روسيا وأوكرانيا: حرب إعادة ترسيم القوى تلوح فى الأفق.. محللون وعسكريون يجيبون على «سؤال الساعة»

عقب الحرب الباردة، أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية، القطب الأوحد، ومؤخرًا بدأت أقطاب جديدة كالصين تظهر في الأفق، وروسيا كإمبراطورية عظمى تسعى لإعادة أمجادها في ظل السيطرة الأمريكية.

«استهنا ببوتين مرة وعلينا عدم تكرارها كنت أنام وأصحو في 2014 على حلم بألا يقع الغزو»، كلمات كتبها نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون روسيا وأوكرانيا بنيويورك تايمز خلال إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في مقال، وأضاف فيه: «بوتين يريد تغيير رقعة الشطرنج العالمية».

المسئول الأمريكي دعا واشنطن لاعتبار روسيا دولة ينبغي عزلها، وقال إن الولايات المتحدة فشلت بمواصلة العقوبات على روسيا والتي غزت جورجيا من قبل، وعلى أمريكا الدفع بتحالف غربي لمنع بوتين من الغزو، وإبعاد أوروبا عما أسماه بابتزاز الطاقة الروسية واحتواء خطر الدب الروسي.

روسيا على لسان المتحدثة باسم خارجيتها ماريا زاخاروفا، وصفت ما يحدث في البيت الأبيض بالهستيريا.

«زاخاروفا» عبر صفحتها بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، قالت إن: «الآلة العسكرية السياسية الأمريكية جاهزة للتحرك على حساب الناس، والعالم كله يراقب».

التوترات الروسية - الغربية - الأمريكية على أشدها، والعالم كله في حالة ترقب لما سيحدث على المسرح الأوكراني، «الدستور» تحدثت مع كوكبة من الخبراء لتوضيح تفاصيل المشهد، وهل العالم سيشهد حالة حرب لا مفر أم أن الكبار يتصارعون؟

اللواء محمد رشاد: روسيا تحافظ على أمنها القومي.. والتنازل عن شروطها مستبعد

«روسيا لن تتنازل عن شروطها»، كان بداية حديث اللواء محمد رشاد وكيل المخابرات العامة الأسبق، تصريحاته لـ« الدستور» بشأن الأوضاع في أوكرانيا والصراع الدائر مع روسيا.

وأضاف: «أوكرانيا موضوع حساس بالنسبة لروسيا التي لن تتنازل بأي حال من الأحوال عن شروطها التي تعتبرها أمن قومي، خاصة أن الموقف في حالة تذبذب، فروسيا رد فعل وليست فعلًا»، مشيرًا إلى أن حلف شمال الأطلسي سيبدأ في التوسع في أوكرانيا وماحولها، وأوروبا متبنية الموقف الأمريكي، لاسيما وأن واشنطن التي تحشد الدول المتاخمة لأوكرانيا لتصبح قريبة من أماكن الصراع، تعتبر أوروبا حائط الصد الأول عن مصالحها في هذه المنطقة.

وكيل المخابرات العامة الأسبق، أشار إلى أن روسيا لن تتحرك عسكريًا، وتحركها سيكون قائمًا على شعورها بالخطر، وهذا التحرك لن يكون احتلالًا بالمعنى الحرفي، لكنها يمكن أن تقوم بعملية خاطفة، وتسكين من يدينون لها بالولاء على مفاصل الحكم الأوكراني.

وأشار إلى أن أوكرانيا تسعى للانضمام لحلف شمال الأطلسي «الناتو»، والتحالف الأمريكي - الأوروبي يدرس هذه الخطوة، وأوكرانيا تحاول استفزاز الدب الروسي عن طريق أمريكا وأوروبا، فيما شدد على أن الجميع يتجنب الحرب، وموسكو تدرس التحركات في المنطقة، وتلمح بـ «قوى الردع».

اللواء سامح أبو هشيمة: «بوتين» يفاجئ الجميع ويعشق «الأمر الواقع».. وقواته البرية نقطة قوة

من ناحيته، قال اللواء سامح أبو هشيمة أستاذ الاستراتيجية القومية والعلوم السياسية، والمحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية:« روسيا تحاول ترتيب أوراقها الأمنية، والاتحاد السوفيتي قبل انهياره كان به 15 دولة تؤمن روسيا من ناحية الغرب والجنوب».

وأضاف في تصريحات خاصة لـ «الدستور»، أن الولايات المتحدة، وحلف الناتو، يحاولان تقليص النطاق الأمني لروسيا والذي يشمل بعض الدول المهمة جدًا للأمن القومي الروسي، ومن هذه الدول بيلاروسيا وأوكرانيا، فهم محور الاقتراب الرئيسي للاتحاد السوفيتي من ناحية الغرب، كما تشكل كازاخستان محور الاقتراب الرئيسي لروسيا من ناحية الجنوب.

المحاضر بأكاديمية ناصر العسكرية، أوضح أن الاتجاه النووي الروسي خلال فترة الاتحاد السوفيتي، كان متمركزًا في أوكرانيا التي مازال بها بنية تحتية نووية جاهزة للاستخدام، مشيرًا إلى أن كل ما يشغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هو تأمين الحدود الخارجية في النطاقين المباشر والإقليمي.

وأوضح «أبو هشيمة» أن مجالات الأمن القومي ثلاث، المجال الداخلي، ثم المباشر، وأخرهم الإقليمي، وبوتين يعمل على تأمين روسيا في المجال الإقليمي، وطلب من «الناتو» عدم التدخل في دول شرق أوروبا، أو دول البلطيق، التي تشكل الاقتراب المباشر لدول روسيا، إلا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يستغلون قدراتهم الاقتصادية في التأثير على هذه الدول التي تعاني اقتصاديًا، وهو ما يعرضهم للقلق الروسي.

وأشار إلى أن الصراع بين الولايات المتحدة وحليفها «الناتو» ضد روسيا، ستكون أرض المعركة أوكرانيا وبيلاروسيا، لافتًا إلى أن هناك أماكن استراتيجية جدًا في منطقة البلطيق، إقليم القرم والتي سيطرت روسيا عليه حتى لايشكل ثغرة لحدودها الأمنية، وكذلك دونباس الذي ساهم في انضمامه لروسيا، شعبه ذو الأصول الروسية، عن طريق استحقاق ديمقراطي وهو «الاستفتاء».

وتابع: «القدرات النووية الروسية لا تشكل الأسبقية في التهديد لأوروبا، ولكن ما يخيفها حقًا هو قوات روسيا البرية»، رؤية «أبو هشيمة» للتحالف الأوروبي هي أن فرنسا وألمانيا لا تريد الانخراط في الطريق الأمريكي ودخول صراع إقليمي مع روسيا في القرم، أما بريطانيا، الحليف الأوروبي الثالث، ترى أن ما حدث في الحرب العالمية الثانية، يمكن أن يحدث مجددًا، وهو ما جعلهم يسعون لتهدئة الموقف الروسي من أوكرانيا، وهو ماجعلها أيضًا ترسل قوات في بيلاروسيا وأوكرانيا لتشكيل وجود يوحي عزم بريطانيا وأمريكا على الدخول في معارك برية على الأرض الأوكرانية، وهو نقطة قوة عند الجانب الروسي.

وأشار إلى بريطانيا وأمريكا تحاولان إعادة تسليح أوكرانيا وبيلاروسيا وزيادة القدرات العسكرية ضد الحشد الروسي على الحدود، وفي المقابل تسعى روسيا لتأمين منطقة البلطيق.

وأوضح «أبو هشيمة» أن دراسة المزاج النفسي والأسلوب المتكرر لبوتين في جورجيا وأفغانستان والقرم ودونباس، تؤكد أن بوتين يحشد، ويقلل من أهمية الحشد، ومن ثم يفاجئ الجميع بالأمر الواقع، وإما اللجوء للحلول الدبلوماسية أو تقبل سياسات بوتين الذي يحاول إجبار دول الحلف على تقبل الأوضاع العسكرية التي فرضها لصالحه ولصالح أمن بلاده القومي.

طارق فهمي: لايوجد سيناريوهات محددة.. ضغوط كبيرة على «بوتين» والإدارة الأمريكية «فاشلة»

وعن السيناريوهات المتوقعة لما قد يحدث، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إنه لا يوجد سيناريو محدد وكل المشاهد متوقعة ومايجري هو استباق الحل العسكري عن السياسي لعدد من الاعتبارات المتعلقة بالموقف الروسي، وتصعيد الموقف المتمثل في بوتين الذي يخضع لضغوط كبيرة في مجلس النواب الروسي "الدوما"، الذي يسعى لحسم الملف الأوكراني مثلما تم حسم ملف شبه جزيرة القرم في نوفمبر 2014، وبالرغم من الاتصالات العسكرية الأمريكية  - الروسية التي دامت لما يقرب من 62 دقيقة خلال الساعات الأخيرة، إلا أنها لم تحسم شيئًا.

وأضاف: « الولايات المتحدة لا تستطيع الدخول في مواجهة عسكرية مع روسيا والصين، وفي الوقت نفسه إعادة تموضع القوات الأمريكية الرمزية في عدد من الدول الأوروبية، خاصة وأن الاستخبارات المركزية الأمريكية تؤكد بأن العملية العسكرية ستتم خلال ساعات».

وأشار «فهمي» إلى أن أمريكا تتوقع دخول أوكرانيا بصورة أو بأخرى، لافتًا إلى أن كل الشواهد تؤكد استباقية الحل العسكري، بصرف النظر عن حشد 120 أو 130 ألف على الحدود الروسية الاوكرانية، بالإضافة للمناورات العسكرية مع روسيا البيضاء.

«فهمي»، أكد أن السيناريو الأوقع هو احتلال منطقة شرق أوكرانيا وبدء تفاوض مفتوح بشأنها، ومن ثم تطويق المخاطر، و وقتها تكون العملية ذات دلالة رمزية أكثر منها استراتيجية، فالجانب الفرنسي يرفض للخيار العسكري، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الأخيرة لروسيا لم يأخذ سوى وعودًا، فبالتالي نحن أمام سيناريو مفتوح يشمل كل الخيارات المتاحة، وسيكون لهذا الأمر تداعيات على إقليم الشرق الأوسط وجمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة القوقاز وجنوب المتوسط و بالتالي هذه المواجهة الكبيرة ستكون نتائجها خطيرة، لكنها لن تذهب لحرب عالمية ثالثة.

وتابع: « الإدارة الأمريكية فاشلة وعاجزة عن اتخاذ إجراءات، الناتو سيكون وحيدًا في المواجهة ولن تستطيع الدولتين الكبيرتين فرنسا وألمانيا القيام بعمل عسكري، والعقوبات التي يمكن أن تفرض على روسيا سواء إخراجها من نظام السوفيت أو النظام المصرفي الغربي أو غيره من العقوبات إذا أقدمت على التدخل العسكري في أوكرانيا، يعتبر تهديدات فاشلة، كما فشلت مع كوريا الشمالية، وبالتالي فروسيا تدرك أن العقوبات إذا تم فرضها لن تكون بالصورة المتوقعة».

واختتم تصريحاته لـ «الدستور»: « في كل الأحوال، روسيا ماضية في طريقها، ولن يكون هناك تراجعًا عن أي خطوة قد تبدو دراماتيكية أو مفصلية، ولن تكون هناك حربًا شاملة، فالمنطقة لا تستوعب حرب عالمية ثالثة كما يتصور البعض».

«عليبة»: قرار الحرب لم يتخذ بعد.. ونواجه حربًا باردة من طراز مختلف

واستكمالًا للرد على تساؤلات «الدستور» بشأن الملف الروسي - الأوكراني، قال أحمد عليبة رئيس وحدة التسلح بالمركز المصرى للفكر والدراسات الاستراتيجية، الأزمة الأوكرانية هي امتداد لسلسلة أزمات ما بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية وشركائها الأوروبيين، إذ بدأت بأزمة القرم، مضيفًا: «نحن نتحدث عن أزمة تتعلق بمنظور الولايات المتحدة الأمريكية وشركائها بأن روسيا لديها تطلعات تتعلق باستعادة سياسات الاتحاد السوفيتي القديمة، في المقابل روسيا لديها منظور آخر في الاتجاه المقابل ترى فيه أن السياسة الأمريكية والأوروبية التي يعبر عنها الناتو تمثل تهديدًا لروسيا، والتي تتمثل في استعادة عافيتها في آخر 22 عامًا، وتحديدًا خلال وجود بوتين، والذي يمثل ظاهرة في الحالة الروسية، وبالتالي هناك حالة من الشد والجذب بسبب حلف شمال الأطلسي والمنظور الروسي».

وتابع: «كان هناك شد وجذب بين الولايات المتحدة وروسيا في عدد من الاتفاقيات، منها معاهدة التسلح الخاصة بالصواريخ متوسطة المدى «INF»، وبعدها معاهدة ستار، ومن ثم معاهدة نيو ستار، ولكنهم في النهاية وصلوا لحالة من التسوية السياسية، رغم تراجع الثقة بين الطرفين.

واستطرد «عليبة»: «روسيا ترى أن أوكرانيا أصبحت دولة في الناتو قبل الحصول على عضوية الحلف، ما يعنى أن السياسات والدعم العسكري الذي يقدمه أعضاء الناتو لأوكرانيا يتم التعامل معه كأن أوكرانيا أصبحت عضوًا بالفعل، حتى وإن لم تكتسب عضوية الحلف حتى الآن، وبالتالي وجود الحلف يعزز من وجهة روسيا بأن المسأله فيها نوع من الاستهداف».

وأوضح: «العام الماضي حشدت روسيا عسكريا على الحدود الأوكرانية، ثم تراجعت وهناك تأييدًا في جزء من الداخل الأوكراني في إقليم دونباس للسياسة الروسية، ولكن من المؤكد أن السياسات الأوكرانية تعارض التوجه»، مضيفًا: «أعتقد أن مسألة روسيا ترجع لعملية الحشد، ثم يبدأ الحشد في التحول لمناورات عسكرية أشبه ببروفة».

ونوه إلى أنه بالرغم من أن مسرح المعركة يظهر أنه يتهيأ لحالة حرب، وتوافر أدوات الحرب من الإمكانيات العسكرية والجنود، ولكن القرار النهائي لم يتخذ بعد.

«عليبة»، أوضح أن وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن تحدث بشكل واضح بأن التدخل العسكري الروسي لأوكرانيا يمكن أن يحدث قبل 20 فبراير الجاري، تزامنًا مع دورة الألعاب الأولمبية، ولكن روسيا تؤكد أنها ليست ساعة الصفر، مضيفا: « الرئيس الأمريكي جو بايدن يمتلك وجهة نظر بأن الانخراط أو الدخول في حرب مع روسيا حرب عالمية جديدة، وينذر بمخاطر عدة بالنسبة للنظام الدولي، وحديث بايدن بهذا الشكل يأتي في إطار قراءة أشمل فيما يتعلق بتطور العلاقة بين روسيا والصين بتلك المسألة، وهناك نوع من الاتفاق الدفاعي الروسي الصيني بأن روسيا أجرت بروفات في بعض دول الجوار».

وأضاف: «نحن في مرحلة تحمل ملامح الحرب الباردة، لكن من طراز متطور ومختلف عما

وقال: «الاتحاد السوفيتي كان متورطًا في أفغانستان، ومن ثم بدأت أمريكا في استهدافه عن طريق المقاتلين الأفغان، وبالتالي روسيا لديها مشروعا تكتيكيا، إذ ربما تسعى للسيطرة على بعض المناطق، ولكن ذلك من الممكن أن يخضع لمفاوضات في اللحظات الأخيرة، تتراجع على إثرها الولايات المتحدة»، موضحًا: «المسألة ليست بتلك السهولة، حيث أن هناك أكثر من ملف ضاغط مثل المصالح الروسية الأوروبية بالغاز».

وفيما يتعلق بمنظور أمريكا للعلاقات الروسية الصينية، أوضح «عليبة»: «نمر بمرحلة تحمل الكثير من المعضلات، لا يمكننا حسم هل الأطراف سوف تتجه لعملية تسوية جديدة قد تكون تاريخية، أم أن الأمور ربما تخرج عن السيطرة ونرى سيناريو جديد من الصدام بين القوى العالمية».