«ذي إيكونوميست»: بايدن يتحدى كورونا ويراهن على خطته لخفض فقر الأطفال
مع تفشي جائحة كورونا المستجد (كوفيد-19) في العالم، خرجت علينا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) لتحذرنا في دراسة من أن تداعيات الفيروس قد تدفع ما يصل إلى 86 مليون طفل إضافي إلى الفقر بحلول نهاية العام الماضي ليصل الإجمالي إلى 672 مليون طفل، بزيادة نسبتها 15% مقارنة بالعام السابق عليه.
وتعد الولايات المتحدة الأمريكية واحدة من الدول التي تضررت بشدة من الجائحة، وأثيرت مخاوف بشأن ارتفاع نسبة الفقر بين أطفالها، ما دفع بالرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تبني خطة تحفيز اقتصادية ضخمة بقيمة 8.1 تريليون دولار بينها تريليون و800 مليار دولار تخفيضات ضريبية للعائلات، لخفض نسبة فقر الأطفال في الولايات المتحدة بمقدار النصف هذا العام.
وتتضمن الخطة على سبيل المثال إنفاق 200 مليار دولار على تمويل عامين من التعليم ما قبل المدرسي لسن ثلاثة وأربعة أعوام. كما يسعى الرئيس بايدن إلى توسيع الائتمان الضريبي المرتبط بالأطفال والمساعدة في تكاليف رعاية الأطفال، وفقا للدخل. كما ستصبح الإجازة المرضية مدفوعة الأجر وما يصل إلى ثلاثة أشهر من إجازة الأمومة هي القاعدة في الولايات المتحدة.
وذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية أن الأمر بدا وكأنه وعود صاخبة عندما تعهد الرئيس جوزيف بايدن في يوليو الماضي بالإشراف على "أكبر انخفاض على الإطلاق في فقر الأطفال في تاريخ الولايات المتحدة خلال عام واحد". ولكن بحلول نهاية العام، من المحتمل أن يتبين أنه كان على حق، إذ توضح البيانات الحديثة التي أجراها باحثون في جامعة كولومبيا أن فقر الأطفال في يوليو كان أقل بنسبة 41% من المعدل الطبيعي.
لقد تحملت أمريكا منذ فترة طويلة معدل فقر مرتفع بشكل غير طبيعي بين الأطفال مقارنة بالدول المتقدمة الأخرى، حيث كان طفل من كل ستة أطفال على الأقل يحسب على أنه فقير. والسبب ليس غامضا. فلطالما كانت شبكة الأمان هي الأضعف بالنسبة للأصغر سنا في الولايات المتحدة، حيث تنفق أمريكا نسبة متواضعة من الناتج المحلي الإجمالي تبلغ 0.6% على إعانات الأطفال والأسرة مقارنة بمتوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية البالغ 2.1%.
وتساءلت المجلة البريطانية: ماذا سيحدث إذا تغير هذا الأمر؟، معتبرة أن خطة التحفيز الاقتصادية للتخفيف من التداعيات الاقتصادية للجائحة أتاحت فرصة لتخفيض نسبة الفقر بين الأطفال.
وفي حين توقع باحثون أن معدل فقر الأطفال سيكون 20% في يوليو 2021، إلا أنه بسبب بعض سياسات الإغاثة الجديدة مثل شيكات التحفيز الصادرة لمعظم العائلات والمزيد من إعانات البطالة السخية، انخفض هذا المعدل أكثر من المتوقع. لكن العائق الأكبر كان يتمثل في الائتمان الضريبي للأطفال، والذي أعيد تنظيمه ليبدو أكثر شبها بخطط إعانة الأطفال المتبعة في البلدان الأخرى، حيث يتم دفع الاعتمادات شهريا وليس عندما تقدم العائلات ضرائبها السنوية.
كما أصبحت المبالغ أكثر سخاء من ذي قبل، إذ يتلقى آباء الأطفال الصغار 300 دولار شهريا بينما يحصل من لديهم أطفال فوق سن السادسة على 250 دولارا. وهذه المدفوعات، التي تم تمريرها كجزء من خطة التحفيز التي وضعها بايدن، بدأت فقط في يوليو الماضي. ولكن في شهر واحد فقط كان لها تأثير كبير، حيث انخفض معدل فقر الأطفال من 15.8% في يونيو إلى 11.9%، وهو ما يمثل انخفاضا بمقدار 3 ملايين طفل أمريكي يعيشون في فقر.
وتعد هذه بداية مشجعة لبدء تنفيذ ما ينظر إليه على أنه أهم سياسة لمكافحة الفقر منذ عقود. وهناك أيضا مؤشرات على أن الأموال تُنفق على الضروريات. فبدلا من مجرد توفيرها، تظهر الدراسات الاستقصائية أن معظم العائلات تقول إنها تنفق الأموال الجديدة على الملابس والغذاء والإسكان والمرافق وليس سداد الديون أو تعزيز المدخرات فقط. كما انخفض عدد الأسر التي لديها أطفال وأبلغت عن عدم وجود ما يكفي من الطعام مؤخرا لتصبح 9.5% بدلا من 13.7%.
ورغم ذلك ترى "ذي إيكونوميست" أن هذه الإجراءات ليست كافية لتغطية وشمول جميع الأطفال الفقراء في الولايات المتحدة، حيث من المفترض أن تتدفق الائتمانات تلقائيا من دائرة الإيرادات الداخلية إلى الحسابات المصرفية العائلية. فهناك مجموعة معتبرة من الأطفال غير مسجلين لأسباب مرتبطة إما لأن عائلاتهم لا تمتلك جهاز كمبيوتر أو أنهم يفتقرون إلى الحسابات المصرفية اللازمة لتلقي المدفوعات.
وللتعاطي مع هذه المشكلة، أنشأت وزارة الخزانة الأمريكية بوابة إلكترونية للسماح لهذه العائلات بالتسجيل للحصول على المزايا، ولكن كانت البوابة عديمة القيمة حيث لا يمكن قراءتها باللغة الإسبانية أو تصفحها بسهولة على الهواتف المحمولة. كما لم يتم تخصيص أي أموال لأشخاص للاضطلاع بمهمة مساعدة العائلات التي يصعب الوصول إليها.
ويرى أحد كبار المسؤولين في البيت الأبيض أن الوقت كان ضيقا بين صدور الحزمة التحفيزية وبين التنفيذ، وأن معدل التغطية لمعظم برامج مكافحة الفقر أقل من 100%. وتشير التقديرات إلى أنه يُعتقد أن حوالي 67.6 مليون طفل يجب أن يكونوا مشمولين في الخطة، لكن في شهر أغسطس 2021، قدرت وزارة الخزانة أنها وفرت مدفوعات لـ 61 مليون طفل فقط، وهو ما يشير إلى أن التوعية حتى الآن كانت ناجحة لكن بشكل متواضع.
ويبدو أن الاستراتيجية المستقبلية سوف ترتكز على تشجيع العائلات على تقديم إقراراتهم الضريبية لمحاولة تسجيلهم، مع تقديم طلب إلى الكونجرس لتخصيص المزيد من الأموال لتوظيف أشخاص يساعدون العائلات التي يصعب الوصول إليها عبر الوسائل الالكترونية، إلى جانب طمأنة العائلات التي تخشى أن يؤدي حصولهم على الأموال إلى تعريض فرصهم في الحصول على أوراق الإقامة للخطر.
وترى المجلة البريطانية أنه إذا نجحت الخطة في تحقيق شيء قريب من التغطية الكاملة، فربما تنخفض نسبة الأطفال الذين يعيشون في فقر إلى أقل من 10%، وعند التغطية الكاملة، سينخفض معدل الفقر للأطفال السود من تقديراته الحالية البالغة 18.4% إلى 13.6%؛ وللأطفال ذوي الأصول الأسبانية من 16.8% إلى 14.1%، وسيكون للبرنامج تأثيرات كبيرة على التباينات العرقية إذا تم تنفيذه بشكل أكثر قوة.
ورغم ذلك فإن كل هذا التقدم حيال هذه القضية المهمة سيكون محدودا بالوقت، حيث وافق الديمقراطيون في الكونجرس على تنفيذ المدفوعات ذات الصلة لمدة عام واحد فقط. وسوف يعتمد مستقبل الائتمان الموسع على مفاوضات دقيقة، حيث هناك اقتراح بمواصلة المدفوعات حتى عام 2025، وستكون تكلفة القيام بذلك 100 مليار دولار في السنة، أو 0.45% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من المبلغ الذي يتم إنفاقه مقارنة بالسماح بفرض ضرائب على أرباح رأس المال بمعدلات تفضيلية، أو المبلغ الذي يتم إنفاقه لدعم خطط التأمين الصحي الخاصة.
وقد يكون السبب في أن بايدن قد ينفصل عن أكبر نجاح له – وفقا للمجلة - هو نتيجة لقيود فرضها على نفسه، حيث إن الرئيس الأمريكي حريص على تقديم خطته على أنها مدفوعة بالكامل، دون رفع الضرائب على العائلات التي تحصل على أقل من 400 ألف دولار في السنة.
ولكن حقيقة الأمر هي أن وجود شبكة أمان للأطفال في الولايات المتحدة وانتشال الأطفال من الفقر هي خطوة مهمة إلى الأمام، وإقرار بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يتعين عليها قبول أنها تضم أعلى معدلات الفقر بين الأطفال في العالم المتقدم.