«الزيت القاتل».. الشباب يشترون «الموت» لتضخيم العضلات
لجأ العديد من الشباب إلى تشكيل أجسادهم بأسهل طريقة ممكنة، دون أن يبذلوا أي جهد يحتاج منهم سنوات داخل الصالات الرياضية، باستخدام عقاقير وأمبولات، دون النظر إلى خطورتها عليهم.
هرمونات يتم حقنها في الجسد تساعد سريعًا على بناء عضلات "وهمية"، لكنها تترك بداخلهم خلايا ميتة لا يمكنهم نزعها إلا بالبتر، بجانب الآثار السلبية التي تفتعلها في إفراز الغدد لهرمون التيستسترون الطبيعي، وقد تؤدي في أغلب الأحيان إلى الوفاة مباشرة.
انقلبت منصات التواصل الاجتماعي في الساعات الأخيرة رأسًا على عقب، بعد انتشار صور مثيرة للجدل تحوي شخصًا "منفوخ" الذراعين، يدعي أنه أقوى من "بيج رامي". "الدستور" تنشر تحقيقًا يكشف خبايا التجارة في الزيوت التي يُحقن بها الشباب، رغم منع تداولها في مصر.
معاذ: الحقن بالزيت دّمر حياتي
شاب لم يبلغ من العمر سوى 26 عامًا، كاد أن يقضي حلم "الفورمة" على حياته، حين ذهب إلى إحدى الصالات الرياضية، وتمعن في التدريب يومًا بعد يوم، دون أن يحصل على الشكل الذي كان يتخيله؛ ما جعله يضغط على نفسه في وقت التدريب وحمل الأثقال بطريقة تؤثر على صحته ليجد نفسه في النهاية يعاني من تمزق شديد في عضلات ذراعيه.
الآلام التي أصيب بها معاذ قبل ثلاث سنوات، جعلته يمتنع عن الذهاب إلى التدريب نهائيًا، وأصبح غير قادر على حمل أي شىء ثقيل، ما أثر على نفسيته بشدة، ودخل في نوبة اكتئاب شديدة لم يخرج منها إلا بنصيحة سوداء أرشدها له أحد أصحاب الصالات الرياضية.
"كابتن الجيم قالي هجيبلك مادة تعملك شكل الجسم اللي إنت عايزه من غير أي مجهود"، قال "معاذ" في حديثه لـ"الدستور"، إنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من مدربه ذات يوم يسأله عن سبب تغيبه عن التدريب لفترة كبيرة، وحين علم السبب أرشده إلى حقن ذراعيه بزيت "الثينسول"، الذي يساعد على بناء عضلات وهمية في وقت سريع للغاية.
استخدم الشاب تلك المادة القاتلة لمدة شهرين ونصف الشهر، لاحظ فيها تغيرات واضحة في منطقة الذراعين، لم يبدو عليها التناسق إطلاقًا مع جسده، ومنعته من ممارسة حياته بشكل طبيعي، قائلًا: "مبقدرش أفرد إيدي، ولا ألبس الهدوم إلا بمجهود كبير".
حاول بعد ذلك التخلص من الشكل الوهمي، وتوجه إلى أحد أطباء التغذية، الذي حذره بشدة من الاستمرار في تناول تلك المادة الخطرة، التي عرضته إلى ضرورة إجراء عملية جراحية من أجل استئصال الخلايا المتلفة بذراعيه، لكن الخوف منعه من خوض العملية، واضطر أن يستكمل حياته بذراعين غير مناسبين مع جسده النحيف.
سمسار: العبوة الواحدة بـ2000 جنيه والتسلم في سرية تامة
اتجهت "الدستور" للبحث عن مروجي "الزيت القاتل" في مصر، بعيدًا عن أعين الرقابة الأمنية، وهم يعلمون جيدًا أنه ممنوع نهائيًا تداوله في مصر، بسبب الخطورة الذي يسببها للشباب المستخدمين له، ووجدناهم داخل مجموعات سرية على موقع "فيسبوك"، يصطادون ضحاياهم مقابل تحقيق حلم "الفورمة المزيفة".
بمجرد دخولنا للمجموعة المذكورة، وجدنا منشورات تروج للعديد من الزيوت المستخدمة في حقن العضلات، منها كان "زيت الثينسول" الذي حذر منه الجميع في التعليقات، وحاولوا إنقاذ أي شخص من تناوله، لكن التاجر أصر على بيع منتجه المسرطن وكتب بجانبه: "بسعر مغري"، مرفقًا هاتفه الشخص للتواصل.
تواصلنا معه عبر الهاتف لنجري اتفاقية على شراء عدد كبير من الزيت، وأبلغنا أن الكمية محدودة حاليًا، ولا يمكنه توفير إلا 4 عبوات فقط، كل عبوة منها يبلغ حجمها 100سم، ووصل سعر الواحدة إلى 2000 جنيه، معبرًا عن ذلك: "الحاجة غالية علشان مستوردة وصعب تلاقيها عند أي حد".
وبسؤاله عن مصدر الزيت للاطمئنان على مدى فعاليته، أوضح أنه يستورده من أحد البلاد الأوروبية ضمن شحنات المكمل الغذائي والهيرمونات، وحاول أن يطمئنا من سلامة منتجه الذي باعه للعديد من الشباب خلال الأشهر الأخيرة.
أكد السمسار ضرورة السرية التامة لحين الانتهاء من التسلم داخل محطة مترو الجيزة، واتضح من صورته على حسابه الشخصي لـ"فيسبوك"، أنه يعمل داخل صالة رياضة كمدرب، لذا سألناه عن إمكانية التوجه إلى مقره الشخصي، لكنه رفض ذلك تمامًا، وأعلن رغبته في إنهاء الأمر سريعًا حتى لا تنفذ الكمية.
صيدلى: الزيت يُباع سوقًا سوداء ويحتوي على مواد قاتلة
شرح الصيدلي، إبراهيم سامح، مخاطر "زيت الثينسول": موضحًا أنه حين يتم حقن الأشخاص في العضل بالزيت، يحدث تراكمًا شديدًا في منطقة العضلة، وتظل المادة المركبة فترة كبيرة من المستحيل تعامل الجسد معها بشكل طبيعي، وتستغرق فترة إخراجها منه وقت كبير للغاية، لأن أنسجة العضلات تتعرض لتهتك واضح، وتسبب أورامًا عدة ومناظر مشوهة للجسد".
وأضاف: "يعتقد بعض الشباب الحالمين ببناء الجسد المثالي أنه يمكنهم الاستغناء عن الذهاب إلى التدريب، والاكتفاء بحقن العضلة بالزيت، وبالفعل انتشرت هذه الظاهرة ببشاعة خلال السنوات الماضية، لكن ما لا يدركه هؤلاء الشباب أنهم يقدمون على الموت بخطوات بطيئة".
تحدث الصيدلي أيضًا عن الزيت الأكثر رواجًا في هذه المسألة، قائلًا: "يتكون من مواد تحتفظ بها العضلة لسنوات عدة، وتعتبر العضلة المحقونة بالزيت عضلة مشوهة لا يوجد بها انقباض أو انبساط، ما يعني أن الحجم ثابت فى كل الأوضاع، وليست لها أي علاقة بالقوة، بل تعرض مستخدميها إلى العدوى الخطرة، وفي أغلب الأحيان لا يعود الجسد إلى حالته الطبيعية".
مدرب لياقة بدنية: عضلات "بلونة" ويستلزم استئصالها جراحيًا
وبالتواصل مع محمد سالم، مدرب اللياقة البدنية، أوضح أن المادة المكون منها الزيت عبارة عن مسكن للآلام، وكحول، وزيت من مادة الجلسرين، حين يتم حقنها داخل عضلات الجسم يصعب التخلص منها بشكل كامل، فقط 30% منها، أما الباقي فيظل مستقرًا في الألياف العضلية، ويمكنها أن تضخم قطر الذراعين إلى 60 سم".
"صاحب أضخم دراع في العالم"، هكذا وصف "سالم" خلال حديثه مع "الدستور"، من يقبل على استخدام المادة المسرطنة، ظنًا منه بتحقيق إنجاز يحتفي به كل من حوله، لكن الحقيقة غير ذلك تمامًا، فمن بدأ باستخدام هذه الزيوت هم أبطال العالم، الذين يحتاجون إليها في أماكن معينة بجسدهم تكون خفيفة مثل منطقتي السمانة والخلفية.
واستكمل: "الشخص المسئول عن حقنها لأبطال العالم يتميز بالاحترافية الشديدة في فعل ذلك الأمر، ويراعي أن تكون بنسب قليلة للغاية، لأن بمجرد اختراقها للألياف تتسبب في تدميرها على الفور، كونها تضغط على الأوردة والعروق، وتمنع الدم من الوصول بصورة كافية إلى الجسد؛ ما يحدث على إثره أن الجسد يظل نحيفًا بينما المنطقة التي تم حقنها تكون ضخمة".
وعن انتشار الزيت في مصر، قال: "انتشرت هذه المادة في البلاد بأسماء مختلفة، ووصل سعر الـ100 سم منها إلى 1000 جنيه، رغم أن المادة الأصلية منها تساوي قدرًا أكبر من ذلك بكثير، وأصبح أي مدربًا داخل صالة رياضية يروج لها ويحقن بها الشباب، بهدف كسب أكبر قدر من الأموال".
مدرب كمال أجسام: الحقن الموضعي للعضلات مسرطنًا وليس هرمونيًا
وأشار الكابتن مصطفى عويس، عضو الاتحاد المصري لكمال الأجسام، إلى المادة المزيفة التي تُباع في مصر، وتجعل الشباب الذين تم حقنهم بها معرضين لفتح ذراعيهم جراحيًا، وإزالة ما بداخله من عضلة متضررة، كونها تعد مادة مسرطنة وليست هرمونية كما يعتقد البعض، فالعلاج منها مستحيل إلا باستئصال الخلايا الميتة.
أشار "عويس" في حديثه لـ"الدستور"، إلى فاعلية جرعات الزيت التي يبدأ ظهورها على أجساد مستخدميها بعد شهر ونصف الشهر من استخدامها، ويحدث ذلك داخل الصالات الرياضية التي يترأسها مدربون ليس لديهم ضمير، ويتاجرون بصحة الشباب الحالمين بالفورمة سريعة الشكل وعديمة المفعول.
أما عن أعراضه الجانبية، فأوضح: "بعد توغل المادة المسرطنة داخل جسد الشاب، يتعرض فورًا لضعف شديد في المناعة، وتقلب في المزاج يصاحبه طوال الوقت، كما يعاني من الضعف في تأدية مهامه اليومية بسبب الخلايا الميتة التي انتشرت في جسده".
تعرض مدرب جامعة النهضة ببني سويف، للعديد من الحالات التي استخدمت الحقن الموضعي، وشاهدهم جميعًا يعانون من أمراض مختلفة لا يمكن حلها سوى بإزالة الخلايا العضلية في ذراعيهم، ولم يستطع إلا تحذيرهم بالابتعاد نهائيًا عن هذا الخطر الداهم الذي يهدد حياة الشباب دون أي دراية منهم بما سيتعرضون له.
وتابع: "الشباب يقبلون على حقن ذراعيهم موضعيًا بالزيت من أجل تزويد حجم الخلايا العضلية، للظهور بشكل ضخم أمام الجميع، لكنهم في الحقيقة غير قادرين على حمل أوزان ثقيلة داخل الصالة الرياضية، ويحاولون دومًا على الظهور بما ليس فيهم، منهم من يفعل ذلك من أجل العمل كحارس أمني، ومنهم من لديه مشكلة نفسية حادة يعاني منها".
طبيب نفسي: تنمر الطفولة والرغبة في التوحش هما المسيطران على رغباتهم
ومن الجانب النفسي، أوضح الدكتور أيمن غربالة، أخصائي الأمراض النفسية والعصبية، أن الأشخاص الذين يحاولون الظهور بشكل ضخم ليرعبوا من حولهم هم في الأساس كانوا ضحايا التنمر في الطفولة، وشكل الأمر حاجزًا نفسيًا بداخلهم ليبحثوا في النهاية عن شىء يظهر قوتهم الخارقة أمام الجميع.
استنكر الطبيب ما يروج له أصحاب العضلات الضخمة التي ليس لها أي أساس من الواقعية، مشيرًا إلى أن "هذه الممارسات تخلق عادات سيئة لدى الأطفال والشباب المقبلين على بناء أجسادهم الرياضية، كونهم يجدون الطريق السهل الذي لا يتطلب أي مجهود من أجل الظهور بالشكل المرغوب فيه، لكن بمجرد حقنهم بهذه المادة الخطرة سرعان ما يندمون على فعل ذلك".
وقال "هناك من يُحقن جسده من أجل العمل في وظيفة بشركة حراسة أو المشاركة في بطولة قد تتطلب شكل جسم معين، لكن في أغلب الحالات يعود السبب إلى الأمراض النفسية التي تلاحقهم منذ الطفولة، وتحولهم إلى أشخاص راغبين في الظهور بأقوى شكل ممكن".
ونوه إلى أنه يجب احتواء هؤلاء الشباب من خلال التوعية المستمرة لحملات الصحة التي انتشرت مؤخرًا حول مخاطر الزيوت المستخدمة في حقن العضلات، وتوفير الآليات البديلة لها من الأنظمة الغذائية الصحيحة والتمرين جيدًا داخل الصالات الرياضية دون النظر إلى أي سواعد خارجية.