الكنيسة القبطية تحيي ذكرى رحيل الأب إبراهيم عبد السيد
أحيت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ذكرى رحيل الأب إبراهيم عبد السيد الـ22، إذ كشف كمال زاخر المفكر القبطي، أسباب خلافاته مع البابا وحرمانه وعدم الصلاة عليه.
أسباب تهميش الكنيسة الأرثوذكسية
وقال المفكر القبطي، كمال زاخر، إنه تضافرت عوامل عدة على تهميش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقرون ممتدة، بدأت بالانقطاع المعرفي التاريخي بينها وبين جذورها الآبائية ومن ثم تراثها اللاهوتي المتميز، مرتين، الأولى حين اتخذت قرارًا بهجرة اليونانية (لغة التدوين اللاهوتي) إلى القبطية (العامية المصرية آنذاك) بفعل الصراع المحتدم الذي شهده القرن الخامس مع انعقاد مجمع خلقيدونية، الذى دشن الإنشطار الكبير فى الكنيسة، والثانية مع قدوم الدولة العباسية (750 ـ 1258) وفرضها اللغة العربية لتحل محل القبطية، ويتعمق الانقطاع المعرفي اللاهوتي ويتهدد بقاء الكنيسة لولا احتفاظ الكنيسة بطقسها المبدع الوعاء الشعبي لإيمانها ولاهوتها، والذى انتقل من جيل إلى جيل حتى وإن تراجع التعليم النظامى بها.
وتابع زاخر عبر صفحته على موقع التواصل الإجتماعي «فيس بوك»، تداهمنا رياح التنوير مع قدوم الحملة الفرنسية، وبزوغ نجم محمد علي وتداعيات بعثاته إلى الغرب، ثم وقوعنا تحت قبضة الإستعمار الإنجليزي، وبين هذا وذاك تعرف الإرساليات الغربية طريقها إلى مصر، وتجد الكنيسة المصرية نفسها فى مواجهة متعددة الأطراف والاتجاهات.
متابعًا: فينتفض جهاز المناعة داخلها وتسعى لتسترد ما فاتها، وعندما ينتصف القرن التاسع عشر تبدأ إرهاصات الخروج من النفق المظلم، مع قدوم البابا كيرلس الرابع الذي ينتبه إلى قضية التنوير ويشرع فى سنوات قليلة ( 1853 - 1862 م.) فى التأسيس لعصر النهضة فيستقدم في جسارة ووعى ثاني أكبر مطبعة بعد المطابع الأميرية ويفتتح سلسلة من المدارس للبنين والبنات ـ سابقًا لدعوة قاسم أمين لتحرير المرأة (1899) بأكثر من ثلاثين عامًا ـ بل ويؤسس مدرسة للتعليم الصناعى، وتشرع أبوابها لكل المصريين.
تأسيس حركة مدارس الأحد
وتابع: “مع إطلالة القرن العشرين تتأسس حركة مدارس الأحد لتعليم النشء والشباب القبطي، ومنها يتخرج الرعيل الأول من الشباب المسيحي الوطني ويتوزع بين العمل المدني والكنسي، وبعضه يذهب للرهبنة، ومنها إلى قيادة الكنيسة، وبعضه ينخرط في العمل العام الاجتماعي والسياسي”.
مضيفًا أن الشاب إبراهيم عبد السيد واحدًا من الشباب الذين جذبتهم تجربة مدارس الأحد فى جيلها الثاني، وكان قد تخرج لتوه فى كلية الحقوق والتحق بإدارة الشئون القانونية بإحدى الوزارات، إلى جانب ممارسته للعمل الصحفي، ولم يقو على مقاومة نداء التفرغ لخدمة الكنيسة فيقبل الدعوة للكهنوت (1972) ليصبح الأب إبراهيم عبد السيد، راعيًا لكنيسة مارجرجس حدائق المعادى، ويمزج بين ثقافته القانونية والأدبية فيكتب عشرات من الكتب التعليمية الدينية، يكشف فيها عن ثراء الكنيسة وعبقرية طقسها، وعمق لاهوتها.
وتابع أن الأب إبراهيم عبد السيد كان واحدًا من المستهدفين، خاصة وأنه كان ينادى بتقنين العلاقات البينية فى الكنيسة، وتخليص الكنيسة مما علق بها من تعاليم العصور الوسيطة، وأنسنة رجال الكهنوت، ومقاومة الإستعلاء والغلو في التعامل مع القيادات.
وبدأت الحكاية بإطلاق ماكينة الشائعات ثلاثية الأبعاد، والتى تمرست دائرة الحاشية فيها، المالية والأخلاقية والعقائدية، ثم الإستدعاء للمثول أمام من أوكل إليه مهمة محاكمة الكهنة، بدون قواعد محددة ومقننة، مع قائمة ممتدة من الاتهامات، التي تنتهي بإدانة معدة سلفًا، وطلب من المتهم بالتوقيع على اعتراف بارتكاب ما هو منسوب إليه مشفوعًا بطلب العفو، بدأ مشوار القس إبراهيم عبد السيد مع المحاكمة الصورية فى يوليو 1992 ولم تنتهي برحيله المفاجئ والملتبس عن عالمنا فى 30 أغسطس 1999.
واللافت أنه لم يصدر بحقه حكمًا بالإدانة عن أي من التهم الموجهة إليه، وبقى على رتبته الكهنوتية حتى لحظة الوفاة، واستبدلوا هذا باطلاق فريق التشويه، لينال من سمعته واخلاقه وذمته المالية، بينما استمر الأب القس إبراهيم عبد السيد يعلن تحديه لجلاديه أن يخرجوا إلى الناس والرأي العام بما لديهم من أدلة ثبوت، وكتب فى كل اصدار ومطبوعة تصدر.
وتابع يرحل الرجل وإمعانًا فى الخصومة واللدد فيها تصدر تعليمات مشددة بعدم الصلاة على جثمانه، ويطارد من كنيسة إلى أخرى، حتى يدبر الله كاهنًا شجاعا وأحد الشمامسة اللصيقين بقداسة البابا الراحل للصلاة عليه بكنيسة المدافن بأرض الجولف بمصر الجديدة.
وواصل: “اليوم وبعد مرور 22 عامًا على رحيله، ننتظر قرارًا تصحيحيًا لرد الاعتبار لرجل كان صوتًا صارخًا في البرية وكان صاحب رؤية إصلاحية واضحة، ومازالت أطروحاته صالحة ومنقذة.