أيام البركة.. الأقباط يبدأون صوم الميلاد: أكل نباتى وعزائم روحية ومدائح وتسابيح
تبدأ الكنيسة الأرثوذكسية، صوم الميلاد المجيد، لمدة ٤٣ يومًا، ينتهى ليلة عيد الميلاد فى ٧ يناير المقبل. وصوم الميلاد من أصوام الدرجة الثانية بالنسبة للأقباط، ويسمح خلاله بتناول السمك، عدا يومى الأربعاء والجمعة من كل أسبوع، وتكون طقوس الصوم مختلفة هذا العام بشكل نسبى، بسبب ظروف انتشار فيروس كورونا، إذ ستقام غالبية الصلوات وفقًا لإجراءات احترازية، على رأسها الحضور فى الكنائس بأعداد محدودة.
تحذيرات من المنتجات الحيوانية وباحث: التليفزيون عدو الصائمين
قال المهندس مرقس حنا، باحث فى الطقوس الكنسية، إن «فكرة الصوم لدى الكنيسة تتمثل فى حرمان الجسد من بعض مصادر طاقته ليدرك أنه لا حول له ولا قوة دون الله، ومع ذكر اسم الله تبدأ الروح فى السمو، فتغض بصرها عن الخطايا مثل الشهوة والغضب والانتقام، وتتجه للصلاة للتقوى بها فى محاربة الزلات».
وأشار «حنا» إلى أن «الصوم يبدأ بالانقطاع عن المأكل والمشرب والتدخين فى حالة المدخنين والعلاقة الحميمة للمتزوجين من الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل، حيث بداية اليوم الجديد، وحتى الساعة الثالثة أو الرابعة من عصر اليوم التالى له، بمجمل ١٦ ساعة من الصوم الانقطاعى، ومن يخالف ذلك يكون بالترتيب والتنسيق المسبق مع أب الاعتراف المسئول عن الحالة الروحية للصائم».
وذكر أنه عقب انتهاء فترة الصوم المنقطع، يتناول الصائم بعض المأكولات النباتية ويسمح أيضًا بتناول الأسماك، فيما يحذر رهبان الكنيسة من تناول وجبات تضم منتجات حيوانية مثل الهامبرجر والسوسيس والجبن واللبن الصيامى، حيث يرون أنها تفقد الصائم روح الصيام. وأوصى كريم كمال، الباحث القبطى، بتناول المنتجات التى تنتجها الأديرة وتباع فى الكنائس مثل «البرجر والحليب والكفتة الصيامى والكريمر»، لأنها من مشتقات الأطعمة الصيامى ولا تتعارض مع الطقس الروحى. وأضاف: «إذا تحدثنا من الناحية الروحية، فالصيام هو زهد وتقشف وبالتالى أكل مأكولات صيامى تضم مكونات حيوانية يتعارض مع روح الصيام وجوهره»، متابعًا: «يجب أيضًا أن نؤكد أن تناول هذه المأكولات لا يؤدى إلى إفطار الصائم، والأمر متروك لكل شخص ليحدد درجة الزهد والتقشف فى صيامه».
وقال برسوم ميلاد، أمين خدمة بإحدى كنائس إيبارشية حلوان والمعصرة، إن المصريين بمختلف أطيافهم لهم عاداتهم التى تربوا عليها فى فترة الصوم، والتى غالبًا ما تكون عادات روحانية ممزوجة بوجه اجتماعى. وأضاف: «الأقباط فى صوم الميلاد يقومون بما يسمى العزائم الروحية أو الروحانية، حيث يتناولون الغداء معًا الذى غالبًا ما يكون نوعًا من الأسماك خاصة البلطى، وأرزًا وطبقًا من السلطة، وبعدها يؤدون صلاة النوم وتسبحة كيهك فى أجواء روحانية، وهى عادات مُنتشرة فى مصر عمومًا، فعلى سبيل المثال صائمو رمضان يقومون بالأمر نفسه، حيث تفطر العائلات معًا ثم تؤدى صلاة التراويح».
أما كيرستوفر فريد، الحاصل على دبلوم معهد الدراسات القبطية، فقال إن «التليفزيون عدو الصائمين، وهو ما تربى عليه فى كنيسته»، مضيفًا أن «مشاهدة الأفلام والمسلسلات تُخرج الصائم من الأجواء الروحانية التى يمكث داخلها لفترة تزيد على ٤٠ يومًا، لتصبح فيما بعد خزينًا روحيًا يعاونه على مجابهة الحروب الشيطانية بقية أيام العام».
وأوضح «فريد» أن الصائمين يزيدون من طقوس الاعتراف والإقرار بآثامهم على يد آباء الاعتراف خلال فترة الصوم، قائلًا: «من اعتاد على ممارسة طقس الاعتراف مرة كل شهر من الممكن أن يزيد نشاطه ليصبح الأمر كل أسبوعين أو ١٠ أيام».
وتابع: «كما يزيد الصائمون من طقس الميطانيات، وهى كلمة يونانية أصلها (ميتا نويا)، وتعنى السجود، ليقوم الصائم بعمل عدد من الميطانيات يُحدده مع أب اعترافه، إمعانًا فى قهر الجسد وإعلاء الروح».
الأنبا يؤانس يخصص ثلاثة أيام لمديح المسيح والسيدة العذراء مع أهالى أسيوط
يمتاز صوم الميلاد بالابتهالات والتسابيح ومدح المسيح ووالدته مريم العذراء، وبذكر مدائح العذراء لا يمكن أن يغفل شهر كيهك، والأسماء البارزة فى المديح مثل الأنبا رافائيل، أسقف عام كنائس وسط القاهرة، والأنبا يؤانس، أسقف أسيوط.
ووفق جدول حصلت عليه «الدستور»، فإن الأنباء يؤانس خصص ثلاثة أيام أسبوعيًا لتسبحة كيهك مع أهالى أسيوط، التى بها كبرى الإيبارشيات عددًا، والأيام الثلاثة هى مساء الإثنين الذى يقضيه فى كاتدرائية رئيس الملائكة الجليل ميخائيل، ومساء الثلاثاء الذى يقضيه فى كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس بشارع يسرى راغب، ومساء الخميس الذى يقضيه فى دير السيدة العذراء مريم الشهير بدير درنكة.
ويجوب الأنبا يؤانس خلال باقى الأيام عدة كنائس، مثل كنيسة القديس مار مرقس الرسول، وكنيسة السيدة العذراء بحى المعلمين الجديد، ودير الأنبا هيرمينا الأثرى بمنطقة البدارى، إضافة إلى كنيسة السمائيين، وكنيسة الشهيد العظيم مار مينا العجائبى بنزلة الملك، ودير السيدة العذراء مريم للرهبان الأقباط الأرثوذكس المعروف بدير المحرق، ليحل ضيفًا على الأنبا بيجول أسقف ورئيس الدير.
كما يزور الأنبا يؤانس كنائس أخرى مثل كنيسة الشهداء، وكنيسة الأنبا مكاريوس أو مقار أب الاقيط أو برية شيهيت، وكنيسة القديس جورج، وكنيسة الشهيد أبادير، وكنيسة القديس بولس، وكنيسة القديسين الأنبا أنطونيوس أبوالرهبان والأنبا بولا أول السواح بساحل سليم، وكنيسة القديسة أناسيمون، وكنيسة الأنبا شنودة رئيس المتوحدين بالبدارى، وكنيسة البابا أثناسيوس الرسولى بدير الزاوية.
ومع قداسات الصوم، صدرت تنبيهات بعدة إيبارشيات على رعاة الكنائس بالتشديد على الأقباط بالحصول على اللقاح المُضاد لفيروس كورونا المتحور.
يُضاف لذلك التشديد على تطبيق الإجراءات الاحترازية من تباعد جسدى وارتداء الكمامات واستخدام للمطهرات والكحول، حتى إن بعض الكنائس شددت على أن حضور قداسات الجمعة والأحد تكون بنسبة ٥٠٪ فقط من السعة الاستيعابية، ولعل أبرز تلك الإيبارشيات إيبارشية المنيا برئاسة الأنبا مكاريوس.
اختلاف المدة بين 15 و43 يومًا بين الكنائس والطوائف
كشف الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس المتحدث الرسمى باسم الكنيسة فى مصر، عن الاختلافات بين الكنائس المختلفة فى مدة صوم الميلاد والاحتفال بعيده.
وقال إن كنيسة الروم الأرثوذكس تصوم لمدة ٤٠ يومًا، بدءًا من ١٥ نوفمبر حتى ٢٤ ديسمبر، لتحتفل بعيد الميلاد المجيد فى اليوم التالى مباشرة الموافق ٢٥ ديسمبر، بينما اختصرت كنيسة الروم الكاثوليك مدة الصوم فى ١٥ يومًا فقط، فى الفترة من ١٠ لـ٢٤ ديسمبر، على أن تحتفل بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر، وكذلك قصرت كنيسة السريان الأرثوذكس مدة الصوم على ٢٥ يومًا، فى الفترة من ١ إلى ٢٤ ديسمبر، لتحتفل بعيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر من كل عام.
وحافظت الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية على الصوم لمدة ٤٠ يومًا، فى الفترة من ٢٦ نوفمبر حتى ٥ يناير، ثم الاحتفال بعيد الميلاد فى ٦ يناير، وتتشابه معها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى الحفاظ على مدة الصوم لـ٤٠ يومًا، مع إضافة ٣ أيام صوم إحياءً لواقعة نقل جبل المقطم، لتكون المدة ٤٣ يومًا، بدءًا من ١٦ هاتور القبطى «نوفمبر يوليانى» حتى ٢٨ كيهك القبطى «يناير يوليانى»، لتحتفل بعيد الميلاد فى ٢٩ كيهك «فى أى يوم يقع من يناير»، لاعتمادها فى تقويمها على الأشهر القبطية، وليس على التقويم الغريغورى اليوليانى، وفق المتحدث باسم كنيسة الروم الأرثوذكس.
وقال الأب يوحنا زكريا نصر الله، راعى كنيسة السيدة العذراء للكاثوليك فى جزيرة «الخزندارية» التابعة لمركز طهطا بسوهاج، فى بحث على موقع الكنيسة الكاثوليكية، إن الرأى استقر على أن يكون عدد أيام صوم الميلاد هو ٤٠ يومًا، حتى يماثل «الأربعين المقدسة».
وأضاف «نصر الله»: «الكنيسة القبطية الأرثوذكسية أضافت ٣ أيام، صامها الأنبا إبرام بن زرعة السريانى (البطريرك ٦٢) والأقباط معه، قبل معجزة نقل جبل المقطم، فصار صوم الميلاد فى الكنيسة القبطية ٤٣ يومًا، ورغم أن البابا غبريال الثامن عدله إلى ٢٨ يومًا فقط، عادت الكنيسة بعد وفاته إلى المدة المحددة سابقًا بـ٤٣ يومًا، بينما ظل فى باقى الكنائس ٤٠ يومًا فقط».
وبالنسبة لطقوس صوم الميلاد فى الكنيسة الأرثوذكسية، قال الأنبا نيقولا أنطونيو إنه يُسمح بأكل السمك إلى جانب الطعام النباتى، خلال أيام الأسبوع، عدا الأربعاء والجمعة اللذين يقتصران على الطعام النباتى فقط، وذلك حتى يوم ١٢ ديسمبر الذى يوافق عيد القديس اسبيريدون، ثم يتم الامتناع عن أكل السمك نهائيًا، فى الفترة من ١٣ لـ٢٤ ديسمبر، وصولًا إلى السماح بأكل كل ما يؤكل يوم عيد الميلاد فى ٢٥ ديسمبر.
وعن صوم الميلاد فى الكنيسة الكاثوليكية، قال الأب يوحنا زكريا نصر الله إن الكنيسة الكاثوليكية ظلت تشترك مع نظيرتها الأرثوذكسية فى الطقوس ونظم الصوم وعدد أيامه ونوع الطعام المسموح فيه، حتى عُقد مجمع القاهرة، فى عام ١٨٩٨ ميلادية، والذى سُمى «السينودس الإسكندرى للأقباط».
وأضاف: «وفقًا لما تقرر فى هذا المجمع، يمتنع الصائم عن الأكل والشرب لمدة معينة من الزمن، وعندما يحل صومه يمتنع عن نوع معين من المأكولات والمشروبات مثل اللحم والبيض والألبان والخمر وسائر المشروبات المسكرة، وذلك تكفيرًا عن خطاياه عبر إماتة الجسد، ثم تحضير نفسه للاحتفالات والأعياد».
وواصل: «المجمع سالف الذكر حدد صوم الميلاد بـ٤٠ يومًا، من ١٦ هاتور إلى ٢٩ كيهك، ثم خُفض إلى ١٥ يومًا فقط، من ١٣ إلى ٢٩ كيهك، وهو ما تم اعتماده والاستقرار عليه، خلال السينودس المقدس للكنيسة القبطية الكاثوليكية برئاسة البطريرك إسطفانوس الثانى، فى فبراير ١٩٨٧».
البابا يلجأ لخلوته بوادى النطرون ويستعد لسيامة عدد من الكهنة
يستهل البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، صوم الميلاد المجيد بإتمام طقس السيامة لعدد من الكهنة الذين يخدمون الأقباط فى مصر وبلدان المهجر.
ووفق مصدر كنسى، فإن البابا قضى الفترة الماضية فى لقاءات مُتعددة مع المرشحين للسيامة الكهنوتية، وكذلك زوجاتهم وأولادهم؛ للتأكد من صلاحية الراعى الجديد وأسرته، على أن تكون السيامة يوم الخميس المُقبل الموافق ٢٥ من نوفمبر الحالى، بالكاتدرائية الكبرى بدير القديس العظيم الأنبا بيشوى «العامر» بوادى النطرون.
والدير هو ملاذ البابا فى الأصوام، فبين الحين والآخر يلوذ البابا بخلوة روحية، يلتقى خلالها بالله، ليعاود شحن طاقاته الروحية، ليقوم على مسئولية الكنيسة الأكبر فى مصر والشرق الأوسط، حيث يرأس البابا قداسات الصوم بين القاهرة والإسكندرية والدير. وتبدأ الأديرة إغلاق أبوابها فى الصوم أمام الزيارات، حرصًا على حياة الرهبان الروحية وخزينهم الروحى فى فترة الصوم كما هو متبع، وتصدر بيانات الإغلاق تباعًا، وكان أولها بيان أصدره الأنبا بيجول، أسقف ورئيس دير المحرق، اعتذر فيه عن عدم استقبال الدير الزوار خلال فترة ٤ أيام من كل أسبوع فى فترة الصوم، مع السماح بالزيارات خلال الجمعة والسبت والأحد فقط.