رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالناصر والسينما «3-3»

استلفت انتباهى بشدة الشعبية الكبيرة التى يتمتع بها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر فى أرجاء العالم العربى، وكم وُجِّه إلىَّ السؤال التقليدى من الأصدقاء العرب: لا نفهم أن يُهاجم عبدالناصر فى عقر داره، ومن جانب فريق من المصريين! الأكثر من ذلك أننى رأيت بنفسى الدموع فى عيون بعض العجائز عند ذكر عبدالناصر، فهو عندهم حلم ورمز للكرامة العربية، وأتفهم جيدًا كمؤرخ الجدل المُزمِن على صفحات التواصل الاجتماعى فى مصر- فى ذكرى حرب ٥ يونيو، وفى سبتمبر ذكرى وفاة عبدالناصر- حول عبدالناصر وعصره، ولكن ما لا أفهمه هو الشطط الشديد فى هذا النقاش واللجوء إلى مسألة «التقديس» أو مسألة «التخوين».

على أى حال يقدم لنا الناقد الكبير «كمال رمزى» تفسيرًا مهمًا لمسألة تحول عبدالناصر إلى رمز للكرامة والحلم الضائع فى الذاكرة العربية، من خلال استعراض صورة عبدالناصر فى السينما العربية. تعتمد دراسة كمال رمزى على عينة من ثلاثة أفلام: أولها «الأسوار» للمخرج العراقى محمد شكرى جميل، والثانى من لبنان «كفر قاسم» للمخرج برهان علوية، والثالث «أحلام مدينة» للمخرج السورى محمد ملص.

تدور أحداث الفيلم العراقى فى الخمسينيات وأثناء كفاح الشعب العراقى ورفضه لحلف بغداد والهيمنة الغربية على المنطقة، وفى الفيلم يظهر خطاب عبدالناصر فى ٢٦ يوليو ١٩٥٦ وإعلانه تأميم قناة السويس، فى ربطٍ مبدع بين الثورة المصرية والثورة العراقية. ويرصد رمزى هذا الربط قائلاً: «المشاهد التالية تقدم العراقيين الذين يتهيئون للثورة وهم يهنئون بعضهم. ذلك أنهم يعتبرون ويدركون أن هذا التأميم فى جوهره هو نصر للقوى الوطنية العراقية، بقدر ما هو انتصار للثورة المصرية». وبالفعل يُبرز الفيلم المظاهرات التى خرجت فى شوارع بغداد من أجل مشاركة شعب مصر فى النضال ضد العدوان الثلاثى فى عام ١٩٥٦.

ويحكى فيلم «كفر قاسم» عن مأساة هذه القرية الفلسطينية التى ارتكب فيها الاحتلال الإسرائيلى مجزرة كبرى ضد سكانها العُزَل. وتحت ضغط الرأى العام العالمى يقوم الاحتلال الإسرائيلى بعقد محاكمة صورية للضابط الإسرائيلى المسئول عن هذه المذبحة. وفى «كفر قاسم»، وبعد مشهد المحاكمة الصورية، يرتد الفيلم ليطالعنا برجال القرية مجتمعين فى المقهى ينتظرون خطاب جمال عبدالناصر عبر الراديو، وعقب أغنية وطنية يبدأ خطاب التأميم. ويُعَلِق كمال رمزى على هذا المشهد قائلاً: «وكما رصد شكرى جميل حماسة الجماهير العراقية للنصر المصرى، يرصد برهان علوية رد فعل سكان كفر قاسم فى فلسطين تجاه الخطاب، حقًا إن النساء تزغرد والنشوة تعم الجميع».

أما الفيلم السورى «أحلام مدينة» فيتعرض لسلسلة الانقلابات العسكرية التى عرفتها دمشق تباعًا، ومع كل انقلاب تستمع الجماهير إلى خطاب سياسى يتم فيه الهجوم على أتباع الانقلاب السابق، حتى سأم الناس سماع الخطب والبيانات السياسية.

ويعرض الفيلم لخطاب عبدالناصر وتأميم القناة، ويعلق كمال رمزى على محورية هذا المشهد فى أحداث الفيلم قائلًا: «عندما يعلن عبدالناصر عن التأميم يصبح رمزًا للفعل الوطنى ومعبرًا عن أحلام للقوة الوطنية ليس فى مصر وحسب، ولكن فى الوطن العربى كله. إن (أحلام مدينة) يجسد على نحو غنى بالدلالات الفرح السورى بالنصر المصرى».

من حقنا أن نختلف حول عبدالناصر، لكن من المهم أن نحترم أنه كان رمزًا لحلم الكرامة العربية.