علي جمعة: العفو خلق إسلامى عال ورفيع يدل على إعراض المتخلق به عن أعراض الدنيا
قال الدكتور علي جمعة، شيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن العفو خلق إسلامي عال ورفيع، يدل على إعراض المتخلق به عن أعراض الدنيا، وشهوات النفس الدنيئة، والعفو في اللغة: الإسقاط والذهاب والطمس والمحو ومنه: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} أي محا ذنوبك، وترك عقوبتك على اقترافها، ومن معاني العفو في اللغة أيضا: الكثرة، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى عَفَوْا} أي : كثروا. وكذلك من معانيه العطاء، ومنه قول لبيد : عفت الديار، قال ابن الأعرابي : عفا يعفو إذا أعطى، وقيل : العفو ما أتى بغير مسألة .
وتابع جمعة عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك": وفي اصطلاح الشرع: فيستعمل الفقهاء العفو غالبا بمعنى الإسقاط والتجاوز، ويختلف العفو عن الصلح في كون الأول إنما يقع ويصدر من طرف واحد، بينما الصلح إنما يكون بين طرفين. ومن جهة أخرى: فالعفو والصلح قد يجتمعان كما في حالة العفو عن القصاص إلى مال، وقد أمر الله نبيه ﷺ بالعفو، وكذلك بالصفح الجميل فقال سبحانه : خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ وقوله تعالى : فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ .
وأضاف: وأخبر سبحانه بأن العفو هو خير ما ينفقه العبد فقال تعالى : وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ العَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ، ولقد أمر الله بالعفو في مواضع شديدة لا يعفو فيها إلا من تجرد عن هوى النفس حقا، وكان عبداً ربانياً، فأمر الله بالعفو في قتل النفس فقال سبحانه : فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ . وكذلك أمر الله تعالى بالعفو عن غير المسلمين، وفي أشد مواقف العداء للمسلمين، مما يبين أن العفو يناقض هوى النفس فقال تعالى : وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ .
واستكمل: أمر الله تعالى صفوته وحبيبه بالعفو عن المؤمنين فقال : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاًّ غَلِيظَ القَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، وكذلك أمر حبيبه وصفوته بالعفو عن الكافرين الذين يكيدون له ولدينه، ويعادونه فقال تعالى : فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظاًّ مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ، ولقد حث الله على العفو ببيان أثره في الدنيا والآخرة فأخبر الله عز وجل عن أثر العفو في الدنيا فقال تعالى : وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.