السورية ميرفت علي: جائزة مانديلا للآداب منحتني الثقة والغيطاني وراء احترافي للكتابة (حوار)
الكاتبة السورية ميرفت علي التي تكتب الرواية والقصة وقصص الفتيان والأطفال والتي تقول بطاقتها الشخصية إنها مولودة في العاصمة السورية دمشق ونالت منذ ساعات جائزة نيلسون مانديلا وهى الجائزة الحادية عشر في مسيرتها المتفردة فيما يخص سرد ماهيات الحرية والوطن والغربة والغرابة، بل والتغريب في الزمان والمكان.
ميرفت التي زارت مصر وتعرفت وعشقت مكانتها وكتابها فتتحدث للدستور عن الكبرياء والأخوة مابين شعبي مصر وسوريا وجدوى الكتابة وملاذ المبدع والخارطة السردية العربية والعالمية والمصرية السورية ميرفت علي التي يقطر وتقطر الجوى والدمع والحب والنشوة والخلاص في عناوينها، حيث كان لـ"الدستور" معها هذا الحوار:
ــ بدايةً ماذا تمثل لكِ جائزة مانديلا للآداب؟
جائزة مانديلا للآداب بنسختها العربية الأولى، هي ثاني جائزة لي على المستوى الدولي أمدَّتني بالثقة بنفسي وبما أكتب، وأكدت لي أنني أخطو في الطريق الصحيح من حيث الأداء الأدبي وتطوير أدواتي وأساليبي التعبيرية والفنية، كما أنها شرّفتني باقتران اسمي باسم الزعيم الوطني و الإفريقي العظيم (نيلسون مانديلا) وبحد ذاته إنجازٌ يُعتدُّ به، كما أن نشر العمل الفائز بلغات أخرى إضافة إلى العربية، يعني الخروج من محدوديَّة المحلية الضيقة إلى أفق العالمية و التدويل، فيالها من حُظوة!
ــ هل لنا بلمحة عن الجوائز التي حصلت عليها من قبل؟
لقد نلتُ شرفَ تحصيلِ جوائزَ عربية مهمة، أذكرُ منها ما حقَّقتُ فيها المركز (الأول) فقط عربياً وإقليمياً وهى جائزة الشيخة سعاد الصباح لأفضل مجموعة قصص (الكويت) 2 – جائزة أنجال الشيخ هزاع بن زايد آل نهيان لثقافة الطفل العربي (أبو ظبي)، لأفضل سيرة قصصية 3 – جائزة أندية الفتيات العربيات، إبداع المرأة العربية (الشارقة)، لأفضل مجموعة قصصية 4 ـــــ جائزة دار الفجر لأفضل قصة قصيرة ( الأردن ) 5 ــ جائزة مسابقة مجلة العربي الكويتية في أفضل قصة قصيرة ( الكويت ) 6 ــ جائزة دار (مها) للنشر و التوزيع و الترجمة في أفضل رواية عربية ( مصر ) 7 ــ جائزة مؤسسة (رنين) لأفضل قصة طفلية مسموعة (الأردن) 8 ــ جائزة (سيزار إيجيدو سيرانو) العالمية لمسرح الطفل الغنائي الراقص 9 ــ جائزة دار (تسراس) للنشر و التوزيع في أفضل مجموعة قصصية (المغرب) 10 ــ جائزة مسابقة (صلاح هلال) الأدبية في أفضل قصة قصيرة (مصر) 11 ـــ جائزة (مانديلا) للآداب في أفضل مجموعة قصصية.
كما نلتُ جوائز أدبية سورية كثيرة في القصة، الرواية، المسرح، أدب الأطفال. منها: جائزة البتَّاني للقصة القصيرة ، جائزة المزرعة للإبداع الأدبي لأفضل مجموعة قصصية ، جائزة المزرعة للإبداع الأدبي لأفضل رواية ، جائزة وزارة التربية السورية لأفضل نص مسرحي للأطفال
ـ هل هناك كاتبٌ ما عربي أو غربي كان له تأثير ما في اختياركِ لاحترافِ الكتابة؟
(نعم بالتأكيد، لكنَّ الفطرة وملَكة الإبداع التي هي في أصل (جِبلَّتي) وعنصري التكويني، كانَ لها الدور الأبرز في ميلي إلى الكتابة، و إلى دخولي معتركَ الإنشاءِ و التعبير بأشكاله الكلاسيكية و الحداثيّة. و من الكتَّاب الذين تأثرتُ بهم: (بورخيس) من أمريكا اللاتينية، (ميشيما) من اليابان، و (تشيخوف) و (كافكا) و ( غونترغراس) من أوروبا، و (عزيز نسين) و (خالد الحسيني) من آسيا، و (الطاهر بن جلون) و (محمد زفزاف) و (جمال الغيطاني) و (أحلام مستغانمي) من إفريقيا وتطول القائمة.
ــ إذاً ما هو موقفكِ من الجوائز العربية والعالمية، وهل هناك عتباتٌ ما أو شروط تعتمدها لجان التحكيم في مسألة المنح والمنع؟
لكلِّ جائزة مهما كان نوعها أو ثقلها الإعلامي والأدبي معاييرُ وأسسٌ تحكيمية خاصة بها، ينصُّ عليها إعلان الجائزة أحياناً (هذا في الجوائز ذات التجربة الناضجة)، و أحياناً معايير التحكيم لا تكون مُعلنة للمشاركين، و لكنْ في الغالب اتّبعت الجوائز الأدبية العربية مؤخراً أسساً تنظيمية و إدارية و تقييمية واضحة و شفافة و صريحة...و الاختلاف ما بين جائزة و أخرى هو في احترام هذه الضوابط و العمل بها، و في النزاهة و الابتعاد عن المجاملة و منح الجائزة للمعارف و للأصدقاء المقربين. و هذا بالتحديد ــ علاوةً على المكافأة المادية ــ ما يجعلُ كفَّة النجاح و الإقبال ترجحُ لصالحِ مسابقةٍ ما على حساب الأخرى. و أنا أقفُ من معظم الجوائز العربية موقفَ المتأمِّل في الشروط و الاتجاهات و النوايا، فإذا وافقتْ هوىً في نفسي و قبولاً من حيث المنطق و التحليل؛ فإنني أشاركُ بها دون أدنى تأخير. و معظم الجوائز الأدبية التي أُحدثتْ مؤخراً كانت غير جادَّة في مشروع الإشهار و في الأداء، كما في تقدير المبدعين العرب.
ــ هل سبقَ لكِ زيارة القاهرة؟ حدِّثينا عن علاقتكِ بالكتاب المصريين، وكيف تجدينَ الحالة الكتابية في مصر؟
نعم، سبقَ وأن زرتُ عاصمة أم الدنيا (مصر)، وكذلك كلَّاً من (الإسكندرية) و (الجِيزة)، و حظيتُ بلقاءِ كتاب مصريين مخضرمين أبرزهم الروائي الكبير (جمال الغيطاني)، والشاعر (أحمد عبد المعطي حجازي)، والمفكّرة الكبيرة (نوال السعداوي). وأجدُ الأداء الأدبي متراجعاً (قليلاً) عمَّا كان عليه أيامَ الأدباء المذكورين. وهذه حالة تكادُ تكون (شبه عامَّة) في الساحة الأدبية العربية بسبب الظروف المعيشية الصعبة، والنكسات السياسية و الاقتصادية في المقام الأول.
ــ في ظلِّ أزمة الوطن و الهوية في سوريا و تأثيراتهما، كيف ترين مستقبل الوطن السوري الشقيق في ظل الأوضاع الحالية؟
هوية سوريا النضالية هوية تفخرُ بها الأمم، وتُباهي بها الحكومات والشعوب. و هي هويّة متأصِّلة الجذور، و لها علائقُ ووشائجُ قوية مع مصر الشقيقة بالدرجة الأولى. و مُنعطَفُ الوحدةِ العربية التاريخي العظيم بين البلدين، كما وقائعُ حربِ تشرين، يشهدانِ بالنبضِ النضالي القوي، و بالكبرياء الباذخ للشعبين السوري و المصري. و اليوم سوريا هي (مانديلا) في تجلّيات صمودها: أمةٌ لا تكلُّ و لا تملُّ من تحصيلِ حقوقها، و إثباتِ ذاتِها، و الدفاعِ عن موقفها السياسي و الوطني و حضارتها المتجذرة بعد عشرِ سنواتٍ من الحرب و التحديات على الجبهتيْن الداخلية و الخارجية. و أجدُ في ثباتِها الإعجازي و كفاحها (الماراثوني) معزِّزاتِ إرادةٍ لا تُقهر...إنّها بلدٌ في طور النقاهة و التعافي، و أسألُ الله لها شفاءً تاماً و تعافِياً يثلجُ صدورَ السوريين في قادماتِ السنين.
ــ حدِّثينا عن شكلِ الأدب السوري في المرحلة الآنية ؟
لا يمكنُ تقييم مستوى الأدب السوري حالياً ما لم نحسب حساباً (كبيراً و باهظاً) لبصمةِ الحرب المدمّرة التي كادت أن تأتي على الأخضر و اليابس في بلدنا لولا صمودُ الشعب السوري، و بحرُ الدماء النازفة و المُراقة كفاتورةِ إثباتِ وجود، و كضريبةِ حصانةٍ وطنية، و حفاظٍ على ما تبقّى من الحيَواتِ و الأرواحِ و الأملاك و الأرزاق...(فقد طمى الخطبُ حتى غاصتِ الرُّكبُ) كما قال الشاعر في موقفٍ تاريخي تأزَّمت فيه حالُ الأمة العربية برمَّتها. و من الطبيعي أن يتأثَّر المكوِّن الأدبي ــ كسائرِ جزئيَّات المشهد السوري ــ بوقائعِ الحربِ و الإبادةِ و الفقر و قلةِ ذاتِ اليدِ الناجمة عنها، سيَّما بعد تدمير البُنى التحتية و الاقتصادية...فعكسَ الأدباءُ السوريون ذلك ببراعة و بواقعية في الرواية و في القصة اللَّتيْن اتَّسع وعاؤهما الفضفاض لالتقاط دقائق المعاناة، و لم يقصِّر الشعر السوري بأنماطهِ الحديثة ــ خاصةً ــ في بثِّ شُحنات الوجع و الرثاء لحالِ البلد و ناسِها...بل لقد حلَّق الأدبُ السوريُّ تحليقاً عاليَ الأمداء، و تفنَّن الأدباء في إبرازِ جوانب الفاجعة و آثارها الفادحة. كلٌّ بأدواتهِ و بعناصرهِ الجمالية.. لكنَّ (الاستشراف) غابَ عن كثيرٍ من هذه الأعمال، و أرى ذلك منطقيَّاً و طبيعياً؛ فنحنُ مازلنا في مرحلةِ الذهول و الصدمة من تَبِعات مأساتنا السياسية و الأمنية و الاقتصادية المعيشية المترتّبة عن اندلاع الحرب، سيما و ـ أنَّنا ــــ كسوريين ــــ محاصرونَ اقتصادياً و سياسياً و دبلوماسياً من قبل العدو و الصديق على حدٍّ سواء.. فكيفَ لنا أن نقرأَ مُخرجات الأزمة السورية على المدى المستقبلي البعيد؟ كلُّ ما نفعله أننا نوثِّق للتاريخ و للأجيال و للذاكرة العربية حقيقةَ الأزمةِ السورية و مآسيها، بمُنتهى الشفافية و الصدق و المكاشفة.
ــ ماهو المرجو من الكتابة الإبداعية؟
هل هى غاية في ذاتها و تجسيدٌ لشعار الفن للفن؟ أم أنها سبيلٌ للخلاص هي الأمرانِ معاً، إنَّها أفنونٌ من أفانين الإبداع الذي يُجمّل حياتنا و يمنحها طعماً و قيمةً اعتبارية، و يُضفي شعوراً بالاكتفاء و بالتوازن النفسي لدى المُبدع، لذا ــــ و من هذا الجانبِ ـــ أعتبرُ الكتابة غايةً في حدّ ذاتها. و من ناحيةٍ أخرى هي تفريغٌ للإناءِ الداخلي، و ترجمةٌ لكلِّ تجلِّيات الإحساس و الوجد، و تعبيرٌ عن الوقائع بأسلوبٍ جماليٍّ يرتكز على دعائم فنية تحسِّن المزاج، و تقدم للقارئ المتعة و الفائدة و تنمِّي إحساسه بالجمال و بعالم الخلق و الخيال، و تكشفُ عن المستور و المكبوت في القضايا الشاغلة للناس و للمجتمعات البشرية، و تقدّم بعض الحلول...لذا فالإبداعُ بأنواعهِ الكتابية و التمثيلية و الفنية التشكيلية، و الموسيقية ...إلخ هو سبيلٌ لشحذِ الههم على الارتقاء بالفعل الإنساني و بالمُنجز البشري العظيم. فكم من قصيدةٍ هزَّت الشارعَ العربي، و أطلقت العنانَ للتحرر من نيرِ الاحتلال، و الشواهد كثيرة. و بهذا التَّجلي تكونُ الكتابةُ سبيلاً للخلاص الفردي و العام.
ــ هل يكتفي الكاتب بالكتابة فقط؟، أم هناك أحلامٌ أخرى مرجوة من الكتابة؟
الفعل الإبداعي هو مقدمة ومطيَّة لبلوغ أحلامٍ لا تنتهي ولتحصيلِ إنجازاتٍ أخرى، مثل تخليد اسم المبدع في ذواكرِ الشعوب و الأجيال، وترك أبلغ ثأثير في نفوس الناس. و من أبرز أحلام الأدباء و بخاصة في العالم العربي، تجاوزُ المحليَّة الضيقة إلى العالمية، وهذا بالضبط ما حققتهُ لي جائزة (مانديلا) العالمية للآداب؛ فالأعمال الفائزة ستُطبع على نفقة شركة (مانديلا) للنشر والإعلان والترجمة بثلاثِ لغاتٍ منها اللغة العربية، وستوزَّع على نطاقٍ واسع في جهاتِ الأرض. أنا شاكرة لله على هذه الحُظوة، و أتمنى لكلِّ مبدعٍ عربي تحقيقَ إنجاز مماثل.