«البحوث الإسلامية» ينشر موقف السعد التفتازانى من المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية
يعرض مجمع البحوث الإسلامية بجناح الأزهر الشريف بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، كتاب "موقف السعد التفتازاني من المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية"، للدكتور محمد عبد العزيز مشعل.
وقال الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية د. نظير عيّاد، إن مثل هذه الإصدارات تأتي تأكيدًا لدور الأزهر في الحفاظ على معتقد أهل السنة والجماعة، وثمرة من ثمرات جهود الأزهر الشريف ومؤسساته في العناية بتراث أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية، ونشر مذهبهم؛ حيث اتفقت كلمة كل من الأشاعرة والماتريدية ـ في المنهج والهدف ـ في درسهم الكلامي، واتسم هذا المنهج بالتوسط بين العقل والنقل، وكان هدفهم إثبات العقائد والدفاع عنها، مضيفًا أنه على الرغم من اتفاقهم في المنهج والهدف إلا أنه وقع بعض الاختلافات بينهم في فروع العقائد لا أصولها، وهذه الاختلافات لا توجب تفسيقًا ولا تبديعًا، ولكل منهم أدلته التي يستند إليها، وهذا يدل على رحابة مذهب أهل السنة والجماعة واتساعه.
أضاف عياد أن الإمام سعد الدين التفتازاني تميز في دراسته لعلم الكلام عمومًا والمسائل الخلافية بين المدرستين على وجه الخصوص بالدقة والاستيعاب؛ لكونه واحدًا من متأخري المدرستين، مما جعله يقف على كثير من التراث الكلامي لهما؛ وتناوله المسائل الخلافية بينهما في ثنايا كتبه بصورة دقيقة وعميقة حيرت الباحثين في نسبته إلى أي منهما، خصوصًا وهو الفيلسوف والأصولي والمنطقي والمتكلم، فكان أهلًا لهذه المهمة.
أوضح الأمين العام أن الدراسة تميزت باستيعاب المسائل الخلافية بين المدرستين، والتي تناولها السعد، سواء كانت تلك المسائل في الأمور العامة أو الإلهيات أو النبوات أو الأسماء والأحكام، والوقوف عليها عند كل فريق وبيان الخلاف أولًا بينهما، ثم الوقوف على رأي الأشاعرة في المسألة، وإبراز موقفهم من خلال كتب المتقدمين والمتأخرين منهم ما تيسر ذلك، وبالإشارة إذا كان عندهم أكثر من موقف، أو تطور حدث داخل المذهب حول المسألة، وبعد التعرض لرأي الأشاعرة يأتي الحديث عن موقف الماتريدية، من خلال كتبهم أيضًا، وإبراز ما إذا كان هناك أكثر من موقف أو تطور في المذهب.
أشار عياد إلى أنه بعد بيان موقف الفريقين يأتي الحديث عن موقف السعد وبيان ما إذا كان وافق الأشاعرة أو الماتريدية في المسألة، أو كان له ملمح آخر فيها بتوفيقه بين الرأيين، أو رده الخلاف إلى اللفظ، أو محاولة الوصول إلى فهم آخر بخلاف ما ترجح لكلا المدرستين.
كما أكد الأمين العام أن الدراسة تبين مدى التطور الفكري في كلا المدرستين، إلا أنه عند الأشاعرة نراه على مر العصور غالبًا، في حين نجده عند الماتريدية لدى متأخريهم، كما تبين أيْضا التلاقي الفكري بين المدرستين نتج عنه تأثر بعض متأخري الماتريدية بالأشاعرة، وأيضا تأثر بعض الأشاعرة بالماتريدية، كما امتازت بأنها أكدت على وجود تقارب بين متأخري الأشاعرة والماتريدية في المسائل الكلامية، وهذا التقارب كان للرازي دور كبير فيه، من خلال مناظراته مع نور الدين الصابوني الماتريدي، وهذه المناظرات كانت حول بعض المسائل الخلافية بين الأشاعرة والماتريدية؛ كصفات الأفعال وغيرها، الأمر الذي جعل متأخري الماتريدية يعيدون النظر في تلك المسائل ويروْن التراجع عنها وموافقة الأشاعرة، كما تأثر هو الآخر بآراء الماتريدية ووافقهم في بعض المسائل.
ولفت إلى أن العلامة السعد كان محققًا ومدققًا في دراسته للمسائل الخلافية، فيرجح تبعًا للدليل ولما يراه هو، دون التقيد برأي المدرستين الأشاعرة والماتريدية، فالمنطلق الذي ينطلق منه هو الدليل في الترجيح للآراء، وهذا يدل على فهم واضح لمذهب المدرستين واستيعابه للقضايا الخلافية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإنه يكشف عن التسامح بين أتباع المذاهب، وذلك بالعدول عن الآراء إذا تبين ضعفها، وعدم التعصب لآراء المذهب.
واستطرد قائلًا:إ ن الباحث كان على وعي تام بطبيعة موضوعه، وحقيقة القضايا المناقشة فيه، بدا ذلك من خلال شخصيته التي تميزت بالعمق في التحليل، والقدرة على المناقشة، وطول النفس في استقراء الآراء، والجرأة في الاستقصاء لجذور المسألة، وتتبع مراحلها؛ فضلًا عن المنهجية العلمية في دفع المغالطات والإجابة عن التساؤلات.