لماذا لا يفضل المصريون المدن الجديدة؟
فى حديثه، أمس، مع وزير الإسكان، تحدث الرئيس السيسى عن التحديات التى تواجه الدولة فى تغيير ثقافة المواطن، خصوصًا مَن يعيش فى الريف، للانتقال إلى «المجتمعات العمرانية الجديدة».
حديث الرئيس وضعنا أمام أسئلة مُلحّة: لماذا يرفض المواطن التوجه للمناطق الجديدة، رغم أنها مجهزة بشكل أفضل بكثير من نظيرتها القديمة؟ وما الذى يدفع الدولة أصلًا لإنشاء تلك المناطق؟ ولماذا تسعى بشكل دؤوب لنقل المواطنين إليها؟
خلال الأسبوع الماضى، قبلت على مضض دعوة على الغداء من أحد أصدقائى، وهو يقطن فى مدينة بعيدة، تكاد تكون نائية مقارنة بمحل سكنى، وكان شرطى أن يوفر لى سيارة تنقلنى من محل عملى إلى منزله، وتعيدنى إلى منزلى بعد انتهاء اليوم، وقد كان.
ورغم أننى أعيش فى «وسط البلد»- وهو مصطلح يعنى مركز الخدمات فى أى محافظة، وتتخطى تكلفة الوحدة السكنية فيه مليون جنيه وتصل إلى أربعة ملايين جنيه- وجدت أن المنطقة التى يقطن فيها صديقى- لا تصل قيمة الشقة فيها إلى مليون جنيه- أفضل بكثير من مكانى الحالى.
الوضع كان كالتالى: شقة فى منطقة جديدة أو شبه جديدة، شوارع مرصوفة، أماكن لركن السيارات، أشجار ورقعة خضراء، مدارس، نوادٍ، وغيرها، يبلغ سعرها تقريبًا ربع سعر شقة تفتقد إلى نصف ما سبق على الأقل، فما الذى يجعل من هذا منطقًا غير مقبول؟
فى البداية يجب أن نذكر أن مصر تواجه تحديات كبيرة فى ملف الإسكان، وفى ملف التنمية، خاصة مع التوغل السكانى الشديد بما يتضمنه من البحث عن مأوى، وما يتبعه ذلك من البحث عن عمل قريب، وخدمات مناسبة، وغيرها.
يدرك الرئيس جيدًا أن الثقافـة السليمة هى أساس نجاح أى مشروع، وبالتالى كان حديثه عن «ثقافة المواطن» تجاه «المجتمعات العمرانية الجديدة».
هذا التحدى الذى تواجهه الدولة له شقان، الأول يتعلق بإقناع المواطن الذى يعيش فى المناطق القديمة بالانتقال إلى أخرى جديدة، والثانى إقناع المواطن الذى يعيش فى المناطق الجديدة بأهمية قراره، واتخاذ ذلك كوسيله لتحفيز المزيد من الانتقالات.
يمكننا القول -حتى الآن- إن معظم الانتقالات جاءت بناءً على حاجة حتمية، وليست اختيارية، لكننا أيضًا لا نستطيع أن ننكر أن معظم من انتقلوا أكدوا أنهم فعلوا خيرًا بقرارهم، وليسوا على استعداد لعكس القرار والعودة للزحام.
يمكن أن ندرس ذلك بشكل جيد من خلال «قياس رضا العملاء»، لا يمكن أن تستمر أى مؤسسة صغيرة كانت أو كبيرة فى تطوير نفسها دون القيام باستطلاعات رأى، سواء لموظفى الشركة، أو العملاء، وما يوازى ذلك بحسب نوع المؤسسة.
من الضرورى مثلًا أن تسأل الدولة كلًا من المواطنين وأصحاب الأعمال: ما الذى يعوق الذهاب للمناطق الجديدة؟ وكيف يمكن تحفيز عملية الانتقال؟ ما الذى ينتظرونه؟ وما خطتهم لذلك إذا اضطروا؟ والكثير من الأسئلة التى قد تساعد فى وضع خطة عمل لأجل ذلك.
فمثلًا قد نكتشف أن أول مشكلة تواجه المواطنين ورجال ورواد الأعمال فى المناطق الجديدة هى «بُعد مقار العمل»، فمن الصعب على أى شخص أن يقضى ربع يومه فى الذهاب والعودة من العمل، فبعيدًا عن كونه أمرًا شاقًا، فهو أيضًا مكلف.
مشكلة كهذه يمكن حلها بعدة طرق، فعلى سبيل المثال يمكن تعزيز جهود «العمل عن بُعد»، ففى ظل التسويق والبيع الإلكترونى، ومشروعات الواقع الافتراضى، وتحديات مجال الصحة، بات «العمل عن بُعد» أمرًا حتميًا، بما يتضمنه ذلك من إقرار تشريعات، وضوابط، ولوائح تنفيذية للنظام الجديد.
من ناحية أخرى، يمكن تبنى نموذج يقدم ميزات لأصحاب الأعمال، من بينها مثلًا تسهيلات ضريبية، أو قروض دون فوائد، إضافة إلى الأدوات اللازمة للابتكار والتطوير، ما يحفزهم على إنشاء مقار لشركاتهم فى المناطق الجديدة، بما يخدم خطة الدولة، ويسهل عمليات الانتقال سواء للشركات أو المواطنين.
ما أود قوله إننا دولة تملك إمكانات هائلة، تتمثل في عقول أبنائها، وأصولها الضخمة، ولا تحتاج سوى بعض التنظيم والإدارة.