«جازف وقل الحقيقة».. نصائح كاتب أيرلندي لكتابة قصة قصيرة متميزة
في مقال مُطوّل نشرته صحيفة "الجارديان" البريطانية، أسدى الكاتب الأيرلندي دونال ريان نصائح ثمينة حول كتابة القصة القصيرة استنادًا إلى تجربته الخاصة في الكتابة وتجارب كتاب بارزين، قدماء ومعاصرين.
و يسرد ريان حكاية قصته الأولى التي كتبها بعيدًا عن المقررات الدراسية، فيقول: كانت القصة الأولى التي كتبتها عن الملاكم الأيرلندي باري ماكجيجان، كنت في العاشرة من عمري وأحببت باري الذي كان قد فقد للتو لقبه العالمي في وزن الريشة أمام الأمريكي ستيف كروز، تمنيت استعادة حزام بطلي، ولكن مرت الأشهر ولم يكن هناك حديث عن مباراة العودة، لذلك كتبت قصة عنها.
القصة الأولى التي كتبها ريان كانت تدور حول معركة متخيلة في أيرلندا كان مشاهدًا لها من موقعه في الصف الأول، وفيها جعل بطله المفضل يفوز في المباراة، كان خلق هذا الواقع الجديد سببًا في شعوره بالارتياح الجم والبهجة، ومنذ ذلك الحين ظل السعي نحو استعادة هذا الشعور بالسلام والطمأنينة هو الدافع في كل مرة يجلس فيها للكتابة، وهو ما تحقق بعد سنوات مصادفة بعد أن عثر على قصة قديمة كتبها في العشرينيات من عمره عن محامٍ شاب أفسده عميل عصابات، وفيها شخصية هامشية لرجل بسيط وطيب القلب منحه حياة جديدة كبطل إلى أن شكّل منه أول رواية له.
و يقول ريان حول ذلك، تبين أن قصة قصيرة منسية، كتبت في مكان ما في أوائل العشرينيات من عمري، صنعت مسيرتي في الكتابة، أعتقد أن الدافع كان دائمًا موجودًا وكذلك الرغبة في إضفاء قواعد على ما يدور من أفكار في رأسي، تقول ماري كوستيلو، مؤلفة كتاب The China Factory، "اكتب فقط ما هو أساسي، وما يجب كتابته.. صورة أو قصة لا تزال تنخر داخلك وتأبى أن تتركك، والطريقة الوحيدة للحصول على السلام هي كتابتها".
وبناء على تلك التجربة وعلى تجارب كُتابه المفضلين، يوجّه الكاتب مجموعة من النصائح لمن يمتلكون مثل هذا الشعور الممض كي يصيغون من خلاله واقع جديد أو يحصلون على الفكرة الزاعقة بدواخلهم ويخرجونها إلى حيز الكتابة.
- لا تقلق
في القصة القصيرة، الجُمل يجب أن تفعل الكثير، بعض قصص تشيخوف أقل من ثلاث صفحات مطبوعة. في قصته الأكثر شهرة "السيدة والكلب" ثمة وصف تفصيلي لطبيعة وتاريخ ودوافع البطل في الصفحة الأولى، ولكن لا يوجد شعور بالتوتر، وكذلك فإن مجموعة ستيفن كينغ لعام 2010 "ظلام دامس.. لا نجوم" هي درس متقن في التكثيف والتشويق.
يقول ريان، زميلتي في الكتابة الإبداعية في جامعة ليمريك، سارة مور فيتزجيرالد، تعتبر القصص القصيرة أفضل هدايا سرد القصص، ففيها لا يوجد شيء غير ضروري، فإن كانت الرواية توفر كما يقول الكاتب الأمريكي مايك ماكورماك إقامة رائعة للكاتب، فالقصة القصيرة هي أرض قاحلة لا يوجد بها مكان للاختباء أو مساحة للشطط والاستطراد.
ويتابع: سألتني زوجتي ذات مرة لماذا يقلقني هذا كثيرًا، و كنت قد نشرت للتو أول روايتين وبدأت في إعداد مجموعة كاملة من القصص القصيرة. كانت تعود إلى المنزل من العمل لتجدني أتلوى من اليأس وأصيح "كل جملة تقلقني، لا واحدة منهم تفعل ما يكفي"، فقالت "لا تقلق، احصل على القصة مكتوبة، وبعد ذلك يمكنك العودة وإصلاح كل تلك الجمل المقلقة، وهناك احتمال أنه بمجرد وجود القصة لن تكون قلقًا بشأن هذه الجمل على الإطلاق".
مسودة الصفر
يشير ريان إلى مفهوم "مسودة الصفر"، وهي المسودة التي تأتي قبل كتابة المسودة الأولى من القصة، ومعها تخرج الكلمات للمرة الأولى على الورقة أو الشاشة، محتوية على كل العناصر المطلوبة أو معظمها، ومع ذلك ففيها يتحرر الكاتب من أي اعتبار للحرفة أو البراعة.
وينقل المؤلف عن الكاتبة البريطانية "كيت دي وال" نصيحتها فيما يتعلق بنقل القصة من الرأس إلى الصفحة أو الشاشة، إذ تقول: "لا تفكر كثيرًا بل اكتب، أحيانًا ترى زوجًا من القفازات أو وردة في الشارع أو أحمر شفاه على فنجان قهوة، مما يحركك بطريقة ما، اكتب هذا الشعور أو ضع شيئًا ما حول تلك الفكرة، فأنت لا تعرف ما الذي يحدث في هذه المرحلة، أنت تخرج من مصدر إلهام محض، طاقة كتابية، لذا فقط اتبعها. اكتب الشيء ثم اجلس واسأل نفسك "أين السحر؟ ماذا أقول؟ من يتحدث؟ "عندما تنتهي من ذلك، تكون لديك قصتك ويمكنك البدء في الصياغة والتحرير".
- كن صادقا
يوضح ريان أن ما يعنيه من الصدق في الكتابة هو التوافق مع دوافع وطموحات الكاتب، وليس بالضرورة أن يتحدث كل مؤلف عن حقيقته في جميع الأوقات أو يعتمد فقط على تجربته المعيشة، وإن كانت مثل هذه التجربة معينا مهما يمكن استغلاله في تخيلات مميزة، فالمهم هو أن يكتب القصة التي يريد كتابتها، وليس القصة التي يعتقد أنه يجب أن يكتبها لأن هذا يشبه قول الأشياء التي تعتقد أن الناس يريدون سماعها، ما يجعل الكاتب ينتهي إلى التشابك في عقدة من أنصاف الحقائق والمعتقدات المنتقاة.
- جازف
ليس لديك ما تخسره حال مخاطرتك بالشكل أو المحتوى أو الأسلوب أو الهيكل أو أي عنصر آخر في قصتك الخيالية، يحث روب دويل، وهو أدبي بارع في المجازفة، الكتاب على محاولة كتابة قصة لا تبدو كما يجب أن تبدو عليه القصص القصيرة، يمكن للقصص القصيرة استكشاف الأفكار وكذلك العواطف، ويمكن أن تتناسب الأفكار الضخمة مع القصص القصيرة.
يقول ريان، للإثبات اقرأ أعمال الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس، في الواقع أؤيد نصيحة الكاتب التشيلي روبرتو بولانيو لأي شخص يكتب قصصًا قصيرة اقرأ بورخيس.
- تجاوز النطاق الضيق
ينصح المؤلف كُتاب القصة القصيرة بالوصول بقصصهم إلى لحظات عميقة قد تقود إلى الانتصار أو الانقلاب بما يجعلها متجاوزة لنطاقها الضيق والمحدود، مستعينًا بعبارة لأحد مدرسي الكتابة الإبداعية يقول فيها: "بالنسبة لي، تتمحور كل قصة قصيرة ممتازة حول لحظة يصبح فيها التغيير المكثف ممكنًا، أو على الأقل يمكن تخيله بالنسبة للشخصية اقتطع من القصة متأخرًا، اتركها مبكرًا، واعثر على لحظة "، ليس ضروريًا أن تحل هذه اللحظة المبتغاة في النهاية، ولا يجب بالضرورة أن تكون نهاية القصة مثيرة للفتن أو الإلهام أو أن تحتوي على تطور غير متوقع. فيمكن أن تكون مثل تلك اللحظات المتجاوزة في متن القصة.
- استمع إلى قصتك
ينقل الكاتب عن المؤلف كيفن باري نصيحته لكتاب القصة: "إذا شعرت أنك تقترب من المسودة النهائية للقصة، اطبعها و اقرأها بصوت عالٍ، ببطء، بقلم أحمر في يدك.، سوف تلتقط أذنك جميع الملاحظات الخاطئة في القصة بشكل أسرع بكثير مما ستلاحظه عينك على الشاشة أو الصفحة. استمع إلى ما لا يقال في الحوار، في كثير من الأحيان تعثر على القصة والدراما تحت سطح الحديث مباشرة".
- تجاهل كل شيء
يسدي الكاتب نصيحته الأخيرة لكُتاب القصة القصيرة قائلًا: "بمجرد أن تجلس لتكتب قصتك، انسَ هذه المقالة، وكل النصائح التي تلقيتها في أي وقت مضى، حرر يدك وعقلك وحرر نفسك إلى ما لا نهاية من الاحتمالات وشكل من الحروف ما تريده".