في ذكرى رحيل «فنان الشعب».. ماذا قال عنه مكتشفه الشيخ عبد العزيز البشري؟
تحل اليوم الذكرى الــ 98 على رحيل فنان الشعب سيد درويش، أو كما وصفه شيخ الحكائين خيري شلبي "الشادي". كان الشيخ عبد العزيز البشري هو أول من اكتشف فنان الشعب سيد درويش، ملحن النشيد الوطني المصري "بلادي.. بلادي".
أحدث سيد درويش ثورة في عالم الموسيقى العربية، حيث نقلها من القوالب التركية إلى النغم المصري الأصيل، تلك الأنغام التي استلهمها من محيطه المصري الطبيعي، وأحاطه في أغاني العمال من الشيالين، والبنائين، والفلاحين. ليحدث نقلة نوعية غير مسبوقة في عالم الموسيقى المصرية.
ويقول عنه مكتشفه، الشيخ عبد العزيز البشري: "إن فن هذا الرجل، فوق ما له من القدرة، القدرة علي الاقتباس والابتكار، يمتاز بخلال أربع: أولها القوة، فلاحظ في تلحينه للتفكك ولا للإنخذال. وثانيتها البراعة في التصرف، فهو ينتقل بسامعيه من فن إلي فن، ويتحول من نغم إلي نغم، في اتساق وانسجام، كأنه يتنزه في روضة نسقت أغصانها يد بستاني صناع. وثالثها شيوع الطرب في تلاحينه، فمهما استحدث جديدا يوجد الإعجاب، فإنه بالغ الغاية، ولو عن طريق الشجي، من الاضطراب. أما رابعة هذه الخلال، والحديث الآن متجه بنوع خاص إلي سادتنا الملحنين والمغنيين، فهي الذوق، والذوق البارع النافذ، فما إن لحن سيد درويش فكان المعني شديدا إلا قوي لحنه، ودعم ركنه، وشد بالصنعة متنه، فسمعت له مثل قعقعة النبال، إذا استحر القتال، أو مثل زئير الأسد إذا تحفزت للصيال. وإذا جنح الكلام إلي اللين كان لحنه أرقي من نسج الطيف، وألطف من النسمة في سحرة الصيف.
ــ لهذه الأسباب رفضت أسرة سيد درويش مساعدة الفنانيين بعد رحيله
في عددها المنشور يوم الإثنين الموافق 7 يونيو 1926 كتب محمد عبدالمجيد حلمي رئيس تحرير مجلة المسرح٬ تحت عنوان "خواطر وذكريات" عن الخلاف الذي أثارته المجلة بنشرها عددًا من مخاطبات الفنانين لنجدة أسرة سيد درويش من العوز والفقر.
يشير "حلمي" في مقاله إلى أنه لا يعرف حال عائلة سيد درويش٬ ولكن بعض أصدقاء الفقيد وبعض أصدقاء عائلته٬ هم الذين نقلوا إلينا ذلك وألحوا علينا في القيام بحركة يقصد منها إلى إعانة هذه العائلة.
وما كدت أكتب كلمة حتى وصل إلي في اليوم الثالث خطاب مسجل عن ابن الفقيد في الإسكندرية يحتج فيه على ما كتبناه عن أسرته٬ ويقول إنهم ليسوا في حاجة إلى إعانة ولا منحة.
تلقينا هذا الخطاب بشيء من الدهشة والغرابة ولكننا صبرنا له وأهملنا مسألة المساعدة حتى حين٬ وفجأة عاد الإلحاح علينا من بعض أصدقاء الشيخ سيد درويش لنقوم بحركة يقصد منها إعانة عائلته.
يتابع "حلمي" في هذه المرة فكرنا في طريقة شريفة تؤدي غرضين في آن واحد. فكرنا في أن نعيد تمثيل رواية "شهرزاد" وهي خير ما أخرج الشيخ سيد درويش وأبدع ما لحن للمسرح العربي. وفعلا أخذنا في إتمام الفكرة وتحدثنا مع كل الممثلين الذين يخرجون الرواية وتم الاتفاق على كل شيء وتكلمت شخصيا مع جاهين أفندي وصي العائلة وطلبت منه نسخة الرواية الأصلية فوافق هو الآخر ووعد بإحضارها لنا في أقرب فرصة على شرط أن نطلبها بخطاب رسمي.
وكنا نقصد من ذلك أمرين كما قدمنا أولهما إحياء ذكرى الفقيد وتخليد أثره ونشر ما انطوى من فنه مما لم يشعر به أحد في حينه. وثانيهما تخصيص إيراد الحفلة لإعانة عائلة الفقيد٬ وما كدنا نذيع هذا الأمر حتى وجدنا تشجيعا وتعضيدا من جميع الناس. وفجأة جاءنا احتجاج عنيف من ابن الشيخ سيد درويش يقول فيه إنه هو ولي أمر العائلة وأنهم ليسوا في حاجة إلى المساعدة لأنهم بحمد الله في رغد من العيش وسعة.
إزاء كل ذلك لم نر بدًا من إهمال المسألة مرة أخرى حتى لا نجرح إحساس قوم آمنين٬ ويقول ابن الشيخ سيد أنه لو احتاج إلى نقود لتكفل هو بإخراج رواية "شهرزاد" وربح منها أكثر مما نربح نحن. حسنا يا بني لقد قمنا نحن بواجبنا ولكم الخيار.
ثم يختتم "حلمي" مقاله بتضمين رسالة نجل الشيخ سيد درويش وجاء فيها: "لو كنا محتاجين إلى نقود لرفعنا دعوى على إحدى شركات الفونوغراف ولأخذنا نصيبنا أو لرفعنا على السيدة منيرة المهدية بخصوص دور "يحيا العدل" من رواية "كلها يومين". أخبرهم أن لنا عند نجيب الريحاني مبلغ 650 جنيهًا وقد رفعنا عليه دعوى٬ والمحامي عنا هو حضرة صاحب العزة جعفر بك فخري".
ويعقب عبدالمجيد علي رسالة ابن سيد درويش: ونحن يسرنا جدًّا أن تكون العائلة في رغد من العيش وفي غير حاجة إلى مساعدة. ولا شك أنها حالة محيرة أن نقف بين عاملين مختلفين أحدهما يدفع والآخر يجذب٬ ومهما يكن فلتقف المسألة عند حد محدود.