رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا تكونوا أول من يتنمر على أحبائكم

أتاح «فيسبوك» للجميع أن يعبّر عن أفكاره، عن مشاعره، عن إحساسه بالظلم أو أنه ضحية، كل هذا مفيد وصحى، لكن يفقد هذا الطرح تأثيره فى كثير من الأحيان لأن طرح بعض المشكلات والقضايا يستخدم خطابًا عاطفيًا يخلو من المنطق، ولا يراعى السياق والظروف.

قرأت على صفحة «ستاتك يا مصر» خطابًا كتبته شابة جميلة تعبّر عن غضبها من أن شقيقها الحاصل على الثانوية العامة بمجموع ٩٧٪ قد رشحه التنسيق لكلية التجارة، وذكرت أن شقيقها حصل على الثانوية العامة أدبى نظام دمج، لأنه من ذوى الاحتياجات الخاصة، وقالت: «والدتى راحت تلف على كل الجامعات الحكومية وقالولها ملهوش غير تجارة وآداب تاريخ أو اجتماع وألسن للمكفوفين».

وأكملت: «مش هقول إن أخويا ممكن يطلع عالم زى ستيفن هوكينج ولا غيره من العلماء والناس الناجحة جدًا وهو عنده عيب خُلقى، بس هو محتاج فرصة! فرصة يثبت فيها إنه يقدر يعمل حاجة! فرصة إنه على الأقل يحس إنه طبيعى وعايش حياة طبيعية وبيروح جامعة وينزل ويتسحل زينا! يدرس على الأقل الحاجة اللى بيحبها! دا أبسط حقوقه كمواطن حتى.. فحقيقى أنا حزينة جدًا على كمية التنمر والعنصرية اللى موجودة فى بلدنا والاضطهاد اللى حاصل لذوى الاحتياجات الخاصة ونظرة المجتمع المتخلف ليهم.. أخويا حاليًا عنده اكتئاب بسبب إنه حاسس إنه مختلف وعاجز وعنده شلل، يا جماعة حرام عليكم بجد كفاية تنمر وعنصرية خلوا فى قلوبكم رحمة، على الأقل لما يمشى فى الشارع احترموه ومتتريقوش عليه، علموا ولادكم وإخواتكم إن دا طفل زيه زينا عادى بس ربنا خلاه مختلف حبتين».

وأنا كإنسانة قبل أن أكون أمًا وأختًا أتعاطف بشدة مع ضيق وغضب صاحبة البوست، والحق أننى أشد تعاطفًا مع الطالب، ليس من تنمر المجتمع أو عنصريته ضد ذوى الاحتياجات الخاصة، لكن من رؤية شقيقته له وتوقعاتها العالية واللا منطقية التى لا تتناسب مع حالته.

وأشعر أنهم كعائلة مَن يُثقلون بمثل هذا الخطاب وهذه اللهجة كاهل الابن، ويجعلونه يعيش دور الضحية ويصورون له المجتمع على أنه كاره له ومتنمر عليه، وهو أمر به كثير من المبالغة.. فحولنا فى الجامعات كثير من الطلبة ذوى الإعاقات السمعية والبصرية والحركية، حتى من يعانون من التوحد أو صعوبات التعلم، وجميعهم يتم التعامل معهم بروح إنسانية سليمة، ولا يتم التنمر عليهم، بل هناك تقدير للجهد الذى يبذلونه من أجل إتمام تعليمهم الجامعى، ويتم السماح بتواجد مرافقين معهم لمساعدتهم أثناء الدراسة لمن لا يستطيعون الحركة، أو توفير ممرات للكراسى المتحركة، وتوفير الكتب بطريقة «برايل» أو لغة الإشارة، كما يتم تخصيص لجان خاصة لهم أثناء امتحاناتهم، وكل هذا فى إطار محاولة دمج هذه الفئة العزيزة فى المجتمع.

وقد حاولت أن أحلل بعض ما قالته الأخت الشابة للتدليل على أن خطاباتنا أو شكاوانا تخلو فى بعض الأحيان من المنطق وتمتلئ بالمغالطات التى تحتاج للمراجعة، منها: «إنهم مسمحوش إنه يبقى طالب عادى، قولنا ماشى ظروفه وإرادة ربنا».. نظام الدمج ليس سُبة، هو نظام يراعى ظروف ذوى الاحتياجات الخاصة، ويوفر الأساليب التعليمية الملائمة لهم، وإذا تم التعامل مع الطالب كحالة عادية لم يكن سيتاح له الكثير من التسهيلات، فالشعور بأن أحدًا ظلمه أو لم يسمح له أو انتقص حقه ليس له أساس من الصحة.

تقول: «وأساسًا لما دخلنا النظام دا فى ثانوية عامة إحنا مكناش نعرف إنه ليه الكليات دى بس».. لا أعرف أى كلية كانت تتوقع والطالب دارس وفقًا للنظام الأدبى، وهذا يؤهله لكليات نظرية فقط، ماذا يتبقى من كليات تابعة للنظام الأدبى سوى الإعلام والآثار والسياسة والاقتصاد؟!

وبالتالى هو لا يمكن بحكم تخصصه أن يكون عالم فيزياء مثل ستيفين هوكينج، لكن ربما يصير عالمًا فى اللغات، فى التاريخ، أو النظم المحاسبية.

وأهمس للأخت برفق: الأهم، ماذا يريد شقيقك أن يدرس؟ وأى كلية يريد أن يدخل؟ وهل يتناسب نظام دراستها مع حالته؟ هل تتناسب طبيعة عملها بعد التخرج مع حالته؟ يا حبيبتى ليست العبرة بالكلية التى يدخلها شقيقك، لكن الأهم أن يستفيد من الدراسة فيها وألا تثقل عليه وعليكم.

ليس كل ما يرغب فيه الإنسان يتحقق، حتى وهو فى أحسن حالاته الصحية، أنتم من تصورون شقيقك كأنه ضحية، وتحاولون لوى عنق الواقع لمجرد ألا يشعر بأن حالته غير طبيعية، الدعم الحقيقى هو أن تتعاملوا مع هذا الواقع والتواؤم معه، وليس إنكاره أو تجاهله.

تعرفين جيدًا حالة شقيقك فلا تثقلى عليه، وأقول لنفسى ولكل الأمهات والأخوات: أحبيه كما هو بقدراته وما تسمح له أن يكون، وليس ما تريدين أنت له أن يكون.