رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تداعيات التنافس الأمريكى الصينى فى العام الجديد

مع بداية العام الجديد تصاعدت التوترات بين الصين وأمريكا فى منطقة البحر الجنوبى والمحيط الهندى وتايوان، وتصاعدت التوترات أيضًا بين أمريكا وروسيا فى منطقة أوكرانيا وكازاخستان، كما تصاعدت وتيرة الحرب الباردة باستمرار فرض العقوبات الاقتصادية، واستخدام ملف "الديمقراطية وحقوق الإنسان" للهجوم على الخصم الأول جمهورية الصين الشعبية.

يقول الدكتور سمير فرج، فى مقاله بجريدة "الأهرام" الخميس ٣٠ ديسمبر ٢٠٢١ تحت عنوان "العالم إلى أين ٢٠٢١": "إن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر الصين العدو الأول، وتليها روسيا، ثم مشكلة كوريا الشمالية، ثم الشرق الأوسط، وفى القلب منه إيران"، ويضيف فى فقرة أخرى من مقاله: "استمرت سياسة جو بايدن مثل الرئيس السابق دونالد ترامب، تعتمد على فرض عقوبات اقتصادية على الصين، وفرض قيود على الاستثمارات المتبادلة بين البلدين". 

ومن المعروف أن العداء بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والصين يأتى مواكبًا لصعود الصين عالميًا كقطب جديد يزاحم القطب الأمريكى الأوحد المسيطر والمهيمن على العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتى فى تسعينيات القرن الماضى، ليصبح العالم متعدد الأقطاب فى المرحلة القادمة، ويظهر هذا جليًا واضحًا فى التنافس الاقتصادى والعسكرى والفضائى والتكنولوجى.

ففى الاقتصاد نجد وفقًا للإحصاءات الأخيرة أن الناتج القومى الإجمالى لأمريكا يساوى حوالى ٢١ تريليون دولار، والناتج القومى الإجمالى للصين يساوى حوالى ١٥ تريليون دولار، ولكن وفقًا لنظام تعادل القوى الشرائية نجد أن الصين تعتبر القوة الاقتصادية الأولى فى العالم، وبالنسبة للميزان التجارى منذ عام ٢٠١٧ فهو لصالح الصين، حيث كانت واردات أمريكا من الصين ٥٠٥ مليارات دولار، وحجم صادراتها للصين ١٣٠ مليار دولار، وهذا معناه العجز فى الميزان التجارى الأمريكى ٣٧٥ مليار دولار، وهذا يفسر بالطبع الحرب التجارية التى شنها دونالد ترامب على الصين والمستمرة حتى الآن.

هذا بجانب الاستثمارات الصينية الكبيرة فى الدول العربية والإفريقية ودول العالم الثالث فى مجالات البنية التحتية، خاصة فى مجال النقل والمواصلات، ومجال الطاقة الجديدة والتكنولوجيا الرقمية، أيضًا انضمام معظم دول العالم لمبادرة "الحزام والطريق" الصينية التى تربط الصين بدول العالم تجاريًا واقتصاديًا، زِد على ذلك تقدم الصين فى التكنولوجيا الرقمية وتكنولوجيا الجيل الخامس للاتصالات، بجانب تقدمها فى مجال الذكاء الاصطناعى، سواء فى المجال المدنى أو العسكرى.

وإذا انتقلنا للمجال العسكرى سنجد أن الصين تحتل، وفقًا لتصنيف مؤسسة "جلوبال فاير باور"، المركز الثالث عالميًا بعد أمريكا وروسيا بزيادة الإنفاق العسكرى لديها فى السنوات الأخيرة، الذى وصل إلى ٢٥٠ مليار دولار للاستثمار فى تكنولوجيا السلاح، والتمدد فى محيطها الجغرافى فى المحيطين الهادئ والهندى، والحصول على تسهيلات وقواعد عسكرية فى بعض الدول والموانئ حول العالم، ومنها دولة جيبوتى فى شرق إفريقيا، وفى دولة غينيا بيساو غرب إفريقيا المطلة على المحيط الأطلنطى.

لقد استمرت الصين فى تطوير أسلحتها، وفاجأت العالم باختبار صواريخ تبلغ سرعتها ٥ أضعاف سرعة الصوت، وتدور على ارتفاع منخفض حول الأرض، بما يصعب رصدها، هذا غير السفن والغواصات الحربية المتطورة، والطائرات المقاتلة الجديدة الأكثر تطورًا فى مجال السلاح الجوى.

وفى مجال الفضاء، نجد التفوق الروسى والصينى على أمريكا، حيث نجح كل من روسيا والصين فى مجال إطلاق محطات فضائية دائمة، وأيضًا فى مجال تكوين قوة فضائية عسكرية، حيث نجحت الصين فى إطلاق صاروخ باليستى لتدمير قمر صناعى تابع لها فى الفضاء، كما نجحت روسيا فى نفس التجربة.

إن العالم فى بدايات العقد الثالث من القرن الواحد والعشرين سيكون أمام تغيرات فى النظام الدولى العالمى بصعود الصين وروسيا، أى عالم متعدد الأقطاب، ولذا ستشتد الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والصين وروسيا من جهة أخرى، بجانب بؤر الأزمات والصراعات المحتدمة فى الوطن العربى ومنطقة الشرق الأوسط. 

نتيجة لكل هذا، تساءل عدد من الكتّاب المصريين: ماذا بشأن العلاقات العربية الصينية، والعلاقات المصرية الصينية، وذلك فى ظل العلاقة القوية بين الأنظمة العربية والولايات المتحدة الأمريكية التى تصل لحد التبعية فى كثير من البلدان؟.

يقول الكاتب محمد كمال، فى مقاله "مصر بين أمريكا والصين" فى جريدة "الأهرام" ٢٩ ديسمبر ٢٠٢١: "استطاعت مصر أن تحافظ على علاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وعلاقتها المتنامية مع الصين حتى الآن، ماذا لو احتدم التنافس بينهما، هل ستستمر مصر والدول العربية فى تطوير علاقتها، بالتوازن مع كل من الصين وأمريكا؟".

ويقول الكاتب الدكتور أحمد يوسف أحمد، فى مقاله "العرب والتنافس الأمريكى الصينى" بجريدة "الأهرام" ٦ يناير ٢٠٢٢: "ماذا بشأن المواقف العربية من هذا التنافس لو طُلِب من أى دولة الانحياز لإحداهما، حيث العلاقات العربية الصينية الاقتصادية علاقات كبيرة، ومع استمرار تصاعد الصين دوليًا وتعزيز هذه العلاقات، سيصبح على الدول العربية التعامل بحرية مع كلتا الدولتين كقطبين موجودين نتيجة لعدم احتكار قطب واحد أوراق القوة (أمريكا)؟".

وفى نهاية مقالى أود أن أؤكد أنه ينبغى أن تتخذ مصر قراراتها بإرادة مستقلة لمصلحة الشعب المصرى، وذلك بعمل علاقات متوازنة مع كل الأقطاب لخير نهضة وتقدم واستقرار بلدنا مصر.