رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«موسم ديسمبر».. ضربة حظ المنتجين: عروض باهظة الثمن.. ودخول مفاجئ لأفلام الحركة والأكشن

لقطة من فيلم
لقطة من فيلم

منذ أن صارت السينما أبرز وسائل الترفيه لدى المجتمع المصرى، تبدلت المواسم السينمائية فى مصر مع تغيّر الشرائح الاجتماعية للجمهور، فاقتصرت المنافسة خلال العقود الماضية على موسمى عيدى «الأضحى» و«الفطر».

وبعد فترة من الزمن دخل «موسم إجازة منتصف العام الدراسى» على خارطة المنافسة، ثم أُضيف إليه «موسم شهر فبراير» بأفلام عيد الحب والرومانسية ثم أفلام «موسم الربيع»، ثم أصبح لدينا «موسم الصيف» الذى مر بتغيرات كثيرة على مدار أكثر من عقد ونصف العقد، لكنه لا يزال يحاول أن يبقى على أجندة المنافسة رغم تفاوت الظروف خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد فترة الحظر بسبب أزمة «كورونا» وإغلاق دور العرض أشهر طويلة ثم عودتها بنسبة مقاعد محددة بدأت بـ٥٠٪ ثم ارتفعت إلى ٧٠٪.

فى أربعينيات القرن الماضى كان هناك موسم سينمائى استثنائى لا تعرفه الأجيال الحالية، وهو «موسم رمضان السينمائى»، الذى كان يعد الحصان الرابح فى ماراثون شباك التذاكر.

كانت الأفلام التى تُعرض فى شهر رمضان تحقق إيرادات مرتفعة فى دور العرض، وكانت أعلى نسبة حضور، هى نسبة الحضور فى الحفلات النهارية، خاصة حفلة الثالثة ظهرًا، بينما كان يتم حجز الحفلات الليلية «من التاسعة إلى منتصف الليل» باعتبارها سهرات رمضانية تخلو من الخيام والأرجيلة لكنها ممتلئة بالفن والحياة. 

كان «موسم رمضان» فاتحة الخير على أفلام فترة الأربعينيات عندما تقرر إضافة حفلتين أخريين على البرنامج اليومى، لتمتلأ قاعات العرض بالمصريين الصائمين من العاشرة صباحًا وحتى منتصف الليل، وقد أضافت بعض السينمات حفلة السحور التى تمتد إلى الثانية والنصف بعد منتصف الليل.

وكما يحدث فى الوقت الحالى، من تصارع المنتجين على عرض أعمالهم الدرامية على الفضائيات والمنصات، كان كبار منتجى السينما، مثل أنور وجدى وعزيزة أمير، يتفقون مع السينمات قبل العرض على حجز أماكن حتى الانتهاء من تصوير الأعمال، ليصبح الاتفاق المبدئى للعرض فى موسم رمضان بالنسبة لهم هو الأهم على الإطلاق، الذى عرضت فيه أفلام مهمة تاريخيًا مثل «نهارك سعيد» لمنير مراد و«تعال سلم» لفريد الأطرش وسامية جمال و«أحب الغلط» لتحية كاريوكا وحسين صدقى.

وللتصوير فى شهر الصيام حكاية طريفة حدثت بين الفنانة كاميليا والنجم كمال الشناوى خلال تصوير أحد الأفلام، إذ طلب المخرج صلاح أبوسيف من «الشناوى» تقبيلها ورفض لأنه صائم، ورغم تلك القناعات لم يكن هناك أى مانع لدى الجمهور من قضاء النهار فى السينما.

وتراجع الموسم السينمائى الرمضانى فى ستينيات القرن الماضى مع بداية عصر جديد انتقل بالمشاهدات الرمضانية من دور العرض إلى البيوت عبر جهاز التليفزيون الذى دفع سكان كوكب الأرض للجلوس فى منازلهم، واقتصر عمل دور العرض على المواسم السينمائية المعروفة.

وعقب انحسار موجات «كورونا» الأشد خطورة حول العالم، أصبح «موسم ديسمبر» المستحدث ظاهرة وجب تحليلها لمعرفة أسباب ظهورها والنتائج التى يمكن أن تترتب عليها، فهو موسم يتواكب مع أعياد الكريسماس الغربية التى تقام فى الخامس والعشرين من ديسمبر، على عكس الكريسماس المصرى فى السابع من يناير، الذى يتزامن مع موسم إجازة منتصف العام للمدارس المصرية.

ويبدو أن سياسة التوزيع هذا العام تميل لعروض الأفلام المخصصة لطلاب المدارس الدولية، القادرين على دفع ثمن تذكرة السينما الذى أصبح يتجاوز ١٠٠ جنيه، ليقسم الموسم السينما طبقيًا وبالتدريج بين شرائح الجمهور، ويجعل بعض العروض وسيلة ترفيه للأغنياء فقط.

وخلال هذا الموسم، تتكدس فى القاعات أكثر من ١٠ أفلام تُعرض حتى آخر يناير ٢٠٢٢، دون الأخذ فى الاعتبار أن تلك الفترة هى فترة امتحانات للمدارس والجامعات، أى الشريحة الأكبر من رواد السينما.

والسؤال الذى يطرح نفسه هو: ما الذى يدفع المنتجين والموزعين إلى تكديس هذا العدد من الأفلام التى يبدو بعضها مناسبًا بالفعل لموسم إجازة نصف العام، مثل فيلم «برا المنهج» بطولة الطفل عمر الشريف وماجد الكدوانى وتأليف وإخراج عمرو سلامة وإنتاج شاهيناز العقاد؟

والتساؤل الثانى هو: لمصلحة مَنْ يتم تكريس الأفلام فى «موسم ديسمبر» على اعتبار أنه موسم إجازة نصف العام، مع أن هذا الإجراء يهدد الكثير من الأعمال بعدم تحقيق نسب المشاهدة المطلوبة ليتحوّل هذا الموسم المستحدث إلى مقبرة للأفلام؟

ومنذ سنوات ويعتبر شهر ديسمبر مساحة هادئة لرواد السينما من الشرائح الأكبر سنًا بعيدًا عن ضجيج أفلام نصف العام ومزاحمة شرائح الطلبة بمختلف أعمارهم، حيث إنه موسم أفلام الكريسماس الغربى التى عادة ما تدور حول تيمات عاطفية أو حكايات عائلية أو مغامرات تدور فى أجواء شجرة عيد الميلاد وثلوج القطب الشمالى من حيث تنطلق عربة بابا نويل تجرها الحيوانات ذات الفراء الناعم.

ولكن يتحوّل الموسم هذا العام إلى أفلام الحركة مثل فيلم «سبايدر مان الأخير.. العودة إلى المنزل» الذى يعرض فى مصر وأمريكا فى وقت واحد، ويعتبر نموذجًا لمحاولة تغيير تيمة الأفلام المعروضة خلال شهر عيد الميلاد الغربى، ربما لأن الامتحانات لم تبدأ بعد، وربما لأن هناك محاولة لتكريس الشهر كموسم جديد لصالح شرائح جديدة لم تكن تهتم بدخول السينما فى هذه الفترة من العام.

وكل هذه التساؤلات سوف تجيب عنها إيرادات الأسابيع القليلة المقبلة التى يمكن أن تحمل مفاجآت غير متوقعة سيسفر عنها الموسم السينمائى الجديد.