رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سينما «1»

محسن أحمد: استعنت بمرآة ومطبخ الجيران لمشاهدة السينما

العبقرى
العبقرى

عمل مع كبار الفنانين والمخرجين والمطربين، وصنع بروحه أكثر من ٣٠ فيلمًا، وأخرج أغنيات وأفلامًا.. هو الدكتور محسن أحمد، مدير التصوير العبقرى، الذى شارك فى صناعة معجزات سينمائية، مثل أفلام: «الكيت كات وزوجة رجل مهم وكابوريا»، وأخرج فيلم «أبوالعربى وصل»، وأغنيات لعمرو دياب وكاظم الساهر ولطيفة. تمكن المصور المحترف من أن يضع بصمته الخاصة فى كل فيلم يتولى مسئولية تصويره، ليتمكن المشاهد- دون جهد- من معرفة أنه يرى بعين محسن أحمد. «الدستور» التقت الفنان الكبير، وتحدث عن نشأته فى حى السيدة زينب، وعن جيرانه الفنانين، وعلى رأسهم نور الشريف، وعن شغفه بالتصوير.

دور عرض السيدة زينب شكّلت شخصيتى.. ورأيت نور الشريف يلعب الكرة مع أخى فى الشارع

 

ولدت فى حى السيدة زينب بالقاهرة، وأعتبر أن هذا المكان هو الذى كوّن شخصيتى، حيث كنت أعيش فى شارع محمد عنايت، فى منزل محاط بسينمات الدرجة الثالثة.

كانت سينما «إيزيس» بجوار بيتى، وكانت تعرض الأفلام الأجنبية باستمرار، وكنت أدخل إلى السينما فى الساعة ١٠ صباحًا وأخرج فى الساعة ٥ عصرًا، وفى بعض الأحيان كنت أعود للمنزل لتناول الغداء، ثم أعود إلى السينما بنفس التذكرة، بفضل «عم زكريا»، الذى كان يجعل عملية الدخول والخروج سهلة، وتحولت هذه السينما الآن إلى مخزن.

وكانت هناك سينما تسمى «الأهلى»- أيضًا- بجوار منزلى، هدمت وجرى إنشاء عمارة فى نفس المكان، ولا تزال سينما «الشرق» فى مكانها، لكنها مغلقة، وهناك أيضًا سينما «الهلال» الصيفى.

كنت أسير يوميًا بين سينمات «الشرق وإيزيس ووهبى والحلمية»، وحينما كنت أملك ٥ قروش، كنت أذهب لوسط البلد، شارع عمادالدين تحديدًا، لمشاهدة الأفلام الجديدة.

السينمات المحيطة بمنزلى شكّلت شخصيتى، خاصة سينما «الهلال»، لأنها كانت مصدر الوحى، كنت أسمع الأفلام من منزلى ولا أستطيع مشاهدتها.. كنت أميّز أصوات الفنانين الكبار محمد فوزى وشادية وفريد الأطرش، وأحفظ الأغنيات بسبب التكرار.. هذا يذكرنى بالفيلم الإيطالى «سينما براديسو».

وحينما كنت أريد رؤية الشاشة، كنت أذهب إلى منزل جارى وصديق الطفولة حسين محمد، إذ كان شباك مطبخه يعلو الشاشة بـ٦ أمتار، لذا كنا نحظى بمقعدين «بلكون».

بعد فترة، فكرت فى استئذان والد صديقى فى وضع مرآة بمطبخهم لتعكس صورة شاشة السينما لأراها فى منزلى، ونجحت الفكرة، لكنها حرمتنى من المأكولات الشهية التى كانت فى مطبخ صديقى.. كنا نستولى على كل ما يقع تحت أيدينا.

واكتشفت بعد ذلك أن حب السينما لم يصبنى بمفردى، بل أصاب الجيران كذلك، مثل المخرج الرائع شريف عرفة وشقيقه عمرو، كانا يقطنان فى حى المنيل أمام إحدى دور العرض الصيفية، وكانا يستمعان إلى الصوت أيضًا دون المشاهدة.. لكننى كنت أكثر حظًا منهما، بسبب فكرة المرآة. لن يستطيع «عرفة» وضع مرآة على كورنيش النيل.

ومن الأمور التى ساعدت فى تكوين شخصيتى أننى ولدت فى حى ملىء بالفنانين، كنت أسكن فى المنزل رقم ١٦، وفى المنزل رقم ٢٠ كان يسكن نور الشريف بالدور الأخير، والحاج حافظ أمين، المخرج التليفزيونى الكبير، بالدور الأرضى، وطلبت من هيئة التنسيق الحضارى- عندما كنت عضو لجنة تحكيم فى مسابقة فوتوغرافيا التابعة للهيئة- وضع لافتة على المنزل رقم ٢٠ بشارع عنايت، مكتوب عليها «هنا كان يقطن نور الشريف حينما كان طالبًا».

كما قدمت طلبًا لرئاسة حى السيدة زينب بتغيير اسم الشارع؛ ليصبح «شارع الفنان نور الشريف/ محمد عنايت سابقًا»، وحرصت على وضع اسم «عنايت»، تقديرًا لتاريخ المقاومة الشعبية لأسرة «عنايت».

كنت أرى نور الشريف يلعب كرة القدم فى الشارع مع أخى الأكبر، اللواء المتقاعد محمد أحمد، قبل أن يلعب الفنان فى نادى الزمالك، وفى الشارع نفسه سكن المخرج علاء كريم، رحمه الله، والممثل محمود مسعود، رحمه الله. 

من فوائد السكن فى السيدة زينب أيضًا، إمكانية الذهاب إلى الأماكن الأثرية الجميلة، فكان مسجد ابن طولون- على سبيل المثال- على بُعد خطوات من بيتى، كما كنت أذهب لمسجدىّ السلطان حسن والرفاعى، وأذهب مع أصدقائى لزيارة قلعة صلاح الدين، لنرى القاهرة فى صورة عريضة واسعة.

كما كنا نذهب إلى هضبة المقطم لرؤية القاهرة بمشهد مختلف.. كنت أهتم بالصورة، وكنت أستطيع- بقرش واحد- زيارة الكنائس والمساجد والمناطق الأثرية العظيمة.

هذه البيئة التى أحاطت بى منذ الطفولة جعلتنى أرغب فى أن أعمل بمجال السينما، فقررت- بعد حصولى على شهادة الثانوية العامة- أن أتقدم للدراسة فى أكاديمية الفنون.

سمير سيف «ملاك» صادفنى وغيّر حياتى.. الشهرة بدأت مع «المطارد».. ومحظوظ بالتعاون مع مخرجين مهمين

 

نجحت فى الالتحاق بأكاديمية الفنون، ولحسن حظى صادفت نجومًا كبارًا، فقد تتلمذت على يد الدكتور عبدالعزيز فهمى، وضم قسم الديكور الفنانين شادى عبدالسلام وصلاح مرعى، ودرس بقسم الإخراج كمال الشيخ وصلاح أبوسيف.

ولحسن حظى أيضًا، تعاملت فى بداية حياتى مع مخرجين مهمين، فكان أول فيلم لى مع المخرج كامل صالح، المهاجر حاليًا فى كندا، ونجح الفيلم وأشاد به النقاد، وقال لى الناقد سامى السلامونى- حينها: «شغلك يستحق الجائزة.. لكن سنك الصغيرة تجعل حصولك عليها غير ممكن.. وفى المستقبل ستحصل على جوائز كثيرة».. شعرت بحزن وظلم، لكننى كنت أعرف أن «السلامونى» لا يجامل، كان يشجع الجيل الجديد.

بعد ذلك، خضعت لاختبار ببيت الفنان أحمد خورشيد، وتعلمت منه الكثير، ثم التقيت «الملاك»، لأننى محظوظ التقيت الملاك سمير سيف، فى فيلم «المطارد»، بطولة نور الشريف وسهير رمزى وإنتاج جرجس فوزى، الذى كان من أهم المنتجين آنذاك.

استطاع سمير سيف إقناع منتج بهذا الحجم بقبول مصور شاب حديث التخرج فى معهد السينما، ولا يملك سابقة أعمال سوى فيلم وحيد.. ولأن «سيف» إنسان جميل، استطاع تحويل ما بداخلى من حماس إلى طاقة فنية، وحتى الآن أعتبر «المطارد» أهم أعمالى.

وأود أن أشير إلى أن «المطارد» هو أول فيلم يعرض لى، لأن فيلم «الصديق الوفى» تعثر بعد المونتاج ولم يعرض إلا بعد فترة زمنية، لأنه كان من بطولة طفل وكلب، فكان غريبًا بالنسبة للساحة الفنية.

كان من الصعب أن يحقق فيلم «الصديق الوفى» جماهيرية كبيرة فى هذا الزمن، لذا أعتبر أن «سيف» هو من قدمنى للجمهور.

بعد ذلك عملت بفيلم «عصر الذئاب»، بطولة نور الشريف وليلى علوى وعادل أدهم، وبعدها بدأ العصر الذهبى، فصورت ثلاثية مهمة «الكيت كات وزوجة رجل مهم وكابوريا»، للعظماء داود عبدالسيد ومحمد خان وخيرى بشارة.. كانت منحة لى من السماء، أنا مُرزق.

تعلمت من «سيف» دروسًا كثيرة، فقد سافرنا معًا إلى المجر، وكان علىّ تصحيح ألوان أفلام فى معمل، وهذا شغل يقوم به مدير التصوير بمفرده، لكن «سيف» أصر على أن يساعدنى، ويتابع بنفسه صناعة نسخة الفيلم.

كنت أجلس على المكتب لتصحيح الألوان، وأفاجأ بأنه يعد لنا الشاى، وقبل أن أشكره يسألنى إن كنت أريد أى شىء آخر، كنت أقول له: «أنت الأستاذ.. مش منطقى أن يصنع الأستاذ مشروبًا للتلميذ».. فيقول لى: «عملك هو الأهم الآن».

ظل معى فى المعمل لأيام، وكنت أعمل على أكثر من فيلم، ويزورنى مخرجون آخرون.. كان «سيف» يقوم بدوره الإنسانى إضافة إلى دوره الوظيفى.

كان «سيف» يحب المشى، وكنا نتحرك أغلب الوقت سيرًا على الأقدام، وكنا نتحدث خلال ممارسة هذه الرياضة عن السينما.. كان يقول لى إن أبناء جيله كانوا يهتمون بتبادل الآراء حول أعمالهم «كمال الشيخ كان يقرأ سيناريو لهنرى بركات، ويقول رأيه.. وكان صلاح أبوسيف يقرأ سيناريو كمال.. ونقول الآراء بمنتهى الود والاحترام».

أفكر فى كتابة ذكرياتى ومحمد الشوربجى أفضل من يكتب عنى

حصلت على شهرة كبيرة بعدما شاركت فى أفلام «الكيت كات وكابوريا وزوجة رجل مهم»، أصبحت من الصفوة، وكان من حقى أن أطلب ما أشاء. 

أشكر الله على ما منحنى من فرص للعمل مع مخرجين عظماء، فقد عملت مع شريف عرفة فى مجموعة أفلام، بداية من «سمع هس» حتى فيلم «النوم فى العسل»، ومع شقيقه عمرو عرفة فى فيلم «زهايمر»، وشاركت فى فيلم «الأراجوز» مع المخرج هانى لاشين والممثل العالمى عمر الشريف.

أفكر دائمًا فى كتابة ذكرياتى، وأود التطرق إلى أننى فكرت فى أن أجعل الكاتب محمد الشوربجى هو من يكتب كتابى «صور متقاطعة»، لأن كتابته جميلة، وهو مدير تليفزيون الدلتا، ودرس فن التصوير، لذا رأيت أنه هو الأجدر بالكتابة عن مدير تصوير مثله.

أرى أن الفيلم ليس مكانًا للصورة، فالصورة الجميلة مكانها المعارض الفنية والبطاقات السياحية، إنما دور الأفلام هو تحويل الدراما المكتوبة إلى صورة حيّة.

وأود أن أشير إلى أننى أحب الخير ومن يفعلون الخير، وأرى ضرورة تسليط الضوء عليهم.. كنت أرى الخير دائمًا فى السيدة زينب، فذات مرة رأيت صاحب متجر حدايد وبويات يتكفل بسيدة عجوز طردت من منزلها، فحوّل المتجر إلى فندق للسيدة، وكان يغلق الباب مساءً ويترك فتحة بسيطة كى تستطيع السيدة الخروج إن أرادت ذلك.

وبعد أن ماتت السيدة، تكفل الرجل بإقامة العزاء، وسافر لدفنها فى بلدها.. هذا الرجل لم ينقذ السيدة فقط، بل أنقذ جميع رجال السيدة زينب من الحرج.. كيف نرى ضعيفًا ولا نساعده؟

كما رأيت الخير فى طبيب الغلابة، وفكرت فى صناعة فيلم تسجيلى لأرصد حياته ودوافعه النبيلة لعلاج مرضاه من الفقراء.

وكنت أبحث عن الخير حينما أصبت بجلطة دماغية عام ٢٠١٤، فبحثت عن طبيب صادق وغير مستغل، واضطررت للسفر للخارج.