رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أدعو الحكومة لحظر فيسبوك أسبوعًا فى الشهر

أندهش كثيرًا من قدرة متابعى «فيسبوك» على تبديد وقتهم وجهدهم فيما لا يفيدهم أو يحقق لهم مصلحة مباشرة، سوى خلق حالة من الوهم بالأهمية وإشعار الشخص بنفسه ووجوده، وخلق حالة من الرضى المزيف بأن الإنسان يعمل ما عليه، أى يقوم بدور فى المجتمع، مع أنه ليس ضروريًا أن يكون لك رأى فى كل شىء، وليس عيبًا ألا تكون لك وجهة نظر خاصة بموضوع معين. 

يبدو هذا واضحًا وملموسًا فى الندوات الأدبية، فبمجرد انتهاء المناقشين الرئيسيين لكتاب ما، وفتح باب المناقشة، لا تجد شخصًا، إلا فيما ندر، يريد أن يدلى بدلوه فى المناقشة، والغريب أن معظمهم يعلنها صراحة: أنا لم أقرأ الكتاب، لكنه لا يتورع عن رفع يده طلبًا للتعليق، ويبدأ فى طرح رؤية هى شذرات من كلام المتحدثين، لا تضيف جديدًا، وكأن المشاركة أو الكلام لمجرد الكلام فرض عين، مع أنه فرض كفاية، إذا قام المتخصصون به كفوا الآخرين عناء القيام به. 

وعندما يظهر إعلامى ويتحدث فى برنامجه عن ظاهرة ما، تجد العشرات من الكُتّاب يعلقون، ويؤيدون ما قال، أو يرفضون ويفندون ما قيل، وقد يكون مفهومًا أن يكتب هذا إعلاميون أو صحفيون، هذه مهنتهم أو وظيفتهم، والتعليق على ما يدور فى المجتمع من أطروحات جزء من وظيفة الإعلاميين، ولن أستنكر حق مواطن أن يكتب على صفحته الشخصية ما يريد، ولكن ما أندهش له هو كمّ المعلقين على ما ينشر على صفحات «فيسبوك» من الذين لا ناقة لهم ولا جمل. 

إعلامى يقدم برنامجًا تليفزيونيًا ويعيد نشر مقاطع من برنامجه على صفحته على «فيسبوك»، أو قد يقدم «لايف» على صفحته يشرح فيه أو يعلق على الأحداث ويعبّر عن وجهة نظره، هذه وظيفته، أكل عيشه، هو لا يجلس هكذا ويتحدث بما يرضيك أو لا يرضيك للفراغ، هو حصل على أجر مقابل ذلك، فتجد مئات التعليقات، بعضها مدفوع الأجر، من جانب الكتائب الإخوانية، وهؤلاء يمكن تفهم دوافعهم، ويظهرون حيث يوجد نقد أو فضح لسياسة وفساد الإخوان، وهؤلاء لا يضيعون وقتهم، إنهم يستثمرونه فى شهادة الزور والكذب من وجهة نظرى التى هى حتمًا مخالفة لوجهة نظرهم، لكنهم فى النهاية يحققون منفعة لأنفسهم. 

وماذا عن بقية التعليقات، مجرد إهدار للوقت والنقود، ثم نعود ونشتكى من الفقر والإجهاد، ونحن نضيع أنفسنا وصحتنا فيما يضر ولا ينفع. 

كنا فيما مضى عندما لا يعجبنا ما نشاهد نغلق التليفزيون، نغير المحطة، لكن منذ أن تم فتح المقهى العالمى الأكبر لم يعد التجاهل يشبع رغبتنا فى الظهور، وصرنا نريد مكانًا فى الصورة، وهى صورة وهمية تستنزف طاقتنا، وتمتص أرواحنا، وتتوهج بمزيد شتاتنا.

يظهر لى على صفحتى «بوست» من صفحة جريدة، مكتوب عليه كلام لا يعجبنى، صورة لممثل، مطرب، وزير، إعلامى، يقول كلامًا لا يروق لى، أحرك الشاشة لأسفل وأتجاهله، ما الذى يجعلنى أهدر طاقتى، وأفتح التعليقات وأضيف تعليقًا لا يخرج عن شتيمة، سب، سخرية.. وما يدعو للدهشة والعجب أن من يعلقون بتعليقات جارحة يفعلون ذلك دفاعًا عن الإسلام، وأول الإسلام كفّ الأذى عن الناس، وجعل من صفات المؤمنين «والذين إذا مروا باللغو مروا كرامًا»، حضرتك لن يحاسبك الله إذا تجاهلت من تظن، وأقول تظن، أنه يكره الإسلام، ولا أقول تملك يقينًا، لأن الإسلام الذى تدافع عنه لا يأخذ بالظن أو الشبهات. 

تظهر على «الوول» ممثلة ترتدى فستانًا أراه غير مناسب، ما علاقتى بها؟ ولماذا أرتكب معصية بسبّها؟ حسابى وحسابها على الله.. وزير أصدر قرارًا أراه ضد مصلحتى، لماذا أصفه بصفات أتحمل وزرها؟ فإذا كان وزيرًا حمارًا أو غبيًا، فما ظنك بنفسك؟ وما حالك فى بيتك وعملك؟ وهل تعرف ماذا يقول عنك الآخرون؟ يمكن أن أكتب عن ضرر هذا القرار، أفنّد هذا الرأى بالحجة والمنطق، ولكن لأن الحجة والمنطق يحتاجان لدرجة من العلم والتفكير، فالأسهل الشتم والسب، ورمى الناس بالتُهم دون بيّنة أو يقين. 

هذه الظواهر على «فيسبوك» تحتاج لدراسة وملاحظة علماء النفس والمتخصصين فى علم النفس الإعلامى، لأن تأثيراتها على المجتمع شديدة الخطورة، فاستسهال الشتم والسب والتحقير والسخرية هو أولى مراحل إهدار العقل، الذى يعنى أن تعقل جوارحك عن التسيب، التخبط والعشوائية، وقد رُفع عمن فقد عقله الحساب لأنه لا يدرك ما يقول أو يفعل، كما أن ما يقول لا معنى له، وغير مترابط، فلا يؤدى إلى منتج فكرى يعوّل عليه.. لذا أدعو الحكومة لغلق «فيسبوك» أسبوعًا فى الشهر أو يومين فى الأسبوع، وليكن ذلك لأغراض بحثية يقوم بها علماء الاجتماع والنفس والإعلام لدراسة كم الضرر الذى يسببه «فيسبوك» لعقول وسلوكيات المصريين.. وقد تكون فرضيتى خاطئة و«فيسبوك» حقق منافع كثيرة لنا.. العلم والتفكير وأدوات البحث العلمى هى ما تؤكد صحة أو خطأ فرضية ما، المهم أن نعيد التفكير بشكل علمى فيما نفعل ونقول فى الواقع، والواقع الافتراضى. 

وللحديث بقية.. عن سبوبة «فيسبوك» الكبيرة والمستفيدين منها.