رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبد الكريم



اسم قرأته كموضوع في إحدى المجلات، مسلم هندي عاش في بريطانيا وقت أن كانت إمبراطورية لا تغرب عنها الشمس، استحضرته من بطون المجلات والكتب فهو يقترن اسمه بملكة بريطانيا فيكتوريا (1819م - 1901م، كانت علاقته بالملكة ملتبسة وغامضة وتتأرجح ما بين ثلاث مسميات هي الخادم والداعية والعشيق؟
اعتمدت في الكتابة عن هذا الموضوع على مصادر عديدة منها:
ما كتبته الباحثة البريطانية شارباني في كتابها «فيكتوريا وعبدول»، وعبدول هو الاسم المختصر لخادمها وموضع ثقتها الهندي "عبدالكريم". , وما كتبه أيضا موقع بي بي سي.
عبدالكريم هو شاب مسلم، طويل القامة وسيم، يحمل جينات رجال الشرق العظام، مع أنه ينتمي للطبقة الدنيا الهندية، ولكنها ليست طبقة المنبوذين التي يحدثنا عنها علم الاجتماع الهندى.
لم يكن عبدالكريم يتجاوز الرابعة والعشرين من عمره عندما وضع قدمه اليمني لأول مرة على الشاطئ البريطاني، قادما من ولاية أجرا الهندية، وكانت المهمة التي وفد من أجلها هي خدمة المائدة الملكية في حفل اليوبيل الذهبي للملكة فيكتوريا عام 1887. والذي أقامته المملكة البريطانية بمناسبة اليوبيل الذهبي للملكة فيكتوريا. 
أضاف عبدالكريم لمسات المطبخ الهندي إلى المائدة الملكية، وهو ما لاقي استحسان ضيوف الملكة، وكانوا من ملوك وكبار ساسة أوروبا، وأصرت الملكة أن تشكر الخادم الجديد بنفسها. 
عندما وصل عبدالكريم إلى قصر الملكة، كانت تقترب من سن الستين البغيض، كان عبدالكريم يفح بالرجولة، من خلال وهج عينيه الشهوانيتين، كانت لحظة عاصفة، لم تتحملها أنوثة الملكة التي تتأهب للذبول. 
هيمنت الشهوة المنبثقة من عينيه على مشاعر الملكة، وقتها كانت مديرة القصر وكبير السكرتارية ونائب مدير القصر يرقبون عيني الملكة وهي تجتاح الجسد الشاهق المثير. 
طلبت الملكة من القائم على شئون القصر أن يلحق عبدالكريم بخدم جناحها الخاص ومخدعها.
وفي غضون عام واحد هيمنت رجولة عبدالكريم علي عواطف ومشاعر الملكة، وأصبح قريبا منها، وجعلته سكرتيرها الخاص، نجح الشاب في ترسيخ أقدامه في القصر الملكي وقلب وعقل وجسد الملكة البريطانية، التي انبهرت برجاحة عقلة وطوله ووسامته وربما رجولته التي لا تنضب.
تدريجيا، أصبح عبدالكريم صاحب نفوذ واسع في حياة الملكة، التي استخلصته وجعلته موضع ثقتها وكاتم أسرارها. ونجح في الخروج من دائرة الخدم إلى دائرة الحاشية المقربة من الملكة.
وفي نفس الوقت، استمر عبدالكريم في عمله. كان يقدم للملكة طعامها، ويرتب لها فراشها. 
ولكن عبدالكريم لم يتكيف مع الوظيفة الجديدة. لأنه رآها حقيرة، واعتقد أن وظيفة الخادم، لا تليق برجال الشمس المشرقة، ربما كانت له تطلعات أخرى لا نعرفها. 
لأجل هذا فكر عبدالكريم في الاستقالة من وظيفته بعد وقت قصير من الالتحاق بها.
وربما فاتح عبدالكريم أحدا من أهله، ولكنهم شرحوا له أن خدمة الملوك لا تعد عيبا، خصوصا أن من يخدمها هي ملكة أعظم بلاد العالم في ذلك الوقت.
وتشرح الكاتبة البريطانية شارباني أنه عندما مات الأمير ألبرت زوج الملكة قبل أربع سنوات من مجيء عبدالكريم، حزنت فيكتوريا عليه بشدة وقالت إنه كان زوجها وصديقها المقرب وأباها وأمها، ولذلك فمن المرجح أن عبدالكريم كان يقوم بدور مماثل لتلك الأدوار كلها بالنسبة للملكة.
كشفت الكاتبة شارباني باسو لإذاعة البي بي سي والتي استقت معلوماتها من المذكرات الشخصية لعبدالكريم، أن الخطابات التي كتبتها الملكة لعبدالكريم خلال السنوات التي عاشها في بريطانيا وحتى وفاتها عام 1901 تؤكد عمق علاقتها مع عبدالكريم، حيث كانت تلك الخطابات تحمل توقيعات مثل "أمك المحبة"، "أقرب صديقة لك".
والمثير أن فيكتوريا كانت توقع بعض خطاباتها لعبدالكريم بقبلات متلاحقة على الورق.. وهو أمر لم يكن معتادا على الاطلاق في تلك الأيام.
وتقول شارباني إن من المؤكد أن تلك العلاقة كانت مشبوبة بالعاطفة، وأن تأثيرها امتد على مستويات عديدة، تتجاوز علاقة الأمومة التي يمكن أن تنشأ بين شاب هندي وسيدة كانت تجاوزت الستين من عمرها في ذلك الوقت.
العزاء الملكي
ولا شك أنه من غير المرجح، أن فيكتوريا وعبدالكريم كانا عاشقين بالمعنى الحرفي للكلمة، حتى وإن كانا أمضيا ليلة رومانسية دافئة وحدهما في الكوخ الريفي المنعزل.
وقد علّم عبدالكريم الملكة كيف تكتب باللغتين الهندية والأردية، وكيف تأكل الكاري الهندي، الذي أصبح فيما بعد طبقا رئيسيا على المائدة الملكية.
لأجل هذا، أبقت الملكة عبدالكريم قريبا من مكتبها ومطبخها وسريرها. 
كما سمحت له بأن يتزوج، وتزوج عبدالكريم فتاة هندية جميلة، تلتف بالساري الهندي المعروف، وحصل عبدالكريم وزوجته على امتياز حق الإقامة الحرة في كافة الأراضي والاقطاعيات والقصور الخاصة بالملكة في بريطانيا والهند، كما سمح له باستقدام كل أفراد عائلته من الهند إلى بريطانيا. وقد بلغ نفوذ عبدالكريم في حياة الملكة فيكتوريا حدًا جعلها توصي بمنحه شرف المشاركة ضمن صفوف النبلاء وكبار رجال الدولة في مراسم دفنها في قلعة ونزور.
وخلال فترة خدمة عبدالكريم منحته الملكة العديد من الأوسمة والنياشين لخدماته أثناء زيارتها عواصم أوروبا ولقاءاتها مع ملوك ورؤساء الحكومات.
علاقة الملكة الخاصة بخادمها المسلم الشرقي أثارت مشاعر العائلة المالكة والساسة البريطانيين ورجال القصر، وربما تآمروا ضده، ولكنهم كرهوه.
ولم يكن أدل على كراهية دوائر الحكم لعبدالكريم، من أنه بعد ما لا يزيد عن بضع ساعات من جنازة الملكة فيكتوريا، كان من أوائل القرارات التي اتخذها ابنها ادوارد طرد عبدالكريم وإنهاء خدماته التي استمرت لعشر سنوات بصورة مهينة.