أمجد بشارة: البابا تواضروس يقوم بالعديد من الإصلاحات.. ولا تطور في الفكر اللاهوتي
رأى المترجم اللاهوتي والباحث اللاهوتي أمجد بشارة، أن الطفرة الحادثة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الوقت الحالي شيء يدعو للفخر والفرح لكل مسيحي حقيقي.
وأضاف بشارة في حواره لـ«الدستور»، أنه ربما أيضًا حان الوقت لإنشاء مركز ترجمة تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يجمع تلك الطاقات لترجمة الدراسات الخاصة بالكنيسة القبطية.
في البداية ما هو تعريفك للباحث والمترجم اللاهوتي؟
الباحث في رأيي هو شخص دارس لأحد الموضوعات دراسة متخصصة، بجانب القراءة الكثيرة لذات الموضوع، أي أن يكون متخصص في موضوع واحد، فالكاتب الموسوعي أو الباحث الموسوعي قد انتهى بانتهاء القرون الوسطى كما أعتقد أنّ الدراسة المتخصصة الأكاديمية أساس لتسمية أي شخص بالباحث.
أمّا فيما يخص الدراسات اللاهوتية فهي ترتبط بجانب الدراسة والقراءة بحياة التقوى، فإن لم تعبر أعمالنا عما نتحدث عنه فهو لغو لا قيمة له، الباحث اللاهوتي ليس من لديه معرفة غنوصية، بل من له إيمان اليدين، أي أن إيمانه يحركه نحو إحداث أعمال ثورية، لا يحدها المكان والزمان والملكات، ليجعل من العالم مكانًا أفضل.. وهذا أيضًا ما يفرق بين اللاهوتي والفيلسوف.
كيف بدأ اهتمامك بالمجال اللاهوتي؟
بدأ اهتمامي مثل أي مسيحي مصري يواجه التحديات الإيمانية من التساؤلات التي تحيط به من كل جانب، سواء من خلال الحوارات داخل المدرسة والجامعة، أو المواقع الإلكترونية وجروبات شات الياهو القديمة قبل ظهور "فيسبوك" وهو ما دفعني للبحث بجدية أكبر عما أومن به.
في رأيك ما هي الترجمات اللاهوتية.. وكيف حدث التطور عليها؟
الترجمات التي يمكن أن نطلق عليها هذا الاسم هي الترجمات التي تختص باللاهوت بشكل خاص والدراسات المسيحية بشكل عام، لكن بكل تأكيد منها ما هو كتابات جادة، ومنها الأقرب إلى الشبهة ضد الإيمان المسيحي منه إلى الدراسة الجادة.
كيف ترى اهتمام الشباب القبطي في الآونة الأخيرة بالبحث والترجمه اللاهوتية؟
الطفرة الحادثة للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في الوقت الحالي شيء يدعو للفخر والفرح لكل مسيحي حقيقي، سواء اتفقنا أو اختلفنا حول محتوى الترجمات والإصدارات، فمن قام بها -ولأول مرة منذ وقت طويل جدًا- شباب صغير السن، ومن غير الإكليروس، وغالبيتهم يعمل في أعمال أخرى وله حياته الخاصة، أي أنه غير متفرغ للبحث والدراسة، ومع ذلك خلقوا من الفراغ تلك الدراسات الجادة والحقيقية والتي بدأت تغطي الكثير من الجوانب المفقودة داخل المكتبة المسيحية العربية، وفي موضوعات شتى.
وأعتقد أنه حان الوقت للكنيسة أن تستغل هذه الطفرة الحادثة في صفوف شبابها لرعايتهم واحتضانهم وتشجيعهم على إنتاج المزيد من الدراسات، ربما يحدث ذلك عن طريق تنظيم معارض للكتاب بشكل حر غير خاضع للفرز والمنع والتصنيف تحت رعاية كنسية وبتخفيضات لتشجيع الشباب والخدام والآباء الكهنة على الاطلاع بشكل أكبر، وربما أيضًا من خلال توزيع بعض الكتب الدراسية الجادة على الخدام في القطر المصري بشكل ممنهج، وربما أيضًا حان الوقت لإنشاء مركز ترجمة تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية يجمع تلك الطاقات لترجمة الدراسات الخاصة بالكنيسة القبطية ولاهوتها وأيقوناتها وتاريخها التي عمل عليها الباحثون الغربيون لسنوات عديدة مضت، وماذا يضر إن كان للكنيسة دار نشر خاصة بها وتعمل تحت اسمها ورعايتها وتمثل الرأي الكنسي الرسمي أيضًا.. وغير ذلك الكثير من الممكن أن تقوم به الكنيسة لإستغلال هذه الصحوة وما أقوله هنا لا أمليه من برج عالٍ بل أتمناه كأحد أبناء الكنيسة.
في رأيك كيف ترى انتشار الواسع للمراكز البحثية والمعاهد الدينية خلال الفترة الأخيرة؟
أعتقد أنها لم تعد الفترة الأخيرة فبعض هذه المراكز مرّ على تأسيسه الآن 12 سنة، والبعض الآخر 20 سنة وأكثر مثل المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. وأجد هذه التجربة مهمة بل ضرورية، ولولاها لما تحدثنا اليوم عن أي إنتاج ثقافي لكنيستنا، سوى تراث الماضي، فأبناء الكنيسة هم من قدموا وقتهم وجهدهم ودراساتهم الجادة من خلال هذه المراكز، ولم يكن هناك أي منفذ آخر لظهور هذه الدراسات لولا وجود تلك المراكز.
كيف ترى التطور الذي حدث في اللاهوت القبطي بعد انقسام الكنائس الخلقدونية؟
للأسف في رأيي الشخصي لا أرى أي تطور في الفكر اللاهوتي القبطي منذ ذلك الوقت، باستثناء القديس ساويرس الأنطاكي، فكل من أتى بعده مجرد مجترٌ لما سبق أن قاله الآباء الأولين في القرون الخمسة الأولى، ومع تطور الفكر والتحديات في العالم لم نجد في كنيستنا القبطية أي فكرٍ موازٍ يمكن أن يجابه تلك التحديات. باستثناء بعض الأشخاص القليلين جدًا والذين قدموا مادة مختلف عليها، مثل: أنبا إغريغوريوس، الأب متى المسكين، الأب أثناسيوس المقاري، الأب تادرس يعقوب، دكتور جورج حبيب بباوي.. وجميعهم ظهروا في ال70 سنة الأخيرة فقط. أما قبل ذلك في فترة التراث العربي المسيحي فقد كانت أكثر الكتابات دفاعية للرد على التساؤلات الإسلامية فقط.
ما رأيك في الخطوات الإصلاحية التي يقودها البابا تواضروس الثاني منذ توليه؟
فكر قداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، وبطريرك الكرازة المرقسية رائع ومنذ جلس على كرسي مارمرقس وهو يقوم بالعديد من الإصلاحات الهامة والتي يعارضه فيها الكثيرون.. لكن ما آراه أكثر أهمية أن قداسته لا يقصي أحدًا ولا يحرم أحدًا حتى من يسبه ليل نهار، وهو بهذا أب حقيقي وهذه أهم سماته.
صدرت أحد الكتب التي تتحدث عن المرأة في المسيحية ففي رأيك كيف كرمت المسيحية المرأة؟
المسيحية لم تكرم نوعًا من البشر، المسيحية كرمت البشرية، كرمت الإنسان بأن تجسد الله واتحد بطبيعته، اتحد بطبيعة الإنسان، كل إنسان هو مرتبط بالمسيح وشريك طبيعة المسيح المتجسد، وهذه أفضل كرامة يمكن أن يصل إليها البشر.
في رأيك كباحث كيف أثرت التطوُّرات في القرون الوسطى على الكتابة اللاهوتية القبطية باللغة العربية؟
على العكس من بعض الدارسين الكبار، وأنا أقل منهم في كل شيء، لكني لا أرى أن الكنيسة القبطية تأثرت باللاهوت الغربي في القرون الوسطى، بل على العكس من يقرأ كتابات أولاد العسال وابن كاتب قيصر وبولس البوشي لا يجد اختلاف كبير بين اللاهوت الذي يقدموه ولاهوت القديسيين الأوائل أثناسيوس وكيرلس، لقد تطور اللاهوت القبطي وأصبح يميل بالأكثر للفكر الغربي مع دخول الإرساليات وقت حكم الإنجليز لمصر، أي منذ ما يقرب من 150 سنة أو أقل.
في رأيك كيف انتشرت المخطوطات القبطية في العالم؟
للإسف بسبب قلة خبرتنا وعدم اهتمامنا بعنايتها ودراساتها في تلك الأوقات، فمثلًا الرهبان في دير سانت كاثرين كانوا يحرقون أوراق المخطوطات ليستدفئوا بنارها.. فقدم العلماء من كل مكان في العالم واشتروا بعض المخطوطات وسرقوا البعض الآخر. لكن، في الأخير انتجوا لنا دراسات لم تكن لترى النور لو بقيت تلك المخطوطات معنا حتى اليوم.
كباحث لاهوتي ما هو مفهومك للخطية الأولى.. هل هي موروثة أم لا؟
في كتابي: "قصة الحب العجيب، قراءة في لاهوت الخلق والسقوط والفداء" قدمت رأيي بناء على تعاليم آباء كنيستنا الشرقية، وبالطبع الخطية لا تورث لأنها ليست كيانًا ماديًا ولإن الطفل المولود بريء من الخطية والذنب وليس ملعونًا أو مدانًا من الله كما يقول المؤمنين بأن الخطية تورث، ولأن الآباء الشرقيون لم يقولوا بمثل هذا التعليم.
في رأيك ما هو مفهوم التراث العربي المسيحي؟
أنا لست باحث في هذا المجال، ولست متخصصًا فيه، لكن ما يقال عنه أنه يحاول أسلمة المسيحية أو جعل أصولها عربية وغير ذلك هو مجرد عبث ناتج عن جهل، هذا بتفعيل حسن النية..
أعددت دراسة بشأن مفهوم البدلية العقابية فما هي؟
البدلية العقابية هي إحدى النظريات التي تشرح عقيدة الفداء وتقول في أصلها أن الآب صب غضبه على الابن في الصليب بدلًا من أن يصب غضبه علينا. وهذا مفهوم يرفضه اللاهوت الشرقي لإن خلاص المسيح غير محصور في الصليب فقط، فالمسيح جاء لكي: 1- يصلح بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية بتجسده حيث اتحدت فيه الطبيعتان. 2- يصلح أفكارنا البشرية المشوهة عنه الله حيث المسيح هو إعلان الله عن ذاته كما هو، كما أن لتعاليمه هذه الدور في خلاصنا. 3- بتألمه شارك البشرية آلامها ليشفي آلامها فيه. 4- بموته وقيامته أمات الموت الذي سيطر على طبيعتنا
أعددت دراسة عن تطور الرهبنة في عهد الأنبا باخوميوس..فكيف انتشرت الرهبنة في مصر وهل تعاني خلال هذه الفترة من أزمة؟
تطورت الرهبنة كثيرًا منذ وقت مؤسسو الرهبنة الأولين، فهدف الراهب في البداية كان قانونه الروحي، شركة الجماعة الرهبانية، عمله، والقراءة ونسخ المخطوطات.. ولم يعد هذا هو الأمر الآن عند كل الرهبان كما هو واضح، فقد طغى الجانب العملي على الجانب النسكي، وطغى التطلع للظهور والأسقفية وربما جمع التبرعات عند الكثيرين بدلًا من القانون الروحي والقراءة ونسخ المخطوطات ودراستها!
ما مشروعك البحثي الذي تعمل عليه حاليًا؟
أكتب دراسة عن العهد القديم والعنف والحروب في العهد القديم، واعتقد أنه لا توجد دراسات كثيرة بالعربية عن هذا الأمر.