«ملتقى الحوار» يصدر تقريرا عن علاقة استراتيجية حقوق الإنسان بتغير المناخ
أصدرت وحدة الدراسات والبحوث بملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان، تقريرا بعنوان (تأثير تغير المناخ على حقوق الإنسان في ظل الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان).
وأكد التقرير أن تغير المناخ يعد أحد القضايا التي تتصدر الاهتمام العالمي لعدة سنوات، وإلى يومنا هذا يحذر الخبراء من ارتفاع درجات الحرارة، مما سيؤدي إلى ارتفاع مستويات سطح البحر. وعلى الرغم من التهديد الواضح لتغير المناخ في العالم ككل، لم يتم فعل الكثير نسبيا لمعالجة هذه المسألة حتى في مواجهة عدة تحذيرات من أن الكوكب يقترب من "نقطة اللاعودة".
وتناول التقرير عددا من المحاور أبرزها:
أولًا: تغير المناخ وتباعياته
1- ما هو تغير المناخ؟ ما الذي يسببه؟
عرف التقرير تغير المناخ بأنه تحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس، يمكن أن تحدث هذه التحولات بشكل طبيعي، ولكن الأنشطة البشرية تعتبر السبب الرئيسي لتغير المناخ، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى حرق الوقود الأحفوري (مثل الفحم والنفط والغاز)، والتي تنتج غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان. تم تسجيل 2010-2020 العقد الأحر في التاريخ حتى الآن حيث كان متوسط درجة الحرارة العالمية أعلى من مستويات ما قبل الثورة الصناعية بـ 1.1 درجة مئوية في عام 2019.
2- عدم المساواة في تقاسم التكاليف
الجانب الأكثر مدعاة للأسى في تغير المناخ هو أنه يمثل أوجه عدم المساواة الجسيمة الموجودة في العالم، فالشعوب المهمشة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وسياسيا ومؤسسيا أو غير ذلك هم عرضة بشكل خاص لعواقب تغير المناخ وأيضا لبعض استجابات التكيف والتخفيف.
وفي عام 2019 على سبيل المثال، من بين البلدان العشرة الأولى الأكثر تأثرًا بتغير المناخ، تم اعتبار دولة واحدة فقط (اليابان) دولة متقدمة حيث احتلت المرتبة 19 في مؤشر التنمية البشرية في عام 2020 والرابعة الأكثر تأثراً بتغير المناخ نظرا لكونها جزيرة.
أكد التقرير أن القارة الأفريقية تواجه مخاطر أكبر من تغير المناخ، يقدر أنه بحلول عام 2030، سيتعرض ما يقرب من 118 مليون شخص ذو الفقر الشديد في القارة للجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة، مما سيعرقل التقدم نحو تخفيف حدة الفقر والنمو.
3- آثار تغير المناخ على البيئة
يؤثر تغير المناخ على المجتمعات لأنه يؤثر على النظم الإيكولوجية والموارد الطبيعية التي يعتمد عليها في سبل عيشها. وذكر التقرير أن الآثار المترتبة على تغير المناخ على سبيل المثال وليس الحصر، هي: (مصادر المياه العذبة، النظم الإيكولوجية الأرضية، النظم الساحلية والمناطق المنخفضة، أنظم المحيطات، أنظمة الأمن الغذائي والإنتاج).
ثانيًا: حقوق الإنسان المتأثرة بتغير المناخ
إن تغير المناخ مسألة تتعلق بحقوق الإنسان تماما كما هي مسألة بيئية، لأنه تؤثر حتى على أبسط الحقوق الأساسية، فحقوق الإنسان حقوق عالمية غير قابلة للتصرف يحق لجميع البشر الحصول عليها. جميع الآثار المذكورة لتغير المناخ لها إما آثار مباشرة أو غير مباشرة على حقوق الإنسان، وهذه الحقوق هي:
1- الحق في الحياة: إن تغير المناخ يقتل من خلال الجفاف، وزيادة الحرارة، وتوسيع ناقلات الأمراض وعدد لا يحصى من الطرق الأخرى، وتغير المناخ هو المسؤول عن حوالي 400.000 حالة وفاة سنويا، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى 700،000 بحلول عام 2030.
2- الحق في تقرير المصير: يعتبر سكان الجزر الصغيرة والمناطق الساحلية والمناطق الواقعة تحت مستوى سطح البحر هم الأكثر عرضة لفقدان هذا الحق حيث يواجهون احتمال فقدان منازلهم لارتفاع منسوب مياه البحر وبالتالي لن يكونوا قادرين على التمتع بهذا الحق.
3- الحق في التنمية: قد يتسبب تغير المناخ في خسارة 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العالمي إذا لم يتم اتخاذ أي إجراء لمكافحته، ويمكن للبلدان النامية أيضا أن تجد نفسها في وضع يمكنها من تحويل الموارد بعيدا عن قطاعات التعليم والصحة والزراعة لمواجهة تغير المناخ وآثاره.
4- الحق في الغذاء: فتغير المناخ يشكل تهديدا للأمن الغذائي لأنه يتسبب في فشل المحاصيل وانخفاض غلة صيد الأسماك بسبب التغيرات الإيكولوجية، وكانت أفريقيا هي الأشد تضررا عندما يتعلق الأمر بإنتاج الأغذية، أدت آثار تغير المناخ في أفريقيا إلى زيادة وتيرة وشدة حالات الجفاف في بعض المناطق، وخفضت معدلات نمو الحيوانات وإنتاجيتها في النظم الرعوية.
5- الحق في المياه والصرف الصحي: ويهدد تغير المناخ بخفض كميات المياه السطحية، مما يؤدي إلى نقص المياه وزيادة المنافسة على المياه. كما أن أكثر من 20 % من أحواض الأنهار في العالم شهدت إما زيادات سريعة أو انخفاضا في مساحة مياهها السطحية في عام 2020.
6- الحق في الصحة: من المرجح أن يتسبب تغير المناخ في زيادة المشاكل الصحية مثل أمراض الجهاز التنفسي بسبب زيادة تلوث الهواء وسوء التغذية بسبب نقص الغذاء الناجم عن تغير المناخ، ومرة أخرى، فإن الدول الأكثر ضعفا والأقل نموا هي التي ستتحمل أكبر قدر من الضرر بسبب محدودية أو عدم الحصول على الرعاية الصحية.
7- الحق في السكن: يتأثر هذا الحق بتغير المناخ لأن الأحوال الجوية القاسية والعواصف تؤدي إلى تدمير المنازل، وعلاوة على ذلك، فإن التغيرات الشديدة في الأرصاد الجوية قد تجعل بعض المناطق غير صالحة للسكن تماما مما يؤدي إلى تشريد السكان، وأزمات إنسانية هائلة محتملة وخلق المزيد من اللاجئين.
8- الحق في التعليم: حيث لن يتمكن الأطفال الذين يعيشون في المناطق المتضررة من تغير المناخ من تحمل تكاليف التعليم لأنهم سيضطرون إلى العمل لإعالة أسرهم، وبالإضافة إلى ذلك، قد تضطر الدول إلى إنفاق الموارد المخصصة للتعليم على جهود الإغاثة لمكافحة آثار تغير المناخ.
ثالثًا: الاستراتيجية الوطنية المصرية لحقوق الإنسان وتغير المناخ
ذكر التقرير أن الاستراتيجية أخذت في الاعتبار مسألة تغير المناخ باعتبارها قضية حقوق الإنسان التي تشير إلى حماية البيئة كقضية تحتاج إلى معالجة في إطار التمسك بالحق في الصحة في إطار المحور الثاني للإستراتيجية الوطنية.
وقد حددت الاستراتيجية الوطنية العناصر التالية بوصفها عناصر تعالج بالفعل مسألة تغير المناخ التي ستدرج في الاستراتيجية: الحد من التلوث؛ تعزيز الإدارة السليمة للمواد والنفايات الخطرة بما في ذلك التخلص الآمن من النفايات؛ الحفاظ على التوازن البيئي والتنوع البيولوجي؛ تطوير المحميات الوطنية؛ تحسين البيئة في القرى الأشد احتياجا؛ وتطوير واستخدام مصادر الطاقة المتجددة.
غير أن الاستراتيجية حددت أيضا عدة تحديات يجب التغلب عليها لتحقيق هذه الأهداف وهي: عدم وجود إدارة مستدامة سليمة للموارد والأصول الطبيعية، والعقوبات المفروضة على قانون البيئة، والقوانين ذات الصلة التي لا تتلاءم مع الهدف المقصود المتمثل في الردع، وعدم وجود سياسات للحد من التلوث، وضعف الوعي، والمشاركة المجتمعية في الحفاظ على البيئة، الحاجة إلى تطوير نظام للتخلص من النفايات الخطرة، ومصادر التمويل المحدودة المتاحة لتحقيق الإدارة الفعالة للمحميات الطبيعية ومكونات التنوع البيولوجي.
واختتم التقرير أن قضية تغير المناخ هي قضية حقوق الإنسان التي تؤثر علينا جميعا مع أبسط الحقوق التي على المحك. وقد لا يؤثر تغير المناخ علينا جميعا بنفس الطريقة، ولكنها أضعف الفئات التي يمكن أن تكون الأكثر تأثرا دون ذنب، والأسوأ من ذلك هو أن أولئك الذين سيلحق بهم الأذى أكثر من غيرهم لا يتم الاستماع إليهم كما ينبغي، وهو ما يوجب تكثيف الجهود الدولية في سرعة التصدي للتغير المناخي.