رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

طه حسين فى القرن الحادى والعشرين

وُلِد طه حسين فى عام ١٨٨٩، أى فى نهايات القرن التاسع عشر، وتوفى فى عام ١٩٧٣، أى قبيل الربع الأخير من القرن العشرين، فما الذى يدفع البعض الآن إلى الكتابة مجددًا عنه، والتذكير بأفكاره، ونحن نقترب من نهاية الربع الأول من القرن الحادى والعشرين، والعالم فى زمن ما «بعد الحداثة»؟

داعبت هذه الخواطر ذهنى وأنا أنظر إلى الإصدار الجديد للكاتب المتميز إيهاب الملاح «طه حسين: تجديد ذكرى عميد الأدب العربى»، وأعترف أنى وضعت الكتاب على مكتبى فى انتظار الوقت الذى أتفرغ لقراءته، ومحاولة الإجابة عن السؤال السابق. وعلمت أخيرًا بنبأ فوز الكتاب بجائزة أحسن كتاب فى العلوم الإنسانية والاجتماعية لعام ٢٠٢١ من معرض الكتاب، وعاد السؤال يلح علىَّ مجددًا: لماذا طه حسين من جديد فى القرن الحادى والعشرين، ولماذا يفوز عمل عن طه حسين بجائزة معرض القاهرة الدولى للكتاب الآن؟

وبدأت مطالعة الكتاب، وفى ذهنى قائمة بعشرات الأعمال التى تناولت طه حسين ونتاجه الفكرى. ورويدًا رويدًا بدأت الحيرة تتبدد، والإجابة عن الأسئلة السابقة تلوح أمامى، إذ ينتمى إيهاب الملاح إلى قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة، وهو قسم طه حسين، والكلية التى كان عميدها أيضًا. إذًا المؤلف هو نتاج الأسرة العلمية للأستاذ العميد: سهير القلماوى، أمين الخولى، عبدالعزيز الأهوانى، عبدالمحسن طه بدر، عبدالمنعم تليمة، جابر عصفور، حسين حمودة وخيرى دومة. وهنا تلعب- ما نسميه فى مجال التاريخ- «ذاكرة المكان» دورًا مهمًا فى إنعاش الحياة الثقافية.

ويُضيف الملاح سببًا آخر دفعه إلى الاهتمام بالعميد ووضع كتابه الآن، يقول الملاح إن كتابه هذا موجه بصفة أساسية إلى «أجيال ناشئة، بازغة، واعدة، تتساءل: ومن يكون طه حسين؟ وما أهميته لنا؟ ولماذا يجب علينا أن نقرأه ونتعرف عليه؟».

وهنا تذكرت السؤال الذى طرحه علىَّ الصديق الكاتب والناقد سيد محمود عن السر وراء غزارة الروايات التاريخية فى العقد الأخير، فضلًا عن كثرة الكتابات التاريخية لا سيما من غير المؤرخين المحترفين؟ وكانت إجابتى إليه: إنها العودة للتاريخ، ففى اللحظات الحاسمة فى تاريخ الأمم، يكون الجميع فى مفترق الطرق، وتصبح الخطوة الأولى فى طريق المستقبل هى مراجعة التاريخ.

من هنا تأتى أهمية كتاب إيهاب الملاح عن طه حسين، لأن الأسئلة التى طرحها طه حسين فى القرن الماضى، لا تزال- للأسف- مُعلَّقة دون إجابة، ومعركة إعمال العقل وحرية الفكر، هى المطلب والمبتغى حتى الآن. لذلك كله كان من المهم «تجديد ذكرى عميد الأدب العربى طه حسين» والتذكير بأسس التقدم، نقد التراث، واستقلال الجامعة، ومستقبل الثقافة.