن روسيا ستستخدمها ضد البنية التحتية الحيوية في أوكرانيا.. لكن الجنرال بول ناكاسوني، الذي يرأس كل من وكالة الأمن القومي والقيادة السيبرانية الأمريكية، أخبر المشرعين في الكونجرس، أن وكالاته تتبعت ثلاث أو أربع هجمات إليكترونية روسية ضد أوكرانيا، منذ بدء الغزو.. ولا تزال الكيفية التي سيستجيب بها أصدقاء أوكرانيا في واشنطن وخارجها، أو تساعدها على الرد على الضربات الإلكترونية، بعيدة كل البعد عن الوضوح.. ففي الوقت الحالي، هناك الكثير من الغموض، حول كيفية تناسب الحرب السيبرانية مع القواعد الدولية التي تحكم الحرب.. لكن (يبدو أن أوضح القواعد تنطبق على الأنشطة السيبرانية، عندما تكون لها آثار مماثلة للهجمات المسلحة التقليدية).
إزاء كل هذه التحديات أمام بايدن، يطالبه فريقه بأنه يزن كل قرار بميزان دقيق، مع وضع وعده لأوكرانيا بمناصرتها، وعدم توريطه بلاده في الحرب أمام روسيا، في الاعتبار.. لكن المطالب المختلفة من بوتين وأوكرانيا ودول أخرى، تثير تساؤلات حول التحركات التي ترقى إلى مستوى أن تكون مقاتلًا في حرب بموجب القانون الدولي، أو- وهو الأهم- كمسألة سياسة أمريكية عملية، في إطار من الواقع الذي يقول إن واشنطن وحلفاءها ليسوا دائمًا متحالفين.
في نهاية المطاف.. عندما يبحث بايدن أو بوتين عن خيارات في أوكرانيا، فمن غير المرجح أن يكون القانون الدولي هو المحرك الرئيسي لقراراتهما.. بعد كل شيء، (كما هو الحال مع أي شيء من القانون الدولي، هناك دائمًا منطقة رمادية كبيرة، يمكن للجانبين أن يتجادلا بشأنها)، كما قال روبرت إيتنر، وهو محام سابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.