الكاتبة منال رضوان: لا أفكر في تصنيف الجنس الأدبي.. والثقافة تقضي على الإرهاب (حوار)
ترى أن كثرة الجوائز العربية ساهمت في عزوف دور النشر عن إصدار الأجناس الأدبية كالشعر والقصة القصيرة مقابل الرواية، مؤكدة على أن المثابرة وحدها وراء نجاح الكاتب حتي ولو لم يتواجد في القاهرة، إنها الكاتبة السكندرية منال رضوان.
تواصلت «الدستور» معها في هذا الحوار لبحث العديد من القضايا الهامة، وإلى النص:
ــ مارست أجناس أدبية متعددة ما بين الشعر والرواية والقصة القصيرة، أيهما الأقرب إليكِ؟.. ولماذا؟
بالفعل صدرت لي رواية بلكونة نحاس ثم مجموعة قصصية حور بالتزامن مع شعر رباعيات حب، وبعاد ثم مجموعة قصصية أخرى بعنوان طقس اللذة وهي أقاصيص قصيرة وديوان أنا عشتار وهو شعر فصحى، وربما كان ذلك لإيماني بسلطة النص الأدبي فانا عندما أكتب لا أفكر في تصنيف الجنس الأدبي، لذا أقوم بإنجاز أكثر من مشروع أدبي في الوقت ذاته، أميل إلى التكثيف وأعتبر أن القصة القصيرة والقصيدة هما الأقرب لكنني لا أنكر حبي للرواية.
- شهد العقد الأخير اتجاه عدد كبير من الشعراء إلى كتابة الرواية، بماذا تفسرين هذه الظاهرة؟ وهل تخضع لكثرة الجوائز العربية التي تمنح للرواية دونا عن الأجناس الأدبية الأخرى؟
دعيني أجيبك على الشق الأول من السؤال ربما حمل بين طياته إجابة على الشقين معًا، «نحن في زمن الرواية» هي المقولة الأشهر للناقد الدكتور جابر عصفور في أحد أشهر مقالاته ثم أكد نظريته تلك في كتابه «زمن الرواية»، وأوضح أن التكثيف الشديد للحظة الآنية في القصيدة الشعرية والقصة القصيرة قد لا يتواكب مع التغيرات المتلاحقة التي يمر بها عالمنا العربي، ما جعل الرواية بمثابة النهر المتدفق الذي يرسم صورة متكاملة للمشهد واعتبرها الجنس الأدبي الأقدر على التقاط الوقائع المتغيرة.
ومع تدفق الجوائز الروائية بداية من نوبل التي يفوز بها كتاب الرواية بالمناسبة إلى الجوائز المحلية، عزفت بعض دور النشر عن إصدار الدواوين الشعرية في مقابل الإقبال على نشر الروايات والترويج لها تجاريًا، لذا فإن الواقع قد فرض نفسه على اتجاه بعض الشعراء إلى الرواية، وربما وجد الشعراء ما يمكنهم التعبير عنه عبر السرد الروائي.
- هل تواجدك في الإسكندرية وبعدك عن المركز في القاهرة قلل من فرص النشر والانتشار بين القراء؟ أم أن الأمر سيان؟
- وجودي في الإسكندرية في فترات سابقة لم يؤثر عليّ، خاصة أن زوجي قاهري المولد والنشأة، وأعتقد بقليل من المثابرة يمكن تخطي الحاجز المكاني خاصة أننا في داخل حدود الوطن الواحد.
- كيف ترين دور الثقافة في مكافحة الإرهاب؟
- الثقافة هي السلاح الوحيد الذي يمكنه القضاء على الإرهاب، فهؤلاء يتحركون وفق عقيدة مرسومة لهم والعقيدة حتى وإن كانت فاسدة هي فكر والفكر بمثابة قناعات بمبادئ وأطروحات لا يمكننا مجابتها إلا بفكر مستنير يكشف زيفها، فعودة الأنشطة الفنية والثقافية إلى المدارس والجامعات والتفاعل فيما بين المثقفين والشباب والابتعاد عن التلقين لدى الصغار يمكنه أن يضمن لنا العبور من ذلك النفق المظلم.
- شهد العقدين الأخيرين من الألفية الثانية انتشارا ورواجا ملحوظا لفن الرواية، هل تري أنها صارت ديوان العرب المعاصر؟
- هذا السؤال يذكرني بمقولة مهمة للأستاذ الدكتور علي الراعي حيث أكد على أن الرواية أصبحت ديوان العرب المحدثين، كما أكد على ذلك أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ في مقال له نشر في عام 1945 وأوضح فيه إن الرواية هي الجنس الأدبي الأقوى.
لكن مع احترامنا لهذه الآراء إلا أننا لا يمكننا بحال أن نغفل دور الأجناس الأدبية الأخرى التي تعبر عن اللحظة الحالية بتكثيف شديد كالقصيدة الشعرية أو القصة القصيرة أو الكاشف منها كالمقال بل وحتى النقد الأدبي الذي أصبح ينظر إليه بوصفه إبداعًا فوق الإبداع يحمل رؤى فلسفية دالة وعميقة كما أوضح جوناتان كولر في كتابه الأشهر «عن التفكيك» عام 1982.
- هل تعاني الساحة الثقافية من أزمة نقد؟ وكيف ترين دور الناقد؟
إطلاقًا، لدينا من العلماء والأساتذة الأكاديميين من يقدرون على إدارة دفة النقد الأدبي كما أن بعض الاجتهادات المحمودة في أغلبها تصب في مصلحة ذلك اللون الإبداعي الكاشف، ولا يمكننا بحال من الأحوال أن نغفل الدور المهم الذي يقوم به الناقد ويمثل إضافة إبداعية أخرى تضاف إلى النص الأدبي.
- ما رأيك في "موضات" القراءة والكتابة، بمعنى في فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب، وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة، هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تحليلها؟
دعيني أحدثك عن الأدب الإنجليزي بوصف أن ذلك النوع من الكتابة «الرعب» ظهر على يد ماري شيلي «1797- 1851» بروايتها الأشهر فرانكشتاين، ولقد تعمدت هنا ذكر التاريخ لأذكر أن تشارلز ديكنز ولد في عام 1812 وتوفي في عام 1870، ولكي نؤكد على الفكرة فإن أجاثا كريستي كاتبة الرواية البوليسية الأشهر «1890 - 1976» قد تزامن وجودها مع وجود فيرجينيا وولف التي تعد من أوائل من استخدم تيار الوعي السردي.
لذا فوجود أدب الرعب والروايات البوليسية يمكنه أن يوجد إلى جانب الأدب الذي يخاطب تيار الوعي، وتكمن خطورته فقط إذا كان هو اللون الوحيد الذي تسلط الأضواء عليه، كما أن نجاح الكتابة التاريخية بشكلها الحديث في مرحلة أعقبت المرحلة الأولى لروايات نجيب محفوظ يعود الفضل فيه إلي الراحل جمال الغيطاني، والذي خلق حالة من الإبداع السردي التاريخي حاول البعض محاكاته عقب النجاح شديد الإبهار لأحد النصوص الأدبية وصياغته دراميًا وأقصد بالطبع الزيني بركات.
وفي النهاية مازلنا نتلقف أعمال يوسف السباعي وتوفيق الحكيم وطه حسين وغيرهم فهؤلاء قاموا بكتابة "موضة" باقية ولا تنتهي.
- لمن تقرأ منال رضوان ولا تفوت له عمل؟.. وما الكتاب المفضل لك ولماذا؟
نجيب محفوظ وطه حسين وتوفيق الحكيم وديستوفيسكي وبينديتي وإيتالو كالفينو الذي تعرفت إليه منذ وقت قريب وأحببت كتاباته جدا وغيرهم وفي الشعر بدأت بقراءة ناجي في سن صغيرة، ثم أمل دنقل محمود درويش أدونيس وغيرهم فضلا عن عشقي ليانيس ريتسسوس وماتشادو وغارسيا دي لوركا وقسطنطين كفافيس.
عن الكتاب المفضل ستكون الإجابة صعبة لكن في الأدب الجاهلي لطه حسين يعد الأقرب إلى نفسي لأنني أميل إلي المنهج البحثي، وبالمناسبة طالعت منذ أسابيع قليلة دراسة صدرت عن دار المعارف تحت عنوان «طه حسين وجوزيف بيديه تأصيل المنهجي لقضية الشعر الجاهلي» أفادتني على المستوى بشكل كبير.
- ماذا تعني لك الجوائز؟.. هل تكتبين عملا وعينك على جائزة بعينها؟
كلنا يسعى إلى نيل الاستحسان والجوائز إحدى أهم هذه الوسائل المعبرة عن ذلك لكن المبدع يجب أن يضع نصب عينيه إبداعه أولاً.
- الكتاب الورقي والإلكتروني أيهما الأقرب إليك.. ولماذا؟
الكتاب الورقي بالطبع، فذاكرة الورق هي الأعمق والأبقى ومع ذلك لا يمكنني إغفال دور التكنولوجيا في إتاحة قراءة بعض الكتب التي يتعذر الحصول عليها.
- هل عانيت صعوبات في أول طريقك مع النشر؟.. وأيهما الأسهل النشر الخاص أم الحكومي؟
عانيت مع التوزيع بالفعل وكان ذلك مع إحدى دور النشر.
النشر الخاص كان ينظر إليه بوصفه الأسرع ولكن مع تذليل الكثير من العقبات أصبح النشر الحكومي تجربة يسعي إليها معظم الكتاب.
- إذا كتبت قصة من سطر واحد عن الموت، كيف ستكون؟
- «ذات صباح، أخذ الله ابني ومنحني بعض الكلمات».
- هل أثرت الجوائز العربية وكثرتها على تحديد بوصلة واتجاهات الرواية المصرية؟
- كل ما يحدث في الوسط الثقافي العربي يؤثر في النص الأدبي كنتيجة طبيعية للتفاعل والاحتكاك وكلما زادت الفاعليات الثقافية زاد هذا التأثير.
- في رأيك لماذا لا تتحمس دور النشر للقصة القصيرة وتفضل عليها الرواية؟ وهل الأمر مرتبط بذائقة القراء؟
- العلاقة فيما بين الناشر والقارئ هي علاقة تبادلية فالناشر لا يحب المغامرة بأمواله والقارئ يألف المعروض وربما لا يسعى إلي تجربة الجديد. ولكي نكسر هذه الحلقة المفرغة ننتظر الحجر الأول لصنع موجات جديدة لأجناس أدبية أخرى يمكنها أن تقف من الرواية على مسافة قريبة أو متساوية.
- ما جديد الكاتبة منال رضوان وهل من المتوقع أن تشارك به في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته المقبلة؟
هى تجربة جديدة حول إعادة نصوص الأغاني بصياغة شعرية تحمل دلالات النص المسموع بلسان حال المستمع إليه، وهي تجربتي التي أحشد لها جل حواسي الآن وستكون تحت عنوان 105.8 أغاني، وقد نشرت بعض هذه النصوص في الموقع الرسمي للهيئة العامة للكتاب ومن بعض هذه النصوص:
فيروز،
تلك التي تحصد عند الفجر مئة حبة من حنطة
وتزفها إلى بيدر ذاكرة ضبابية؛
حيث أمنية لقاء وبعض الأخشاب المحترقة..
«كيفك إنت !»
أمطار الخريف وخشخشة وريقات تدوسها الأقدام اللاهية،
حسبهم أنهم يمجدون الرقص تحت المطر؛
وإن رقدت أوراقنا مخضبة بدموع السماء
«فات الميعاد!»
قهوة بمذاق الحلوى،
قصائد متناثرة، رسائل محذوفة،
همس مذيل بعبارة لم يقرأ أحد؛
لكنها قُبلة مختلسة لطفلين توقف بهما المصعد عند طابق أخير.
«أول مرة تحب يا قلبي!»
- أين يقع الأدب النسائي على خريطة الثقافة المصرية؟ وهل الكاتبات يأخذن فرصهن كاملة، سواء في التناول النقدي أو فرص النشر؟
بوجه عام لا أفضل عبارة الأدب النسائي فتصنيف الأدب هو الرصاصة الأولى لقتل الإبداع فإن كنا نقصد بهذا المصطلح الأدب الذي يتحدث عن المرأة ومكنونات نفسها سنجد أن من أفضل من عبر عن هذا هو إحسان عبد القدوس على سبيل المثال وإن كنا نقصد أن الأدب النسائي هو ما تكتبه المرأة فقد قمنا بسجنها داخل رداء النوع دون أن ندري، والمرأة ككاتبة للنص الأدبي بالفعل أخذت حقها كمبدع في مصر ولدينا الكثيرات من الأديبات اللاتي نلن التقدير والتكريم و بغض النظر عن المحلية فعربيًا الأشهر والأكثر مبيعًا روايات أحلام مستغانمي وعالميا أليف شافاق كما أن الفائز بالبوكر عن عام 2020 ماريكا لوكاس رينفيلد عن رواية قلق الأمسيات وماريكا هي امرأة ومن مواليد 1991 فمحليًا عربيًا وعالميًا الإبداع الجيد يفرض وجوده.
- من من كتاب القصة القصيرة الذين قرأت لهم قبل أن تكتبي هذا الفن الأدبي؟
هناك العديد من الكتاب لكن أشدهم تأثيرًا بالقطع د. يوسف إدريس، فعباراته تحمل طزاجة ومرونة ما زالت داهشة بالنسبة لي وأشعر وكأنها كتبت اليوم.
- ما مدى الزمن الذي تستغرقه كتابتك لإحدى القصص القصيرة؟ وهل تواجه أحيانًا بعض الصعوبات في أثناء الكتابة؟ مثل ماذا؟
لا يوجد مدى محدد، هناك قصة تكتب كومضة ربما في دقائق فور اختمار الفكرة، وهناك قصة يمكن أن تظل لأسابيع أو شهور لا أستطيع استكمالها.. صعوبة الوحيدة تكمن في عناد الفكرة .
- كيف ترين مستقبل القصة القصيرة في مصر؟
متفائلة جدًا فقد ساهمت كورونا في مكوث القراء بمنازلهم وذلك منح الرواية الكثير من الاحتفاء الذي تستحقه كرفيق رحلة التوجس الماضية، وفور عودة الإيقاع السريع للحياة يمكن أن تأخذ القصة القصيرة مكانتها المستحقة.