ما حكم الشرع في التبرع بالأعضاء البشرية بعد الوفاة؟.. «الإفتاء» تجيب
عادت قضية التبرع بأعضاء المتوفين إلى الساحة من جديد لتُثير جدلاً كبيرًا بين عامة الشعب المصري، خاصة رواد مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما عقب تصريحات الفنانة إلهام شاهين وإعلانها بالتبرع بأعضائها عقب وفاتها، مطالبة بتقنين هذه الجزئية وإنشاء جهة خاصة بالدولة لإدارة هذا الملف وتعميمه دستوريًا، مؤكدة أنَّ التبرع بالأعضاء من أفضل الأعمال الإنسانية التي قد يفعلها الإنسان في حياته وتُشفع له بعد مماته.
لم تمر سوى ساعات قليلة على تصريحات الفنانة إلهام شاهين، التي تفاعل معها العديد من الأدباء والمثقفين والأطباء الذين وافقوا على التشريع، وانتقدها البعض باعتقاد أنَّها حرية وليست فرض، إلّا وخرجت الكاتبة فريدة الشوباشي، بتصريحاتها هي الأخرى، التي أعلنت خلالها، عبر "فيديو" على صفحتها الشخصية على موقع "الفيس بوك" استعدادها الكامل وإرادتها في التبرع بكامل أعضائها بعد وفاتها لكُلّ من يحتاج لها.
تصريحات الثنائيين جعل القضية محورًا للحديث وأحدثت ضجّة كبيرة بين عالم انقسم لمجموعتين، واحده ترى أنَّ التبرع بالأعضاء بعد الموت أمر هام به العديد من المعاني السامية، وتُريد تفعيل قانون التبرع بالأعضاء عقب الوفاة، الموقوف منذُ 2010، والأخرى ترى أنَّ القيام بتلك الخطوة أمر محرم ولا يجب الإقدام عليه، وترفض أنَّ تكون عملية التبرّع فرضًا إلزاميًا على كُلّ شخص.
ما هو حكم التبرع بالأعضاء بعد الموت؟.. ما هو رأي دار الإفتاء المصرية؟.. هل يوجد حدود للتبرع بها؟.. وماذا عن الشروط والقواعد اللازمة لإتمام تلك العملية على نحو صحيح؟.. وكيف يرون الأطباء عملية التبرع بالأعضاء؟.. وتستعرض "الدستور" إجابات تلك الأسئلة عبر السطور التالية:
رأي دار الإفتاء
في البداية تُشير دار الإفتاء المصرية، إلى أنَّ عملية التبرّع بالأعضاء عامة، هو أمر جائز شرعًا ولا خلاف على ذلك، وأنَّ تبرع المسلم بأعضائه بعد وفاته جائز أيضًا، مؤكدة على أنَّ عملية التبرّع بالأعضاء تُعد واحده من الأمور الناجحة التي قد تُعيد الحياة لشخص أخر وتُعالج مرضى كثيرين في حاجة لبعض أعضاء الجسم.
أوضحت دار الافتاء- خلال ردّها على تلك المسألة- أنَّ التبرّع بالأعضاء قد يكون سببًا في إحياء شخص أخر والحفاظ على سلامته، وشملت بذلك الحيّ للحيّ والميت للحيّ. واستشهدت بما جاء في الآية 32 من سورة المائدة: "مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ".
شروط التبرع بالأعضاء بعد الوفاة
هناك شروط لابد من توافرها حتى تصحّ عملية التبرع بأعضاء الميت لشخص آخر حيّ، منها أن يتحقق موت المتبرع بشكل شرعي تمامًا، حيث تتوقف جميع أجهزة الجسم عن العمل، بالشكل الذي لا يوجد مع أمل في الحياة، وذلك حسبما أكدت دار الافتاء المصرية.
وأوضحت الإفتاء، أنَّه لا يجوز التبرع بالأعضاء في حالة الموت الإكلينيكي أو ما يعرف باسم موت "الدماغ"، لأن في تلك الحالة لا يعتبر موت شرعي، مضيفة أنَّ ذلك يحدث من خلال شهادة لجنة تتكون من 3 أطباء- على الأقل- ويجب ألا يكون طبيب عملية نقل وزرع الأعضاء بين تلك اللجنة.
كما يجب أن يكون الشخص المتبرع بالأعضاء كان قد أوصى بذلك قبل موته، وهو بكامل قواه العقلية. وأن يكون بالغ عاقل راشد، فضلا عن حدوث عملية التبرع دون وجود أي إكراه مادي أو معنوي، وأن يقوم الشخص بتوضيح العضو الذي سيتم التبرع به بعد موته؛ فلا يجب أن يتم نقل الكثير من الأعضاء حتى لا ينتج عن ذلك امتهان كرامة المسلم، حسب ما أعلنته دار الإفتاء.
ومن أشدّ الشروط الواجب توافرها، هو عملية نقل الأعضاء التناسلية وغيرها؛ فلا يصحّ نقلها حتى لا تتسبب في حدوث اختلاط أنساب.
أستاذ فقه: أباح البعض من الفقهاء
فيما قال الدكتور صالح أبو الحزم، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، إنَّ بعض الفقهاء أجازوا نقل أعضاء من جسد المتوفي لآخر حيّ، لكونها قد تكون سببًا في منحه حياة جديدة، مشيرًا إلى أنَّه لا يحقّ لأحد التصرف في نقل أعضاء الجسم دون وجه حق، معللاً أنَّ الجسد كُلُّه ملك لله سبحانه وتعالى.
وأضاف أستاذ الفقه في تصريحات لـ"الدستور"، أنَّ الفقهاء أباحوا نقل أجزاء من الجسد باعتبارها أنَّها ستحقق للآخر أملا في الحياة، متابعًا، أنَّ عملية نقل الأعضاء جائزة في حال إن أوصى بها الميت قبل وفاته، موضحًا أنَّ ما يوصي به الميت هو ما تم نقله ولا يزيد عن الوصية نهائيًا.
وتابع أبو الحزم، أنَّه لابد من أن يكون الشخص فارق الحياة بالموت الشرعيّ، أيضًا التأكد من أنَّ جميع أعضاء الجسد قد توقفت عن العمل، فضلاً إقرار من المتوفي قبل موته بالتبرع بأعضائه أو يُخصص ما يجب التبرع به، وأن تكون عملية التبرع خالصة لوجه الله، وليس للتجارة، مبينًا أنَّ تجارة الأعضاء محرمة شرعًا.
سبب الجدل
يذكر أنَّ القضية أثارت الجدل بعد تصريحات الفنانة إلهام شاهين، وإعلانها بالتبرع بكامل أعضائها بعد موتها، فضلاً عن جسدها للتدريس إن أراد طلبة الطب ممارسة العمل عليه والتعلم فيه مهنيًا.
وجاء تصريح الفنانة إلهام شاهين نصًّا: «أنا بعلن إنه إذا كان مني أي حاجة تصلح للتبرع، لأنه طبعا التبرع له سن معين، فأي جزء يصلح مني فأنا بتبرع به وأعلن ذلك على الملأ».
وأضافت: "وأتمنى أن كلنا نعمل كده، لأنه في الآخر جسمنا ده هياكله الدود فالأولى إن في إنسان يعيش بسببه".