«ذي إيكونوميست»: الانتخابات المبكرة في كندا.. أفول نجم ترودو وبزوغ المحافظين
رغم أن الموعد الأصلي للانتخابات العامة في كندا مايزال أمامه عامان، إلا أن التعاطي الجيد للحكومة الحالية بزعامة رئيس الوزراء "جاستين ترودو" المنتمي للحزب الليبرالي مع جائحة (كوفيد-19)، ربما دفعت الأوساط القريبة منه لحثه على الدعوة لانتخابات مبكرة في العشرين من سبتمبر الجاري باعتبارها فرصة ذهبية لترسيخ وجود وقوة الحزب في السلطة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وسط مخاوف بالغة على سلامة الكنديين مع تفشي موجة رابعة للفيروس، هو: هل ينقلب السحر على الساحر ويتم معاقبة ترودو بخسارة هذه الانتخابات لصالح حزب المحافظين في ظل عدم قناعة قطاعات عريضة من الكنديين بأسباب وتوقيت الدعوة؟!
وذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" الأسبوعية البريطانية أنه عندما دعا جاستن ترودو إلى إجراء انتخابات مبكرة الشهر الماضي، راهن على أن الناخبين الذين خرجوا من حالة الإغلاق المرتبطة بالجائحة بفضل الإجراءات الحكومية، ربما يكافئون حكومة الأقلية الليبرالية بأغلبية ساحقة.
وتعامل رئيس الوزراء ترودو بشكل جيد مع الجائحة (على الرغم من الارتفاع الأخير في الحالات)، حيث تم تسجيل إجمالي 26900 ألف حالة وفاة، وهو ما يزيد قليلا (مقارنة بعدد السكان) عن ثلث الوفيات المسجلة في الولايات المتحدة، في حين أن ثلاثة من بين كل أربعة كنديين تتراوح أعمارهم بين 12 وما فوق تلقوا التطعيمات بالكامل. ورغم ذلك، فإن استطلاعات الرأي الأخيرة تضع المحافظين الكنديين، بقيادة إيرين أوتول، الناشط المثابر الذي لا يتمتع بالكاريزمية، على مسافة قريبة من الإطاحة بترودو واعتلاء السلطة.
والملاحظ أن العديد من الكنديين اكتشفوا –وفقا للمجلة- بعض الانتهازية وراء توقيت الدعوة للانتخابات، حيث يقول ثلثا الناخبين إن الوقت الحالي غير مناسب لإجراء انتخابات فيدرالية، حيث مضى أقل من عامين على الانتخابات السابقة. كما أن ارتفاع حظوظ المحافظين يرجع جزئيا إلى أوتول، الطيار السابق، الذي يعمل على جعل حزبه أكثر قبولا لدى ناخبي الوسط، وهو ما يجعل المناظرتين المتلفزتين لقادة الحزب يوم غد وبعد غد 8 و 9 سبتمبر أكثر أهمية مقارنة بالانتخابات السابقة.
إن استراتيجية أوتول بسيطة، فهو مقتنع أنه إذا كان حزبه سيفوز مرة أخرى، فيجب أن يكون محبوبا أكثر. كما أنه يجب مراعاة الضواحي المعتدلة في تورنتو وفانكوفر التي يتم خسارة أصواتها، والتعاطي مع الآراء المثيرة للانقسام من أسلافه، مثل: ستيفن هاربر وأندرو شير، وتفسيراتهم الضيقة لـ "القيم الكندية"، وتشكيكهم بشأن إمكانية تأقلم اللاجئين في المجتمع، والتي ساهمت جميعها في هزيمة الحزب الانتخابية في عامي 2015 و 2019.
ويبدو أن أوتول أقل تشددا حيال مسألة الإنفاق العام مقارنة بأسلافه، حيث ظل صافي دين كندا مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي ثابتا عند حوالي 31% في عهد هاربر، الذي كان رئيسا للوزراء من عام 2006 حتى عام 2015، قبل أن يرتفع في عهد ترودو وبسبب فيروس كورونا إلى 50%.
كما أن أوتول يؤكد أن منح ترودو للتخفيف من تداعيات الوباء، مثل المنح النقدية التي تبلغ 500 دولار كندي (396 دولارا) في الأسبوع للعمال كانت ضرورية، وأنه سيمدد خطط دعم الدخل الحكومي من خلال الموافقة على تغطية أرباب العمل بنسبة تصل إلى 50% من راتب الموظف الجديد لمدة ستة أشهر إضافية. وفيما يتعلق بالقضاء على عجز الميزانية الذي ارتفع إلى 314 مليار دولار كندي (14% من الناتج المحلي الإجمالي) في العام المالي الماضي، يقول أوتول إنه سيتعاطي مع هذا العجز خلال عشر سنوات، أي بعد ثلاث انتخابات.
وفيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية، فإن زعيم حزب المحافظين (أوتول) معتدل، حيث يقول إنه سوف "يعالج فجوة الأجور بين الجنسين"، واقترح دفع 200 دولار كندي شهريا لأي كندي يعيش مع أحد الوالدين فوق سن السبعين ويتولى رعايته. وفي حين قال سلفه "أندرو شير" إنه ضد الإجهاض (على الرغم من أنه لن يسعى إلى تغيير القانون)، فإن أوتول أعلن تأييده لحق الاختيار. كما أنه أقل عداء للنقابات العمالية، حيث تعهد بـ "تكافؤ الفرص" بينها وبين الشركات الكبرى.
كما قدم أوتول أوراق اعتماده الخضراء (الدفاع عن البيئة ومكافحة تغير المناخ)، حيث تعهد بطرد المتشككين في تغير المناخ من تجمعاته الانتخابية، وأعلن تأييده لمسألة فرض سعر على انبعاثات الكربون قدره 50 دولارا كنديا للطن. ورغم أن هذا أقل بكثير مما اقترحه ترودو (170 دولارا كنديا للطن)، إلا أن أوتول واجه رد فعل عنيف هائل من أعضاء الحزب، حيث إن أي نوع من ضريبة الكربون لا يحظى بشعبية في غرب كندا المنتج للنفط ومعقل المحافظين الكنديين. كما أن المحافظين سيطلبون أيضا أن تكون 30% من المركبات الخفيفة المباعة في البلاد خالية من الانبعاثات بحلول عام 2030.
لقد أظهر زعيم حزب المحافظين قدرات ومهارات سياسية شديدة في مسار حملته الانتخابية، حيث يتجنب التطرق إلى الموضوعات التي على الرغم من أنها قد تحرك قاعدته الانتخابية، إلا أنها تخاطر بتنفير الجمهور الأوسع. فعلى سبيل المثال، يشتكي أنصار الحزب بشكل روتيني مما يرونه تحيزا يساريا لهيئة الإذاعة العامة في البلاد cbc، لكن أوتول امتنع عن مهاجمتها لأنها ما تزال تتمتع بشعبية في معظم أنحاء كندا.
إضافة إلى ما سبق، فإن خطر تبني موقف أكثر اعتدالا، سيدفع بالناخبين الساخطين من اليمين إلى دعم حزب الشعب، الذي يحظى بنسبة تأييد 6% في بعض استطلاعات الرأي، وهو ما يؤشر إلى أن تفتيت أصوات اليمين ربما يمنح الليبراليين فرصة الحصول على فترة ولاية ثالثة.