«تسبب الصمم».. «الدستور» تحقق في استخدام مزارع الدواجن أدوية محظورة
حرب ضارية تخوضها وزارة الزراعة ممثلة في الهيئة العامة للخدمات البيطرية ضد الصيدليات ومنافذ بيع الأدوية البيطرية في الأقاليم والمحافظات، بسبب انتشار الأدوية المحظورة والمجهولة والتي سبق ومنعت الهيئة تداولها داخل الصيدليات.
ولدى تلك الأدوية المحظورة -وفقًا لأطباء وخبراء- تأثيرات سلبية على الحيوان وبالتالي على صحة الإنسان وحياته، لذلك سبق وأطلقت هيئة الخدمات البيطرية بيانات ونشرات تضمن قوائم لتلك الأدوية التي يحظر تداولها إلا إن هناك صيدليات لازالت تبيعها.
في ذلك التحقيق، تكشف "الدستور" عن وجود أدوية بيطرية محظورة تباع داخل الصيدليات البيطرية في المحافظات والأقاليم، بما يخالف قرارات الهيئة العامة للخدمات البيطرية، ويؤثر على الحيوانات وبالتالي الإنسان.
قائمة بالأدوية البيطرية المحظورة
مؤخرًا أعلنت الهيئة العامة للخدمات البيطرية عن حظر 16 صنفًا من الأدوية البيطرية أغلبها مضادات حيوية للدواجن والحيوانات، بعد ثبوت خطورة المادة الفعالة المكونة لها وتسببها فى انتكاسة للإنسان خاصة مرضى السل والنزلات الرئوية والمعوية، أبرزها مجموعة "انرو- فاكسين" و"ريفا- ميسين"، والتي تضبط 1000 زجاجة فى حملات مكبرة، بينها تلك الأنواع المحظورة، وهى مجموعة من المضادات الحيوية محظور استخدامها فى الإنسان للأطفال، وتصل بصورة غير مباشرة عن طريق بقايا هذه المضادات فى اللحوم والدواجن والبيض ومنتجات الألبان، فقد تم منع تسجيلها وحظر تداولها فى المجال البيطرى.
وأعلنت أن "ريفاميسين" مضاد حيوى قوى وفعال وأساسي فى علاج السل الرئوى فى الإنسان، وحرصًا على استمرارية كفاءته العلاجية تم منعه فى المجال البيطرى، و"كيتاساميسين، بيكوزاميسين، سيفتازيديم"، أما "تيلوزين، أوكسى تتراسيكلين وتيلوزين، كوليستين وكوليستين، فلوموكوين وسبكتينوميسين، كلينداميسين"، تم إيقاف تسجيل هذه التركيبات الأربعة وحظر تداولها بيطريًا.
120 جنيها سعر المضادات الحيوية المحظورة في الصيدليات
وتخالف الكثير من الصيدليات البيطرية القانون من خلال بيع أدوية بيطرية محظورة داخلها والإتجار فيها من أجل تحقيق الربح المادي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو داخل القرى والنجوع، إذ قامت "الدستور" بمغامرة داخل عدد من الصيدليات البيطرية لتوثيق إتجارها في الأدوية البيطرية المحظورة.
في إحدى الصيدليات البيطرية على موقع "فيسبوك" انضمت محررة "الدستور" إلى مجموعة تجار في تلك الصيدلية، وطلبت دواء بيطري "تيلوزين" (مضاد حيوي محظور من قبل شعبة الأدوية) وبعد مرور حوالي 10 دقائق أرسلت لها أحد الأطباء في تلك الصيدليات التي تبيع هذا الدواء، وقال إنه متاح ويمكن الحصول عليه من خلال الاتصال بالطبيب البيطري الخاص بالصيدلية.
اتصلت محررة "الدستور" بالطبيب وظل يسأل عن سبب احتياج هذا الدواء، بعدما أدعت المحررة أنها لديها مزرعة حيوانات وبها "أبقار" و"دواجن" وتحتاج لهم مضاد حيوي بشكل عاجل وضرورى لأن سيتم بيع عدد كبير منها خلال أيام قليلة.
وهنا نصحها الطبيب البيطري بأخذ دواء "تيلوزين" السائل حتى تستطيع أن تجعل الحيوانات أكثر صحة، وبالاستفسار عن السعر ومكان التسليم، كانت الصيدلية في محافظة البحيرة وتحديدًا مدينة دمنهور، ويتم التوصيل من خلال أحد مندوبي الصيدلية.
وكان سعر الدواء المحظور 120 جنيها للعلبة الواحدة والتوصيل للقاهرة بسعر 100 جنيه، وعندما سألت المحررة لماذا التوصيل بهذا الثمن فأجاب الطبيب لأن هذا الدواء لا يمكن إرساله مع أي شخص بل يجب إرساله مع شخص موثوق فيه بشكل مخصوص حتى لا يتم التورط قانونيًا بسبب حظره.
المضادات والمركزات الحيوانية تؤذي الإنسان والحيوان
إبراهيم عامر، مربي دواجن، وأحد المتضررين من تداول تلك الأدوية المحظورة للحيوانات، يقول إن جميع المضادات الحيوية الخاصة بالدواجن والماشية محظورة لتأثيرها السلبي على صحة الإنسان، ولكن عانت تربية الدواجن في مصر من العديد من المشاكل والأزمات والتي تسببت لخسائر فادحة للمربين والتي وصلت بهم حتى السجن، لذا لجأ البعض لاستخدام هذه الأدوية لضمان بيع الدواجن في صحة جيدة قبل نفوقها.
ويوضح إبراهيم ان دورة حياة الكتكوت هي 35 يومًا بتكلفة 40 جنيهًا، وتضم المزرعة الواحدة آلاف الدواجن والكتاكيت المقسمة للتسمين وآخرى لإنتاج البيض، وفي الحالتين تكون الخسارة كبيرة في حالة إصابة كتكوت واحد والذي يعني إصابة المعمل بالكامل.
ويؤكد على ضرورة التزام معظم المربين بالهرم الغذائي للدواجن، والمكون من كربوهيدرات وبروتين ودهون حيث يتناول الكتكوت في دورة حياته نحو ٢,٥ كيلو علف ليصل ل ٢٣٠٠ كجم، موضحًا أن هناك ماهو أخطر من المضادات الحيوية وهو المركزات الحيوانية والمكونة من مخلفات الطيور وهو ما يشكل خطورة أكبر على صحة الإنسان.
الأدوية المحظورة تؤدي إلى الموت المبكر
الدكتورة شيرين زكي، عضوة نقابة الأطباء البيطريين، تحذر من خطورة المضادات الحيوية المحظورة على الحيوانات والدجاج تحديدًا، قائلة: "على الرغم من أن حصول الدجاج على مضادات للميكروبات يحميه من الأمراض، إلا أنه يؤثر بشكل مباشر على صحة الإنسان، ويمكن أن يؤدي إلى الموت المبكر مع كثرة تناول أطباق الدجاج؛ لذا تقوم نقابة الأطباء البيطريين ووزارة الصحة بحظر مجموعة من الأدوية البيطرية كل فترة؛ لتأثيرها السلبي على صحة الإنسان من خلال متبقيات هذه الأدوية في منتجات الدواجن والحيوانات وانتقالها للإنسان".
وتضيف زكي، أنه مع الزيادة في الاستهلاك العالمي للدواجن واللحوم كانت الحاجة لمزيد من قرارات الحماية لصحة الإنسان خوفًا من تلاعب أصحاب المزارع لتحقيق مكاسب مالية طائلة من خلال إعطاء الحيوانات والدواجن جرعات متزايدة، من مضادات الميكروبات، وكان لهذه الأدوية تأثير آخر وهو زيادة الوزن، وبالتالي أصبحوا يجنون أرباحًا أكثر وأسرع دون النظر إلى أضرار ذلك على الصحة.
توضح إحدى الدراسات التي تمت بتمويل من المؤسسة الوطنية السويسرية للعلوم، أن استخدام مضادات الميكروبات تزايد بشكل خطير في البلدان مخنفضة الدخل، ويتم منحها للدجاج بشكل عشوائي ومفرط بهدف الربح والحفاظ على صحة المنتج حتى يصل إلى المستهلك، ووسط انخفاض مستوى الرقابة على ما يحصل عليه الدجاج من أدوية أصبح ذلك يشكل خطر على الإنسان الذي تناول الدجاج مع أنواع مختلفة من المضادات الحيوية.
وتوضح شيرين أن من أكثر الأمراض التي قد يتعرض لها الإنسان بسبب تناول لحوم ومنتجات بها متبقيات أدوية مضادات حيوية هو مرض "الصمم" وهو ما يظهر جليًا في الأطفال حيث يعانون من ضعف السمع كذلك يعانون من قصر القامة إذا لم يكن وراثيًا.
وتشير إلى أنه من أهم المخاطر التي يتعرض لها الإنسان من هذه الأدوية إذا لم يتم تطبيق مدة الانسحاب من الحيوان، والتي تكون حوالي أسبوعين قبل البيع والتداول هو تكوين مناعة لدى الإنسان من الميكروبات بمعنى يصبح جسم الإنسان غير قادر على مقاومة أي مرض نتيجة هذه الترسبات.
تضيف: "أنه من أبرز الأمراض التي يتعرض لها الإنسان حينما يستهلك كمية كبيرة من الدجاج الحاصل على مضاد للميكروبات، السالمونيلا وهى عدوى تحدث في الأمعاء، والاشتراكية القولونية، وهي عبارة عن جرثومة توجد الأمعاء الغليظة، وبكتيريا المكورات العنقودية".
توضح أنه من أبرز المضادات التي يمنحها أصحاب المزارع إلى الدجاج خلال مرحلة التربية وسط غياب الرقابة، البنسلين والكينولون وهي عبارة عن مجموعة من المضادات الحيوية قوية المفعول، و"التتراسيكلين".
مغامرة لـ"الدستور" داخل صيدليات بيطرية لشراء أدوية محظورة
وثقنا العشوائية في تداول الأدوية المحظورة داخل الصيدليات البيطرية من خلال إحدى الصيدليات على موقع التواصل "واتساب" بعدما حصلنا على إعلانها وأن التواصل يكون من خلال ذلك التطبيق فقط.
كان السؤال عن دواء مضاد حيوي "تيلوزين" فسأل الطبيب عن نوعه سائل أم بودرة، فطلبت المحررة النوعين فأتصل الطبيب بالمحررة للتأكد من هويتها وأنها لا تريد توريطه قانونيًا، وأرسل لها على الفور قائمة بـ100 دواء محظور تستطيع صيدليته توفيره لها في الحال.
كان هناك أكثر من نوع من "التيلوزين" في القائمة فطلبت المحررة 3 أنواع من ذلك المضاد الحيوي، لمعرفة الفرق في السعر فأجاب الطبيب على حسب النوع والكمية يتم تحديد السعر فطلبت المحررة منه 10 علب فتراوحت الأسعار للأنواع من 120 إلى 130 جنيهًا.
وتجربة ثالثة قامت بها "الدستور" لشراء مضاد حيوي لتربية الطيور بالمنزل؛ ففي إحدى الصيدليات البيطرية أدعت محررة "الدستور" إنها مربية لطيور منزلية ولكنها تعاني من الخمول خلال الفترة الأخيرة وطلبت منه مضاد حيوي "فلوكساسين" الممنوع من التداول.
المفاجأة أن مسؤولة الصيدلية بعد استشارة الطبيب المختص أكدت أنه أفضل مضاد حيوي للطيور، ويحسن حالتهم خلال ثلاثة أيام فقط: "عندنا جميع الأدوية البيطرية، حتى غير المتوفر في الصيدليات موجود عندنا" هكذا قالت الصيدلانية المسؤولة.
واسترسلت محررة "الدستور" في الحوار معها عن كيفية إعطاء الدواء المحظور، وسبب عدم تواجده في أغلب الصيدليات البيطرية وتواجده لديها، فقالت: "هو عبارة عن مضاد حيوي منعته وزارة الزراعة للطيور لجودته ورغبة الحكومة في رفع سعره، ويتم وضعه في ماء الشرب الخاص بالطيور"، مؤكدة أن الدولة عادة ما تنتجه في رفع الأسعار لمنع تداول الأدوية بحجة خطورتها ومن ثم تغير اسمها وطرحها فيما بعد بأسم جديد وسعر أعلى.
اللحوم المستورد تحمل بقايا مضادات حيوية محظورة
الدكتور محمد عبدالحميد، أستاذ الفيروسات بكلية الطب البيطري بالقاهرة؛ يؤكد أن بعض أصحاب المزارع يلجأون لاستخدام المضادات الحيوية، وعدم الالتزام بمدة الانسحاب قبل البيع خوفًا من الخسائر التي قد تحدث في حال توقف العقار، وإصابة الدواجن أو وفاتها.
ويوضح أنه حتى اللحوم المستوردة تعاني حيواناتها من تناول بعض الأدوية المحظورة مثل الراكتبومين، والتي تمثل خطورة على الصحة العامة ولديها آثار جانبية على الإنسان بسبب آثارها على الحيوان أولًا.
ويطالب عبدالحميد بضرورة تفعيل دور الرقابة البيطرية على مزارع المواشي والدواجن للتأكد من عدم استخدام مثل هذه الادوية المحظورة، وفي حال الإصابة لبعض معامل الدواجن يتم صرف الأدوية تحت إشراف الأطباء البيطريين ومتابعة الالتزام بالمدة المحددة للدواء وكذلك فترة الإنسحاب قبل البيع والتداول.
تشديد القانون هو الحل لمجابهة الأدوية المهربة والمحظورة
الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية، يوضح أن عرض أو بيع أدوية انتهى تاريخ صلاحيتها أو مغشوشة أو فاسدة أو محظورة يعاقب من فعل ذلك بنص المادة 2 من قانون قمع الغش والتدليس، وهوالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من عشرة آلاف جنيه و حتى ثلاثون ألف جنيه مصري.
يضيف: "وجود أي أدوية أو مستلزمات أو مستحضرات تجميل أو نباتات طبية مهربة و غير مسجلة بوزارة الصحة أو مجهولة المصدر يعاقب مدير الصيدلية بنص المادة 81 من القانون 127 لعام 1955 و المعدلة بالقانون 167 لعام 1998 وهي غرامة من عشرين ألف جنيه وحتى خمسين ألف جنيه للمسئول عن هذا".
ويشير إلى إنه إذا كان المسؤول هو صاحب أو مدير الصيدلية يضاف للعقوبة المالية عقوبة غلق الصيدلية لمدة تتراوح من ثلاثة شهور و حتى اثنى عشر شهرًا، حتى يكون عقابًا رادعًا له بعدم العودة من جديد لتلك الأفعال.
الأدوية المحظورة تظل بقاياها في الحيوان وتنتقل إلى الإنسان
مصطفى سمير طبيب بيطري، يشرح خطورة استخدام الأدوية المحظورة في الطب البيطري على الحيوان من ثم على الإنسان، قائلًا: "عقار التيلوزين ينتمي إلى مجموعة من ستة عشر مضادًا حيويًا صدر قرار من الهيئة العامة للخدمات البيطرية عام 2016 بحظر استخدامها على الدواجن، نظرًا لخطورتها على صحة الإنسان، بسبب ما يتبقى منها في أنسجة الدجاج".
يضيف: "وكان ذلك بحسب بيانات شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية المصرية، فلا توجد إحصائيات تشمل كل مزارع الدواجن نظرًا لوجود عدد كبير منها من دون ترخيص، ولكن يُقدر عددها بين سبعة وأربعين إلى خمسين ألف مزرعة، تعجز وزارة الزراعة المصرية عن توفير الرقابة والتفتيش عليها، وإلزام العاملين فيها باتباع قواعد المواصفات المصرية التي تُحدد متبقيات العقاقير البيطرية في الأغذية ذات الأصل الحيواني NO2377/1990 الصادرة عام 2010.
ويوضح: "المزارعون ومربو الدجاج يستخدمون المضادات الحيوية، بسبب إصابة الكتاكيت بالعدوى من معمل التفريخ، أو حدوث عدوى داخل العنبر نفسه، أو انتقال العدوى الفيروسية عبر الهواء"، موضحًا أن الطريقة الصحيحة لحساب تركيز المضاد الحيوي الذي تُحقن به الدجاجة يعتمد على وزنها، وليس بحسب كمية المياه التي تشربها كما يفعل أغلب المُربين.
ويختتم: "تلك الأدوية تنتج عنها متبقيات في لحم الحيوانات ومستخرجاته مما يؤثر على صحة الإنسان حين يأكل لحم تلك الحيوانات أو بيض الدواجن أو ماشابه مما يسبب التسمم والنزلات المعوية وبكتريا سرطانية وأمراض لا حصر لها".
ويتفق معه الدكتور محمود العدوي، طبيب بيطري، والذي يوضح أن أشهر الأمراض التي قد تصيب الدواجن ويضطر المربي معها استخدام المضادات الحيوية هو السموم من العلف المستخدم أو من "الفرشة" أو الطبقة التي توضع في المزرعة قبل إطلاق الكتاكيت.
ويضيف: "تصاب الطيور بمرض الكوكسيد والذي يستلزم معه استخدام المضاد الحيوي أيضًا عند الاصابة بالامراض الفيروسية مثل انفلونزا الطيور ومرض نيوكاسيل وجمبورو ومرض التهاب الشعب الهوائية وهي أغلب الأمراض الشائعة بين الطيور والكفيلة بدمار المزرعة وجميع الطيور وبالتالي خسارة ملايين الجنيهات".
ويؤكد العدوي أنه لم يعد هناك استخدام مضادات حيوية بعد تجريم وزارة الزراعة لها، وأصبح هناك اتجاه عالمي للمضاد الطبيعي مثل الحلبة والينسون والكراوية ويتم استخدامها لمدة أطول ولكنها أفضل وتعطي نفس النتائج.