رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدعو الحكومة لإغلاق «فيسبوك» أسبوعًا كل شهر «2-2»

ما زلنا مع «فيسبوك»، الذى لا أنكر أنى أستفيد منه، فأنشر أخبارى ككاتبة عليه، مثل مواعيد ندواتى، إصداراتى الجديدة، أنشر مقالاتى.. إلخ، وغيرى كثيرون.. مغنون وممثلون وأطباء ومهندسون ومحامون وشركات يعلنون عن نشاطهم من خلاله.. كثيرون من الأشخاص يستفيدون من «فيسبوك»، بل إنه أصبح مصدر رزق بعضهم مثل أصحاب المتاجر الإلكترونية.. والشركات التى تعمل فى مجال إدارة الصفحات التجارية والصفحات العامة على «فيسبوك».. كل هؤلاء يستفيدون من «فيسبوك» والأهم أنهم يستفيدون من بقاء المواطن العادى متعلقًا ومحركًا لصفحات «فيسبوك» فهو عميلهم ومبتغاهم. 

وهذه الفئة تمثل نسبة، لكنها ليست الشريحة الأكثر عددًا، ولا يخشى عليها من سوء استخدام «فيسبوك»، فهم يستخدمون «فيسبوك» كوسيلة للربح.. و«فيسبوك» نفسه يدعمهم ويشجعهم ويمنحهم أموالًا شهرية مقابل الوصول لعدد معين من المتابعين على صفحاتهم، والوصول لعدد ساعات معين لمشاهدة فيديوهاتهم. 

لذا قليلًا ما تجد فيديوهات ذات قيمة علمية أو تحوى مجادلات أو مناظرات فكرية على «فيسبوك»، وإذا وجد فهى تتبع التريند أو تقدم ما يثير الجدال وليس المناقشة، ممثلة عارية، رأيًا فقهيًا شاذًا، جريمة وسلوكًا انحرافيًا.. فتندهش من كم المعلقين على هذه الصور وهذه الأخبار، وكأن أحدًا سيعاقبك إذا لم تدل بدلوك فى الموضوع، وتندهش أكثر من أن النجوم الذين يسبهم الناس ويشتمونهم لا يغلقون التعليقات مثلًا، أو لا يقصرونها على الأصدقاء الذين يشبهونهم فى أفكارهم وسلوكهم، لكنهم يتركونها مفتوحة، أيًا كان ما يقال، بل إن البعض لا يتورع عن الدفع بحسابات وهمية مدحًا أو ذمًا كى تستمر النصبة، ولا أقول المعركة مقامة، لا أقول المعركة، لأن حتى المعارك الفكرية أو العسكرية يمكن أن نخرج منها بفائدة كتحرير أرض أو تحرير العقل والفكر، لكنها مجرد خناقة على ناصية إحدى حوارى العالم، مجرد ضجيج دون طحين.. والهدف استمرار التفاعل، فيتولد تريند من تريند وتفقد الأشياء قيمتها ومعناها، ويصل الأمر إلى إمكانية زيادة عدد المتابعين والمشاهدين لصفحتك بتكلفة مادية معلومة، المهم زيادة عدد المتابعين وزيادة التفاعل على الصفحة، فيزيد عدد المعلنين، ويزيد دخل صاحب الصفحة، ويزيد دخل ومكاسب «فيسبوك».. «فيسبوك» نفسه أصبح يحد من وصول منشورات الأنشطة التجارية كى يجبر أصحابها على دفع مقابل لتوصيل المنشورات لعدد أكبر من المشتركين، فيما يعرف بالإعلانات الممولة، وهكذا لا شىء مجانيًا فى هذا العالم، وتتضاعف قيمة شركة «فيسبوك» من ٥٠٠ ألف دولار عام ٢٠٠٨، لتصبح بعدها بعام بـ ١٢٫٧ مليون دولار، و.. و.. حتى تصل قيمة «فيسبوك» الآن إلى ٩٦٠ مليار دولار.. وأصبح مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرج ثالث أو خامس ملياردير فى العالم بثروة قدرها ١٢١ مليار دولار. 

عندما أطلق مارك زوكربيرج موقع «Face Match» عام ٢٠٠٣، وهو طالب فى السنة الثانية فى جامعة هارفارد، كان يهدف إلى نشر صور لمجموعة من طلاب الجامعة، ثم يختار رواد الموقع الشخص الأكثر جاذبية. ولكى يحقق هذا الهدف لجأ إلى اختراق مناطق محمية فى شبكة الحاسوب الخاصة بجامعة هارفارد، وقام بنسخ صور خاصة بالطلبة فى السكن الجامعى، ومن ثم قامت إدارة الجامعة باتهام زوكربيرج بخرق قانون الحماية وانتهاك حقوق التأليف والنشر، وكذلك انتهاك خصوصية الأفراد، وقد أسقطت هذه التهم فيما بعد وأغلقت الجامعة الموقع. 

وبعدها بعام، وتحديدًا فى ٤ نوفمبر ٢٠٠٤ أطلق موقع «فيسبوك»، وهذه المرة لم يعد بحاجة لانتهاك الخصوصية من أجل صور أو أكثر، فقد تطوع مستخدمو «فيسبوك» بعرض صورهم وحياتهم الشخصية وكل خصوصياتهم على الموقع والعالم بعد أن فتح الموقع أبوابه فى ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٦، أمام جميع الأفراد البالغين من العمر ثلاثة عشر عامًا فأكثر، والذين لديهم عنوان بريد إلكترونى صحيح.

فصاحب «فيسبوك» ليس صاحب مقهى الفضيلة والحضارة والتنمية، لكنه صاحب مقهى لكل من يبيع ويشترى، والثمن وقتك الذى تهدره على صفحات «فيسبوك»، بدلًا من أن تعمل على حرفتك أو وظيفتك أو منهجك الدراسى لتحسن قدراتك، الثمن صحتك، عيناك، أعصابك، ونقودك التى تدفعها فى شحن الباقة. 

الكل مستفيد إلا أنت. 

والحل قبل أن تتوقف أمام منشور، كن شخصًا عمليًا براجماتيًا، واسأل نفسك ماذا سأستفيد من قراءة هذا البوست؟ ماذا سأستفيد من كتابة التعليق؟ 

لا توهم نفسك بأهمية رأيك، تفاعلك لن يغير أو يحسن عالمك، لكنه سيجعل ثروات الآخرين تتضاعف. 

وأنا، لماذا أكتب لك هذا؟ لأن لدى مساحة مقال علىَّ أن أملأها أسبوعيًا حتى أحصل على راتبى آخر الشهر.