ضمن «حكاية كتاب».. الأزهر للفتوى يتناول قصة كتاب «أدب المفتي والمستفتي»
يلقي مركز الأزهر العالمي للفتوى، الضوء على كتاب «أدب المفتي والمستفتي» للإمام الحافظ ابن الصلاح (577هـ - 643هـ) رحمه الله، في إطار مشروعه التثقيفي «حكاية كتاب».
مؤلف الكتاب هو الإمام الفقيه الحافظ شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان ابن صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشَّهْرُزُوْرِيّ الشافعي، المعروف بابن الصلاح، المولود سنة577هـ في بلدة شرخان من أعمال أربيل -إحدى مدن العراق حاليًّا-.
تفقَّه الإمام على يد والده، كما تنقل بين الموصل وبغداد ونيسابور وحلب ودمشق وخراسان؛ متلقيًا العلم عن جمعٍ من مشايخ تلك البلدان، على رأسهم أبو جعفر عبيد الله بن أحمد البغدادي المعروف بابن السمين، وهو أقدم شيخ له.
و نبغ رحمه الله في عددٍ من العلوم كالحديث والفقه التفسير واللغة؛ مما أهَّله للتدريس في عددٍ من المدراس في البقاع الإسلامية؛ كالمدرسة الناصرية بالقدس، والرواحية بحلب، ودار الحديث بدمشق، وانتفع به خلق كثيرون.
حيث شهد له كثير من العلماء بسعة علمه وفقهه، وسداد فتواه؛ وقال عنه ابن خلِّكان: «كان أحدَ فضلاء عصره في التفسير، والحديث، والفقه وأسماء الرجال، وما يتعلق بعلم الحديث، ونقل اللغة، وكانت له مشاركة في فنون عديدة، وكانت فتاويه مسددة، وهو أحد أشياخي الذين انتفعت بهم». [وفيات الأعيان (3/243)]
و توفي الإمام ابن الصلاح صبيحة يوم الأربعاء، 25 ربيع الآخر سنة 643هـ بدمشق.
سبب تأليف الكتاب
لا تخفى حاجة الناس الضرورية في كل زمان للفتوى؛ لما لها من دور في ضبط المجتمعات واستقراها وتقدمها، وحفظ قيمها وأخلاقها، وهو ما استشعره الإمام ابن الصلاح من حاجة زمانه وكل زمان إلى ضبط شأن الفتوى وتذكير الناس بآداب المفتي المجيب، والمستفتي السائل؛ فصنّف هذا الكتاب القيّم.
واطلع رحمه الله على ما ذكره السابقون عن آداب المفتي والمستفتي كالصيمري والماوردي والخطيب البغدادي وغيرهم؛ فاستفاد من كتاباتهم، وجمع في كتابه شمل نفائس التقطها من خبايا الزوايا، بأسلوب بارع، وعرض متقنٍ يدل على سعة ثقافته وإحاطته بالمادة التي يُصَنِّف فيها.
أسلوب الكتاب
أورد المؤلف كتابه في نحو مائة صفحة، اتسمت بصياغة مُحْكَمة، وتوظيف دقيق للعبارات، ساق خلالها العديد من الأمثلة، التي بدا فيها مدى تأثّره بمذهب الإمام الشافعي، وترجيحه آراءه على غيره من المذاهب في المسائل الخلافية.
كما جمع في كتابه بين أسلوب المحدثين والفقهاء؛ فنقل الأقوال مسندة، وضبط ألفاظ الروايات، كما أورد بعض المسائل الفقهية، وآراء الفقهاء المختلفةَ فيها، مرجِّحًا بينها، ومُعلِّقًا على بعضها.
مقتطفات من الكتاب
بدأ المؤلف كتابه ببيان بعض المصطلحات المتعلقة بالفتوى؛ كالإفتاء، والمفتي، والاجتهاد، ونَقَل أقوال السابقين فيها، ثم بَيَّن خطر الفُتيا، ووجوب تَثَبُّت المفتي من فتواه مع سعة علمه وتمكنه في فنه، ثم ساق جملة من دلائل ورع كبار المفتين عند حديثهم في الفتيا، و حذرهم من نسبة الأقوال لغير قائليها، أو وصف الأمور بغير حقيقتها.
وعرض شروط المفتي اللازمة لقبول فتواه، والتي منها الأمانة والعلم والنزاهة عن أسباب الفسق ومُسْقِطات المروءة.
ثم قسَّم المفتين إلى قسمين:
الأول: مستقل؛ وهو الذي يستقل بإدراك الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة، من غير تقيد وتقليد لفقيه من الفقهاء، وشرطه أن يكون جامعًا لشروط الاجتهاد، ومتمكِّنًا من أدواته.
والثاني: مُفْتٍ غير مستقل، وهو المنتسب إلى أحد أئمة المذاهب المتبوعة.
ثم فصَّل الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها المفتي، ومما نص عليه في هذا الشأن:
- ألا يعجل بجواب السائل حتى يستوفي سؤاله.
- وأن يكون رفيقًا به صبورًا عليه، محتسبًا أجر ذلك.
- ألا يُفتي في حالة تغيّر خُلُقِه وانشغال قلبه.
- تحذير المفتي من التساهل في بحث المسائل، والتسرع في إطلاق الأحكام قبل استيفاء حقها من النظر والفكر.
- ألا يكتفي في فتواه بعرض الآراء، دون ترجيح أحدها.
- أن يبين الجواب بيانًا مزيلًا للإشكال.
- أن يعتبر قواعد فقه الخلاف، ويحترم اجتماع أهل المصر على رأي فقهي معتبر، فلا يخالف ما استقر عليه الفتوى.
- يُستحب له مشاورة من بحضرته من أهل الفتوى والرأي قبل إصدار فتواه.
ثم أتبَع ذلك عددًا من آداب المستفتي، منها:
- أن يسأل العلماءَ المشهود لهم بالتمكن في علوم الشرع، والورع، والأمانة، والفطانة، وفهم الواقع، وفهم الواجب فيه.
- أن يبجل المفتي في خطابه، وسؤاله.
- إن أحب أن تَسْكن نفسه بسماع دليل الفتوى وحجتها، سأل عنها في مجلس آخر.
والكتاب بآدابه ووصاياه باقة متنوعة تُظهر سماحة الشريعة، واحترامها للعلماء والعلم، ومحاولات الفهم، والتخصصية، وعدم المصادرة على حق كل الناس في السؤال والمعرفة، نسأل الله أن ينفع به المسلمين في كل زمان ومكان.