الرواية والمدينة في عيون النقد العربي
يشغل متخيل المكان كل المبدعين العرب بلا استثناء عبر زوايا نظر مختلفة، ولا شك أن تاريخ وجود الرواية مرتبط ارتباطا وثيقا بالمدينة، لذا تصبح المدينة كحيز للمكان إلى جانب اللغة فهي تعطي للمتخيل بصمته المميزة.
في ملتقي الرواية العربية لعام 2003 جاء كتاب الأبحاث والذي حمل عنوان "الرواية والمدينة" يحمل عبر صفحاتها التى وصلت إلى 600 صفحة شهادات ورؤي الكتاب العرب للمدينة وتاريخها في الرواية العربية.
جابر عصفور: الرواية اختراع أدبي للمدن الناهضة
قال الناقد والأكاديمي ورئيس المجلس الأعلي للثقافة وقتها دكتور جابر عصفور "المدينة أصل المجتمع المدني الذي تتهدى قوى التطرف والإظلام في هذه السنوات، وهي الأفق المفتوح الذي يبدأ منه الفعل الخلاق للتقدم ويتأسس ضد نقائصه، وهي حلم المعمورة الإنسانية الذي تخلقت بدلالاته معاني "المدينة الفاضلة" في تراثنا. أما الرواية فهي الفن الذي انتجته الطبقة الوسطى الذي يدل أسمها الغربي bourgreoisieuge على سكان المدينة المتنقلة من العلاقات الزراعية إلى العلاقات التجارية الصناعية.
وأشار عصفور إلى أنه كانت الرواية الحديثة هي الاختراع الأدبي للمدن الناهضة الخارجة من ظلمة العصور الوسطى عبر النهضة، إلى أنوار العصر الحديث، ولا تزال الرواية مقترنة بهذه الأنوار، وحافظة للقيم التي تتحدى شروط الضرورة، وتؤسس للتنوع البشري الخلاق الذي لا يكتمل إلا بمبادئ العدل والحرية والمساواة والحلم الأبدي للتقدم الأنساني الذي يقع في المدينة وبالمدينة من حيث هى معنى ومغزى.
إبراهيم فتحي: صبرى موسى أول من كشف عن تحول المدينة لغرفة متنقلة
وتحت عنوان تطور تشكيل مدينة الكلمات في القاهرة قدم الناقد إبراهيم فتحي دراسته والتي أشار فيها إلى أن "روايات الرواد أيام طه حسين وعودة الروح لتوفيق الحكيم ، وقنديل أم هشام ليحيي حقي لا تبدو المدينة متمثلة في منظور الرواية أو عند سكانها باعتبارها كلا متمايزا الأجزاء، بل مجازا تبسطيا في صورة قلمية تخطيطية لمكابدات شخصية رئيسية وفردية , تلك الشخصية تؤمن بنفسها وترى العقل والعلم والآفاق المفتوحة أمامها في المدينة بلاحدود ، فأماني الحرية في المدينة السياسية "عودة الروح" أو الحياة الكريم " الأيام " تربط الفرد بجماعة متخيلة " الأمة _أهل الفكر" وهي أخوية مثالية تجسدها لغة رمزية أو غنائية تحليلية تشكل نواة للشخصية في المدينة تمكنها من خوض المعارك والتضحيات، وأن كانت مبتعدة بعض الشيء عن الجيران والمجاورين الملتصقين بها.
وأكد إبراهيم فتحي أن أول من كشف عن تحول مكان المدينة إلى غرفة متنقله بين الأحياء المستعارة لممارسة الحب الجسدي هو صبري موسى في "حادث نصف المتر" وقد أوضح هذا المبدع السباق أن اختيار التشظي ينتهي بالإذعان للكل وعدم طرحه للتساؤل .
شعبان يوسف: القاهرة في عيون الروائيين العرب
وتحت عنوان الصور المجازية لمدينة القاهرة في الرواية العربية ذهب الكاتب والشاعر شعبان يوسف إلى " ان القاهرة كانت وما زالت وطنا بديلا للكتاب والمثقفين والمبدعين والسياسيين، وكانت وطنا متخيلا ومتعدد المساحات والرؤى، ومفجرا لهواجس الحرية والعدل الاجتماعي ، والبعد القومي ، وذلك على مدى قرن ونصف القرن، ومنذ أن عرفت القاهرة الهجرات الجماعية والفردية ، ذلك لأسباب سياسية واجتماعية أو طائفية أو أقتصادية، واصبحت موطنا يحتضن المواهب والطاقات المعطلة في بلادها.
ولفت يوسف إلى أنه "منذ الخمسينيات تفاقم الدور المصري في تعميق صورة المدينة عن الكتاب العرب ، كان للقاهرة حضورا واضح وقوي ومتعدد في الروايات العربية ، وسنلاحظ ان صور مدينة القاهرة تتوزع بين متخيل أسطوري وسياسي واجتماعي وديني وفكرى ، وبين الوقائع الحقيقية والتى تتقاطع مع هاتين الصورتين من المنتج الإبداعي الروائي ، ورسمت بروتريهات ، ربما تكون رومانتيكية ، ثم حدث التعايش بين المنتج والمدينة
وأشار يوسف الى العديد من الأعمال الإبداعية التي تناولت القاهرة منها " شقة الحرية للسعودي غازي القصيبي ، رصيف لم يتكرر للمغربي محمد برادة ، وريحارنة للاماراتية ميسون صقر ، ومعظم روايات الأردني غالبا هلسا " ورجل الظل للفلسطيني أحمد عمر شاهين ، ومدن بلانخيل للسوداني طارق الطيب.