رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من أجل العدالة المناخية

فى عام 1992 وقعت «165» دولة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وزادت هذه الدول حتى وصلت إلى «197» دولة، ومنذ ذلك الحين تجتمع الدول العشرون الصناعية الكبرى سنويًا لعقد القمة المناخية وآخرها قمة باريس للمناخ 2015 التى لم تف بالتزاماتها، ولقد قرر دونالد ترامب الرئيس الأمريكى السابق الانسحاب من اتفاقية المناخ عام 2018، لكن الرئيس الحالى جو بايدن قرر العودة للاتفاقية الدولية، وحضر القمة الأخيرة التى عقدت ببريطانيا.
انطلقت عدة مظاهرات فى عدد من بلدان العالم يتقدمها الآلاف من الشباب والشابات، والكبار من الرجال والنساء، كما خرجت مظاهرات يوميًا فى مدينة جلاسكو الاسكتلندية؛ مواكبة لقمة المناخ «كوب 26» المنعقدة فى تلك المدينة فى الفترة 31 أكتوبر– 12 نوفمبر 2021، بمشاركة قادة وزعماء 200 دولة، وذلك بعد انتهاء قمة العشرين للدول الصناعية الكبرى التى سبقتها فى روما لمدة يومين، وكان على رأس أولوياتها وأجندتها التغيرات المناخية.
رفع المتظاهرون شعارات «إجراءات الآن – أفعال لا أقوال– أوقفوا الطاقة الأحفورية»، كما حملوا لافتات تحذر من الاحتباس الحرارى وضرره على البيئة والأرض والبشر، الذى عشناه فى عدة بلدان فى الشهور الأخيرة من فيضانات مدمرة وحرائق الغابات، والعواصف الشديدة، والتصحر، والجفاف، مع فقدان التنوع البيولوجى، واختلال النظم البيئية الطبيعية، وتدهور النظام الحيوى للمحيطات، وذلك مع استمرار ارتفاع درجات حرارة الأرض؛ نتيجة استمرار استخدام الوقود الأحفورى «الفحم والنفط والغاز»، وعدم التزام الدول الغنية الصناعية الكبرى بما تعهدت به فى القمم السابقة، وآخرها قمة باريس للمناخ 2015 من الالتزام باستعمال طاقة جديدة، مثل الشمسية والكهربائية والطاقة الخضراء، مع تطوير أنواع جديدة مثل الهيدروجين، بجانب عدم التزامها بتقديم 100 مليار دولار سنويًا بحلول عام 2020 للدول الفقيرة المتضررة، التى وعدت بها الدول الغنية فى قمة كوبنهاجن 2009، ولم يتم غير توفير 80 مليارًا فقط فى العام الماضى 2020.
وتردد على لسان المحتجين، وعلى لسان عدد من الدول التى حضرت تلك القمة كلمة «العدالة المناخية»، بمعنى أن تتحمل الدول الكبرى- التى تسببت فى القدر الأكبر من الإساءة للطبيعة مما أدى للتغيرات المناخية والتلوث الذى أصاب الدول الفقيرة وأضر بمسيرة التنمية والنمو- التزاماتها المادية «100 مليار دولار سنويًا» فى التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وأن تُوقف استعمال الوقود الأحفورى، ونصل لمعدل صفر كربون عام 2050.
تشير الإحصائيات الخاصة بانبعاثات الكربون إلى أن 10 دول كبرى تنتج 68% من الانبعاثات الكربونية، على رأسها الصين «25%» من إجمالى انبعاثات الغازات الدفيئة فى العالم، وأمريكا «11%»، والهند «6٫6%»، والاتحاد الأوروبى «6٫4%»، بينما تنتج 100 دولة من الدول النامية «3%» فقط. ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى ما تناوله حديث رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون محذرًا قادة العالم من التداعيات الخطيرة المترتبة على ارتفاع درجة حرارة الأرض، إذا ارتفعت درجة حرارة الأرض بـ4 درجات أو أكثر فإن أحداثًا جيوسياسية صعبة ستواجه العالم، فالتغيير يُحدث نقصًا فى الموارد وينتج تصحرًا، وفقدان البيئة الطبيعية للكائنات، ويُحدث أيضًا تنافسًا دوليًا على الماء والغذاء، وتحركات ضخمة للشعوب، وهذه أشياء من الصعب السيطرة عليها سياسيًا، عندما سقطت الإمبراطورية الرومانية كان ذلك نتيجة للهجرة غير المنضبطة، ولم تعد الإمبراطورية قادرة على السيطرة على حدودها، جاء الناس من الشرق ودخلت أوروبا فى عصور مظلمة استمرت لمدة طويلة، إذا لم نحقق نجاحات فإننا نواجه مشكلة حقيقية للبشرية.
وقال الأمير تشارلز فى القمة المناخية 26، «تغيرات المناخ خطر وجودى أكبر من جائحة كورونا ونحن فى حالة حرب، المسئولية ملقاة على عاتقكم، عدد السكان يزداد والضغوط على الموارد تزداد، لا بد من تقليل انبعاثات الكربون المتواجدة بكثرة، ويتم استنشاقها بما يضر الإنسان والطبيعة».
وأنهى الأمين العام كلمته أمام قادة دول العالم بقوله، «أنتم المسئولون أمام الأجيال القادمة، والفشل أشبه بحكم الإعدام».
تعهد قادة العالم على وقف قطع الأشجار بحلول عام 2030، كما تعهدت 100 دولة منها الصين وأمريكا والبرازيل وإندونيسيا بإنهاء إزالة الغابات فى غضون 10 سنوات، وتطرق المؤتمر إلى الحديث عن الانتقال للطاقة الخضراء مع شعار «ازرع شجرة لمنع العودة لعصور الظلام».
 وفى أوائل هذا العام تعهدت الصين فى المنتدى الاقتصادى العالمى «دافوس 2021» بتكريس أسلوب أخضر ومنخفض الكربون للحياة، مع العمل على تحييد الكربون عام 2060، مع تنفيذ اتفاقية باريس؛ لمواجهة تغير المناخ وتعزيز التنمية الخضراء، كما تعهد الرئيس الصينى شى جين بينج فى خطابه أمام الدورة 76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن الصين ستكثف دعمها للدول النامية فى تطوير طاقة خضراء ومنخفضة الكربون، وأنها لن تبنى مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم.
آن الآوان ياسادة لأن تقوم الشعوب بالضغط على حكوماتها، من أجل أن تلتزم هذه الحكومات بتفعيل توصيات قمة المناخ، من أجل إنقاذ كوكب الأرض والبشرية وكل الكائنات الحية من الموت والدمار والخراب، وليكن شعارنا التعاون من أجل الانتقال إلى طاقة خضراء.