رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كلاكيت أول مرة.. التاريخ الخفى لـ«عباقرة الإخراج» فى مصر

محمد خان و داود عبدالسيد
محمد خان و داود عبدالسيد و خيرى بشارة

يشترك معظم المخرجين الكبار فى أن بداياتهم كانت خليطًا من الكفاح والاجتهاد والمثابرة، حيث بدأوا المشوار بأعمال صغيرة تتنوع بين تسجيلية وروائية قصيرة وصامتة وغيرها، وكان لظروف الواقع والمجتمع أيامها تأثير كبير على أعمالهم وعلى الأفكار التى تناولوها وتفاعلوا معها. 

وبالعودة إلى أسماء بعض نجوم الإخراج فى العقود الأخيرة، سنجد أن بدايات معظمهم كانت فى حقبة السبعينيات من القرن الماضى، وكان أبرزهم داود عبدالسيد وخيرى بشارة ومحمد خان، لكن الشىء المشترك فى بداياتهم أنهم دخلوا الساحة من باب الأفلام القصيرة والتسجيلية، فى فترة كان المجتمع المصرى يشهد فيها تحولات جذرية.

هذه التحولات كانت أصداء طبيعية لمرحلة الخروج من سنوات النكسة ثم الانتصار على العدو فى أكتوبر ١٩٧٣، وما شهدته البلاد بعدها من تحول مُفاجئ من نظام الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الحرة، واتساع الفجوة بين الغنى والفقير بسرعة شديدة.

كما اجتاحت المجتمع فى تلك الفترة موجة من التدين الشكلى، قادها العائدون من العمل فى بلدان النفط، ووصلت فتاوى أصحاب التيارات المُتشددة إلى منع العمل بالسينما، فيما كان اهتمام الدولة حينها أيضًا ينصب تجاه زرع القيم وتعديل سلوكيات المواطن، لذا جاءت الأفلام التى صنعها هؤلاء المخرجون الشباب، حينها انعكاسًا للأحوال المجتمعية وما يعيشه المصرى البسيط.

«بطيخة» محمد خان.. سيرة موظف حائر فى عهد الانفتاح

عندما نتناول بدايات المخرج الكبير الراحل محمد خان عام ١٩٧٥، سنجد أنها تميزت بالكثير من الأعمال الروائية المهمة، وأبرزها الفيلم الروائى القصير «البطيخة».

رصد «خان» فى هذا الفيلم حياة موظف حكومى بسيط يُعانى من الضغوط فى عصر الانفتاح، حيث يرتدى الرجل بدلة صيفية-سفارى- يعانى مع الحيرة وهو يسير فى شوارع القاهرة.

وتدور أول مشاهد الفيلم حول الروتين اليومى للرجل وهو يجلس على مكتبه الصغير وسط الأوراق المتراكمة، بينما الإيقاع المحيط به عبارة عن نقرات لا تنتهى على أزرار الآلة الكاتبة، وعلى هذا الإيقاع يتذكر الرجل زوجته التى يملأ الشقاء ملامحها وهى تطلب منه أن يعود إليهم بـ«بطيخة»، وكذلك ابنه الصغير الذى يكرر على مسامعه قائمة من المستلزمات الواجب توفيرها، والطلبات مثل تصليح جهاز التليفزيون.

وتُلازم كاميرا «خان» الحرة طيلة عشر دقائق، هى مدة الفيلم، الموظف المرهق فى شوارع القاهرة الصيفية المزدحمة بين السيارات وعلى شريط الترام، حيث يتفادى عربة كارو.

كما تلاحقه الكاميرا وهو فى الحافلة المكتظة بعدد لا يُمكن إحصاؤه من المرهقين مثله، حتى يستوقفه نداء جميل، وهو صوت بائع فاكهة صعيدى، فيحقق هدفه ويشترى منه «البطيخة» التى تشاركه بقية رحلته إلى المنزل، لتستقبلها عائلته بفرحة غامرة، ويأكلها الجميع فى سعادة.

وأظهرت زوايا التصوير اعتزاز ذلك الموظف البسيط بإنجازه الصغير، وهو الحصول على «البطيخة». 

ظهر ذلك فى مشهد المصعد الذى يرتفع به وهو يحمل البطيخة، وكأنه يصعد إلى السماء، وكذلك فى الزوايا التى التقطت فيها الكادرات من الأسفل، ليبدو الموظف البسيط وكأنه مارد ضخم يحمل غنيمته، بينما تعلو شفتاه ابتسامة ظافرة. 

واستخدم «خان» ثيمة حرفى «الألف واللام» لتكون دلالة على جميع احتياجات الموظف التى تبدأ بـ«ألف لام» مثل «البطيخة والإيجار والفواتير والأقساط»، وهى لوزام فى حياته يضعها فى ذهنه طيلة الوقت.

ويتتبع السيناريو الحياة اليومية الرتيبة للموظف، والواقعية الصارخة لمجتمع القاهرة السبعينى الذى صار مليئًا بالحركة وضجيج السيارات وروائح العوادم والباعة الجائلين وألوان إشارات المرور.                           

«حكيم» داود عبدالسيد.. حين يتعرف الفلاحون على أول الحروف

كما أبرز نموذج منازل الطبقة المتوسطة فى ذلك الوقت، وهى الطبقة التى لم تكن قد انحدرت فى مستواها الاجتماعى والثقافى بعد، حيث تأتى اللقطة الختامية المُبهجة حيث يجتمع أفراد العائلة وهم يضعون قطع البطيخ فى أطباق على المائدة ويأكلونها بالشوكة والسكين.

قدّم مخرج الروائع السينمائية داود عبدالسيد العديد من الأفلام التسجيلية، من بينها: «العمل فى الحقل» ١٩٧٩، و«عن الناس والأنبياء والفنانين» ١٩٨٠، إلى جانب موضوع حديثنا فى السطور التالية، فيلم «وصية رجل حكيم فى شئون القرية والتعليم»، الذى قدمه فى عام ١٩٧٦.

والفيلم واقعى يسجل ما تراه الكاميرا بحرفية شديدة، ويصور داود عبدالسيد من خلاله مشاهد جمالية من واقع القرية المصرية، مع مناقشة قضية مهمة هى: جدلية التعليم فى القرى ما بين الرفض والقبول وتناقض الآراء. مشاهد الفيلم تبرز ملامح التغيير الذى طرأ على القرية وأبنائها، بعد أن استجدت عليها أحداثًا جديدة بعد دخول نظام التعليم، ليغزل «عبدالسيد» جدلية إقبال الطموحين الراغبين فى الدراسة والتعليم، مقابل رفض المتأخرين.

عادة ما ينطلق التعليق الصوتى فى الأفلام لكى يُعبّر عن صوت الحق والعدل، أو الصوت الذى يحمل رسالة الفيلم، أو نقل المعلومات التى لا خلاف عليها، ولكن فى هذا الفيلم قرر المخرج استخدام التعليق الصوتى بصوت الفنان الراحل جميل راتب، ليُعبر عن صوت الرجعية والتخلف، ومن بين الأفكار المعبرة عن هذا التخلف عدم تعليم الفقراء، باعتبار هذا يعنى تكلفة زائدة على مسئوليات الأسرة، ويعطل الأبناء عن العمل ومساعدة ذويهم، لذا نجد التناقض فى الفيلم ما بين الصوت المُحرض، الذى يعبر عن آراء رجعية، والواقع الذى تعكسه الصورة التى تشع أملًا فى غدٍ أفضل للتعليم والمدارس.

ينتقد الصوت مجانية التعليم، مشيرًا إلى أن هذه المجانية زادت من أعداد الطلبة فى الفصول، فلا يستطيع هذا الكم المكتظ من الطلبة الاستفادة من دروسهم، معتبرًا أنه مهما كانت تكلفة التعليم المجانية هذه ضئيلة، تعد عبئًا جديدًا أُلقى على أعتاق الفلاحين.

يدافع المعلق عن وجهة نظره فى رفض فكرة تعليم القرويين، مُفسرًا ذلك أنه بتعليم هؤلاء سيطلعون على الثقافات الأخرى والفلسفات الحديثة والأفكار الغريبة التى نهانا عنها الدين ويقلدونها، ويخسرون وقتًا كان الأحرى أن يستغلونه فى شىء مفيد يعود بالدخل عليهم وعلى أسرهم.

أثناء التعليق الصوتى الرافض لفكرة التعليم، تظهر على الشاشة عدة مشاهد تتبنى وجهة النظر الأخرى الإيجابية، والمخالفة تمامًا لآراء المعلق الرجعى، حيث يتحدث الفلاحون أمام الكاميرا عن مدى سعادتهم بأنهم أخيرًا تعرفوا على الحروف والكلمات، وأول مرة يستطيع أى منهم قراءة الجرائد، ويعرفون ما يحدث حولهم، كما أيد آخرون نجاح فكرة المدارس فى القرية، بما فى ذلك من دفع عجلة التطور والتقدم وخلق الفرص أمام أبنائهم لمستقبل أفضل.

«طبيب فى الأرياف» لـ«خيرى بشارة».. أوجاع القرية بعيون مختلفة

خيرى بشارة من المخرجين المصريين المميزين الذين استطاعوا تقديم أنواع مختلفة من الأعمال الفنية، سواء الأفلام الروائية الطويلة أو الدراما التليفزيونية، وصولًا إلى الأفلام التسجيلية النادرة التى لم يشاهدها أحد.

فخلال الفترة من ١٩٧٤ إلى ١٩٨٦، قدّم «بشارة» أكثر من ١٢ فيلمًا من الأفلام الوثائقية والقصيرة، بمجموعة متنوعة من الأفكار والموضوعات، من أبرزها فيلم: «طبيب فى الأرياف» عام ١٩٧٥، الذى يلقى ضوء على نقاط الضعف فى البنية الاجتماعية لقرى صعيد مصر، من تفشى الأمراض ونقص الأدوية فى العيادات الحكومية والمستشفيات، وتكدس الفصول الدراسية بالطلبة.

فى قرية «دير مواس» بالمنيا فى صعيد مصر، ومع نداء منادى القرية الذى يتلو الأخبار والأوامر كجهاز راديو حديث، يعلن عن وصول الطبيب، يرحب المسعفون وأهالى القرية بالطبيب القادم إليهم من «البندر»، آملين فيه ومتوسمين بقدومه الخير عليهم.

يبدأ الطبيب الشاب النشيط والمتحمس الاطلاع على تفاصيل القرية وأحوالها، من خلال جولات متنوعة بين أرجائها، منها مروره على الفصول الدراسية لتبيّن إجراءات الوقاية، فيفحص فروات رءوس الطلبة، ويتأكد من نظافة أظافرهم وملابسهم، لكنه يجد أبناء القرية يعانون من نقص الأدوية وإمكانات الإسعافات الأولية التى تتأخر فى الوصول للوحدة الصحية، مع عدم كفاية الكمية المتاحة بالفعل.

تركز كاميرا «بشارة» على الحالات الإنسانية وتبرز تفاصيلها الواقعية، من يوميات الأسر الفقيرة وحياتهم العائلية وطموحاتهم وأحلامهم للمستقبل، ما يدفع الطبيب إلى الذهاب بنفسه إلى مخازن الأدوية بمساعدة العاملين فى الوحدة الصحية لحمل الأدوية ونقلها، لارتباطه بهؤلاء ورغبة فى مساعدتهم بصفة شخصية.

أمّا عن انتقالات الطبيب نفسه، فقد جاءت بشكل غير متوقع، إذ يحمله سكان القرية على الأكتاف، لكى يعبر قنوات المياه، أو للوصول إلى المواصلة التى ستنقله من مكان إلى آخر، فى تحية وعرفان من أبناء القرية لهذا الطبيب.

«النيل أرزاق» لـ«هشام النحاس».. حياة البسطاء فى المياه

اهتم المخرج الكبير هاشم النحاس، وهو من أبرز مخرجى السينما التسجيلية، برصد الحياة فى صورها المختلفة، فى ١٠ أفلام، أهمها فيلم «النيل أرزاق»، الذى أخرجه فى العام ١٩٧٢، وسجّل نقلة كبيرة فى تاريخ السينما التسجيلية. وصور الفيلم حياة المصريين من البسطاء الذين يعتبرون مياه النيل سببًا للرزق، وركز فيه على الصورة بشكل أساسى أكثر من أى عنصر آخر من العناصر الفنية للفيلم، دون إهمال الباقين.

وفى فيلم «النيل أرزاق» عبرت كاميرا «النحاس» عن حياة ساكنى ضفتى النيل، من عمال صناعة الطوب، والصيادين الذين يعيشون ويأكلون وينامون فى قوارب الصيد خاصتهم بالنيل، بالإضافة إلى إبراز لقطات حياكة شباك الصيد التى يقوم بها الرجال، وكذلك أعمال الطبخ ورعاية الأطفال التى تقوم بها النساء. وفى مشاهد تتسم بالصمت والخشوع والبحث عن الرزق، صور «النحاس» مشاعر البشر من ساكنى ضفة النهر، وعبر عن آلامهم وطموحاتهم من خلال صورة سخية، ودون جملة حوار واحدة، لكنها جاءت معبرة عما أراد التعبير عنه. وصور الفيلم مجموعة كادحة من عمال البناء، من بينهم سيدة وابنتها تعملان فى صب قوالب الطوب، وعلى الجهة الأخرى صوّر آخرين يقومون بتكسير الحجارة وينقلونها حملًا على الأكتاف، كما صور قاربًا للصيد به أسرة تتناول طعامها وأم تجدف بالمركب بإحدى يديها وتحمل بالأخرى رضيعها، ثم تنتقل الصورة لرصد طباخ المطعم الفاخر فى أعلى النيل يقوم بشى السمك، ثم يقدمه لزوجين سعيدين يقبلان بنهم على الطبق الشهى، وذلك قبل أن تعود الكاميرا لزوجة الصياد، وترصد جلوس طفلها الثانى، الذى لا يزيد على عامين، لتبرز استمرار الحياة رغم صعوباتها، وارتباط الرزق بمياه النيل وضفافه.١٩١

«حوار» كمال الشيخ.. الأصابع تتحول إلى أبطال

قدم المخرج الراحل كمال الشيخ مجموعة من الأفلام التسجيلية والقصيرة النادرة، وإلحاق صفة الندرة على هذه الأفلام يرجع إلى عدم عرضها على الشاشات والاكتفاء بإبقائها فى أرشيف السينما المصرية.

فى عام ١٩٧٢ قدم فيلمًا قصيرًا بعنوان «حوار»، تبلغ مدة عرضه ٨ دقائق، تشمل تتابعًا مدروسًا لرصد وتسجيل حركات أيدى وأصابع مجموعة مختلفة من البشر، هم مختلفون من حيث طبيعة أعمالهم ومهنهم وطبقاتهم الاجتماعية ولون بشرتهم. 

حقق «الشيخ» التتابع البصرى الرائع بالحبكة التى تخيلها وخطط لها، إذ أن الصور تتابع على نحو مرتب وقد يظن البعض أنها عشوائية، أو على طريقة لعبة البازل والقص واللصق، لكن يتضح أن كل مجموعة متتالية من الصور والمشاهد تربطها علاقة درامية لا تحتاج إلى شرح نفسها.

تبدأ أول مشاهد الفيلم بيد عامل السكة الحديد عندما يرفع ذراعه إلى الأعلى فاردًا كف يده فى إشارة للقطار بالتوقف أو تحويل مساره من القضبان المتوازية إلى أخرى متقاطعة، ثم جاءت لقطة لتمثال إبراهيم باشا- أبو إصبع كما يُطلق عليه المصريون- وهو الابن الأكبر لمحمد على باشا- محمد على الكبير- ومن ثم تظهر سيوف لامعة حول قاعدة التمثال، المشهد التالى هناك إصبع يُطيح بملك رقعة الشطرنج كدليل على زوال المُلك بعد الرفعة والشموخ اللذين يصورهما تمثال الباشا العثمانى.

تلاه مشهد قاعة فى إحدى المحاكم التى نتعرف عليها من خلال يد الشاهد التى ترتفع أثناء حلف القسم، ثم يظهر إصبع وكيل النيابة الذى يوّجه التهم إلى المساجين فى قفص الاتهام، حيث تظهر أياديهم متشبثة بقضبان القفص باستماتة واستجداء، ومن بعدها يد القاضى من فوق منصته يحرك إصبعه الإبهام فى حركة دائرية تدل على التفكير العميق فى الطريق لاتخاذ القرار، ثم يستخدم المطرقة ليَعُمّ الصمت قاعة المحكمة.

ثم ترتفع يد أخرى سائلة ومستفسرة عن شىء ما غير مسموع لكنه متوقع، ومن بعدها أيادٍ أخرى تحسم المشهد بحملها القيود المعدنية التى تكبل بها أيدى المسجونين، فى هذه الأثناء تنتقل كاميرا مدير التصوير عبدالعزيز فهمى، لأيدى عروسين يلبسان الخواتم مع أصوات الزغاريد والموسيقى التى أبدعها ميشيل يوسف طوال مدة الفيلم، إذ تتلون موسيقاه ما بين الكلاسيكية والحديثة إلى السيمفونيات التراثية، إضافة إلى الموسيقى الكاريكاتورية وموسيقى ألعاب السيرك التى سوف نتطرق لها من ضمن رصد مشاهد الفيلم، فضلًا عن قطعات عبقرى المونتاج سعيد الشيخ الذى يعرف جيدًا من أين يبدأ المشهد وإلى أين ينتهى.

ثم تسيطر السعادة على مشاهد الأيدى التالية، فتتعانق بحب وتتلامس برومانسية وتتشابك الأصابع فى إصرار ووعد بالبقاء، وتقتحم زهرة بيضاء مشهد الأيدى المتعانقة لتبدأ الأصابع فى لعب لعبة قطف أوراق الوردة فى لعبة التكهنات المسماة «بيحبنى.. ما بيحبنيش» دليلًا على اضطرابات عاطفية حدثت بين اليدين المتشابكتين اللتين سرعان ما يتشابك خنصريهما فى إشارة إلى الخصام من بعدها، ثم يمدان سبابتيهما إلى بعضهما البعض فيتلامسا كدليل على الصلح والتصافى، ثم يتصافحان، ومن أيديهما ينزلق عروسان خشب متحركان بالأحبال، وأيدى مُحرك العرائس ليعرفنا أنهما تزوجا بعد خطوبة تصارعت فيها أصابع الخصام والتصالح والتفكير المبالغ فيه حد تنبؤ أوراق الورد بمصير علاقتهما.

ثم تضرب العروس عريسها على رأسه، وسط جمهور مسرح العرائس، الذى ضحك وصفق، ويتضح أنه جمهور سيرك، سعيد بمشهد لاعب الكرات، فى إشارة إلى تدرج العلاقات الاجتماعية التى تبدأ بتعانق الأيدى وتشابك الأصابع.

وتمتد المشكلات إلى المجتمع الخارجى الذى يتابعهما ويراقب تطور علاقتهما، وكلما أجاد البهلوان اللعب بالكرات ازدادت شدة تصفيق أيدى أعضاء المجتمع.

الفيلم يتضمن مشاهد متعددة، وكل مشهد يُعّبر عن مضمون معين، ورغم أنه تسجيلى، يعتمد على الشكل الدرامى الروائى فى المعالجة والصراع، إذ يظهر ذلك خلال موضوعات الحروب والعنصرية فى المشاهد الأخيرة، التى عبّر عنها من خلال مشهدين متتاليين يدوران بين مشهد يد تحمل مسدس تطلق الرصاص فى مقابل حركة أيدى من يجرى اغتيالهم، التى تلتصق بالحائط وتزحف للأسفل فى استسلام مهين، وأيادى أخرى تكتب بالطبشور كلمه «السلام» على نفس الحائط بكل لغات الأرض.

وهناك مشاهد التحرش والسرقة، مثل مشهد فى حافلة نقل عام يوضح أن هناك يدًا تسرق ويدًا تتحرش وأخرى تربت، فالإنسان بما صنعت يداه، لنجد يدًا ممسكة بالمسبحة تسبح باسم الله وأخرى تتحرش بيد فتاة فى الحافلة ويد ثالثة تقتحم جيوب الركاب لسرقة محافظهم فيما تمتد يد الفتاة لتصفع المتحرش.

أراد «الشيخ» أن يُلّخص المجتمع المصرى فى عدة لقطات مهمة ومحورية تنتقل بين ما فعلت الأيدى من خير وما اقترفت من شر، حتى القتل فى مقابل طلب السلام عن طريق الاستغاثة السلبية باستخدام الكتابة على جدران صماء لن تستطيع الوصول إلى خارج الإسمنت والطوب.