رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«خايفة أفشل».. قصص من حياة فتيات تحت رحمة «مشرط الختان»

ختان الإناث
ختان الإناث

فتاة صغيرة لم يتخط عمرها 6 سنوات، حين تعرضت لجريمة مأسوية كان الجاني الرئيسي فيها والدها، بعد أن اصطحبها لإجراء عملية ختان لها، لتلقى الطفلة مصرعها بعد دقائق معدودة من إجراء العملية غير المشروعة.

“ليلى” شقيقة الضحية، قالت لـ«الدستور»، شاهدتها تلفظ أنفاسها الأخيرة أمام عينيها دون أي حيلة لإنقاذها: "لم أستطع محو ذلك الموقف المؤلم من ذاكرتي حتى وقتنا هذا، وجعلني رافضة لفكرة الزواج بشدة" وتابعت: كان مبرر أبى «علشان تتجوز لما تكبر».

التجربة المأساوية التي تعرضت لها “ليلي” جعلتها ممتنعة عن التعامل مع جسدها، بعد أن استغرقت سنوات طوال للتعافي من تلك الذكرى القاسية عقب وفاة شقيقتها أثناء عملية الختان، ورغم بلوغها سن الرشد، إلا إنها مازالت ترفض التعامل مع أي شخص يُقدم على الزواج منها.

اللحظات الأخيرة لشقيقتها تراودها بين الحين والآخر، أملًا في ألا ترى فتاة أخرى في الموقف ذاته، لذلك بدأت فى حضور ندوات مناهضة عمليات الختان مع المجلس القومى  للمرأة، قائلًة: "الموضوع صعب، وأنا خايفة اتجوز يبقى عندى أعراض نفسية وأفشل فى حياتى".

ورش التوعية من مخاطر الختان

عقوبات رادعة وأرقام كارثية

كشفت تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) الصادرة عام 2016، أن عدد الفتيات اللاتي خضعن لعمليات الختان على مستوى العالم العالم يقارب 200 مليون فتاة، بينما وصلت نسبة مصر إندونيسيا وإثيوبيا إلى نصف هذا العدد، بينما أكدت أن 87% من المصريات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 خضعن لتلك العمليات، فيما بلغت نسبة الفتيات دون الـ14 عامًا إلى 14%.

ورغم حُظر هذه الممارسة في مصر منذ عام 2008، التي تصل عقوبة مرتكبيها من أطباء وغيرهم إلى السجن لمدة سبع سنوات، وقد يواجه أي شخص يطلب إجراء العملية عقوبة السجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، إلا أن البلاد مازالت هي صاحبة المعدلات الأعلى في هذه الممارسات على مستوى العالم، وغالبا ما يتم إجراؤها تحت حجة "الجراحة التجميلية".

كان قد رفع مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، ما يقارب من 3 آلاف قضية نيابة عن النساء، وكسب منها حوالي 1800 قضية، كان منهم قضايا ختان الإناث، ووفقاً لليونيسيف، فهناك 50% من المصريين يعتقدون أن عملية الختان لها علاقة بالدين.

لكن دار الإفتاء كان لها رأي آخر، حين أكدت أن الختان حرام شرعًا، وتُعد هذه العمليات من قبيل العادات وليس من قبيل الشعائر، فالذي هو من قبيل الشعائر إنما هو ختان الذكور باتفاق، منبهة على أن المطَّلع على حقيقة الأمر لا يسعه إلا القولُ بالتحريم.

برود جنسي

"لا زالت عيوني تترقب تلك الأيام المريرة، وعقلي يتذكر أيام زواجي التي لم تتخطى سوى أشهر قليلة فقط، لكنها مرت وكأنها سنوات ثقال، شعرت فيها بفقدان الرغبة الجنسية؛ ما جعل زوجي يتهمني بالبرود الجنسي"، بتلك الكلمات وصفت "سماح .ع ب"، البالغة من العمر 34 عامًا، مأساتها لـ"الدستور"، بسبب تعرضها لعملية الختان.

تتذكر الفتاة جيدًا اللحظة المؤسفة، التي فقدت فيها جزءًا من جسدها: "صراخي في ذلك اليوم مازال يراود أذني، حين حاولت بشدة منع أهلي من إجباري على إجراء العملية، وأتذكر جيدًا المشهد الذي دخل فيه والدي إلى المنزل برفقة شخص يحمل حقيبة صغيرة احتوت على عدة أدوات بينها (المشرط والموس)، وإذ فجأًة أحضرت أمي لي  ثوبًا واسعًا عبارة عن جلباب رجالي أبيض اللون، ودخلت بعدها الغرفة لأجد أقاربي مجتمعين من حولي، وعندما استفسرت عن الأمر أخبروني إنها عملية طهارة".

ختان الإناث

العملية المُحرمة شرعًا وقانونًا، خلقت فجوة كبيرة داخل الفتاة، لم تستطع التخلص منها نهائيًا، ورافقتها حتى يوم زواجها، التي اكتشفت فيه عدم قدرتها على التعامل مع عضوها التناسلي، لتتعرض للطلاق بعد فترة قصيرة من الزواج، ولم تفكر في تكرار الأمر مرة أخرى، خوفًا من التعرض لهذا الشعور القاسي.

لجان التقصي

الدور الكبير الذي يقوم به المجلس القومي للمرأة في مواجهة هذه الجريمة، لم يقتصر فقط على توعية النساء بأهمية منع هذه الممارسات، بل تطرق لأساليب أخرى فعالة على أرض الواقع، وهذا ما أوضحته الدكتورة رانيا يحيى، عضو المجلس القومي للمرأة، بالإشارة إلى الجولات المستمرة التي يتم تطبيقها بشكل منظم داخل المناطق الأكثر فقرًا وعلمًا في مصر، بهدف نشر التوعية بمخاطر عمليات الختان، والقضاء على هذه الظاهرة المتوحشة في هذه المناطق تحديدًا.
 

استكملت الدكتورة رانيا، حديثها مشيرة إلى أن وزارة الصحة تُعين لجانًا للتقصي، مهمتها إجراء التحريات حول الأطباء التابعين للوزارة والمنفذين لتلك العمليات في الخفى، وفي حالة ضبط أحدهم وهو يمارس تلك العمليات يتم محاكمته على الفور وشطبه من المهنة نهائيًا.

الدكتورة رانيا يحيى

وجهت عضو المجلس القومي للمرأة ، دعوتها لوزارة التربية والتعليم، لدورها الأساسي أيضًا في مواجهة الختان من خلال توعية الطلاب من مخاطر هذه الظاهرة منذ الصغر، على هيئة مناهج مبسطة وخفيفة يدرسونها مثل المواد الأساسية، حتى يتكون لديهم وعيًا بشأن مخاطرها، مشيرة إلى أن عادة ما تكون الأم هي التي لديها رغبة في إجراء العمليات لبناتها على عكس الآباء الذين لا يهتمون بهذا الأمر.

أنقذت حياة أطفالي من المشرط 
"فاطمة.خ"، ضحية أخرى تعرضت لأضرار صحية وخيمة بعد خضوعها لعملية الختان في سن مبكر، حين صممت والدتها على ختانها عند طبيبة نساء وتوليد، وتعرضت وقتها لنزيف حاد دخلت على إثره المستشفى، بعد أن توغل المشرط في عضوها التناسلي، وأصابها بجروح عميقة، فضلًا عن تأثرها نفسيًا.

المشرط القاتل

تتذكر الفتاة صاحبة الـ24 عامًا، المشهد الذي أعد فيه ذويها وليمة كبيرة جمعت أفراد العائلة، ووضع كل شخص النقود في يديها كهدية بعد إجراء عملية الختان، قائلًة: "العادات والتقاليد تُجبر الفتاة بالخضوع لهذه العملية، أنا لسة فاكرة الدكتورة وهى بتقولي متخافيش، إحنا هنشيل حتة صغيرة مش هتحسي بيها".

وتابعت “فاطمة”، مطالبًة الحكومة بضرورة محاربة هذه الظاهرة، كونها تؤثر نفسيًا بشكل كبير على الفتيات، بل وتعرضهم لأضرار صحية جسيمة في بعض الأحيان، إن لم يكن لدى الشخص الذي يجري العملية أي خبرة في استخدام المشرط، لذا قررت "فاطمة" أن تحمي بناتها من إجراء عملية الختان، وعدم تعريضهن لهذه المأساة.  

نقابة الأطباء تتدخل 

من جانبه، أكد الدكتور أسامة عبد الحي، وكيل نقابة الأطباء، أن عملية ختان الإناث ممنوعة منعًا باتًا وهذه القضية لا جدال فيها، منوهًا أن النقابة قد أعلنت مرات لا حصر لها في مختلف وسائل الإعلام عن حرمانية ممارسة هذه الأنواع من العمليات المجرمة شرعًا وقانونًا.

وأشار عبد الحي في تصريحات خاصة لـ"الدستور"، إلى أن هناك مرة واحدة فقط وصلت فيها تلك القضية إلي الهيئة التأديبية، حين تم معاقبة الطبيب الممارس لعمليات ختان الإناث بالشطب النهائي من جدول المهنة بالنقابة، فهذه عقوبة أي طبيب يقوم بإجراء عمليات الختان.

الدكتور أسامة عبد الحي

وعن الدافع لقيام الأطباء بمثل هذه العمليات، قال وكيل النقابة: "للأمر جذور عدة مثل قناعة بعض الأطباء الناتج عن منظورهم الديني الخاطئ، بالإضافة إلى الإغراء المادي وجشع بعض الأطباء في كسب المال من وراء إجراء هذه العمليات، فضلًا عن ضغط الأهالي علي الأطباء بالتحايل عليهم وترجيهم للقيام بمثل هذه الأمور، وفي كلا الحالات يجب معاقبة الطبيب الممارس للعملية لأنه خالف قسمه وآداب مهنته والقانون المصري كذلك".

الأمهات تكرر المأساة مع بناتهن

 أما من الجانب النفسي، قال الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن التأثيرات الجسدية التي تتركها عمليات الختان تسبب أضرارًا نفسية كبيرة لدى للفتيات قد يعانون منها لسنوات طويلة، بالإضافة إلى الفكرة التي تترسخ بداخل الفتاة، كونها أنثى مهدور حقها في المجتمع.
 

وأضاف فرويز، خلال حديثه مع "الدستور"، أن الألم يصبح مقترنًا داخل منطقة العملية في جسد الفتاة، ويخلق بداخلها الشعور بالرهبة تجاه الزواج فيما بعد، بجانب الآلام النفسية الناتجة عن الوحشية التي تمارس بسبب هذه الظاهرة، خاصة في الصعيد والمناطق العشوائية.

الدكتور جمال فرويز

أوضح فرويز، أنه علي مدار سنوات عمله شهد العديد من الفتيات اللاتي تدمرت نفسياتهن نتيجة هذه العادة، واستنكر كيفية أن بعض النساء عانين الأمر ذاته أثناء عملية الختان في صغرهن، ثم عرضوا بناتهن لمثل هذه الآلام كاعتقاد منهن أن هذه العادة تحميهن في المستقبل.

وأشار إلى أن ظاهرة الختان قضية ثقافية بحت، تلزمها عقودًا من التوعية الثقافية حتى يتم القضاء عليها، وقد يكون القانون رادعًا لكنه ليس كافيًا في معظم الأوقات، فأغلب حالات الختان التي تجرى في الصعيد لا يتم التبليغ عنها من الأساس