أشهرهم «عزيزة الفحلة» بالقاهرة و«أبو أحمد» في الإسكندرية.. حكايات فتوات زمان
في سفره الضخم "رجال ريا وسكينة"٬ والصادر في طبعة جديدة عن دار الكرمة للنشر٬ يقدم مؤلفه الكاتب الصحفي الراحل صلاح عيسي٬ سيرة اجتماعية سياسية٬ وتأريخ لمطلع القرن العشرين ليس فقط التاريخ السياسي٬ وإنما أيضا حوادث ووقائعه الاجتماعية. لذا جاء كتابه ليقدم قراءة جديدة في حوادث القتل التي اقترفتها الشقيقتين ريا وسكينة.
يلقي صلاح عيسي الضوء على عالم الفتوات من واقع أحداث وشخصيات حقيقية عاشت مطلع القرن العشرين٬ وليس فقط تلك الشخصيات الخيالية التي قدمها نجيب محفوظ عن عالم الحرافيش والفتوات.
ففي خلال سنوات الحرب العالمية الأولى٬ كانت معظم الأحياء الوطنية في المدن المصرية الرئيسية٬ وخاصة القاهرة والإسكندرية٬ لا تزال تخضع للسلطة العرفية للفتوات٬ إذ كان لكل حي من أحيائها الشعبية٬ فتوة أو أكثر٬ يبسطون سلطانهم على سكانه٬ ويفرضون حمايتهم عليه٬ وينفردون بما يدخل في اختصاصاتهم من شئون ويعتبرون كل تدخل من الفتوات الآخرين أو من غيرهم في تلك الشئون٬ عدوانا يقومون برده بمثله٬ لردع الذي قام به٬ حفاظا علي هيبتهم٬ وصيانة لما يعتبرونه حقوق الولاية التي كانوا يحصلون عليها٬ إما بالوراثة عن آبائهم٬ أو بانتزاعها قسرا بالقوة من الفتوة السابق، بعد معركة ينهزم فيها، أو يموت، أو ينسحب ويتقاعد.
عبده الجياشي ومرجان السقا فتوات باب اللوق
يذكر صلاح عيسى أن حي باب اللوق في القاهرة قد تقاسم السيطرة عليه أثنان من الفتوات وهما عبده الجياشي ومرجان السقا٬ بينما تقاسم "أبو طاجن" وحسن الأسود النفوذ في منطقة الناصرية، وطار صيت آخرين من الفتوات كان من بينهم حسن جاموس فتوة الحنفي وإبراهيم عطية فتوة الحسينية وعفيفي القرد فتوة بولاق ومحمود الفلكي فتوة لال الخلق ومحمود الحكيم فتوة الكحكيين. بينما توزع النفوذ في منطقة الأزهر والحسين بين ثلاثة من الفتوات هم حسن كسله وبدوي العلاف وفهمي الفيشاوي ــ مؤسس المقهي المعروف باسمه حتي الآن في حي الحسين ــ ولم يكن نادرا أن تكون بين الفتوات امرأة، إذا كانت عزيزة الفحلة هي فتوة المغربلين وفضلا عن أن الصفة التي تلحق باسمها تدل علي أنها امرأة ذات قوة بدنية خارقة، فقد كانت تستعين علي حكم منطقتها بابنها محمد الذي كان يقاسمها النفوذ.
"أبو أحمد" اللقب الذي كان يطلق علي الفتوات في الإسكندرية
يواصل "عيسي" حديثه عن سطوة الفتوات في الإسكندرية٬ والتي لم تكن تقل عن سيطرتهم علي أحياء القاهرة، إذ كان لكل حي أو قسم من حي "أبو أحمد" وهو اللقب الموحد الذي كان السكندريون يطلقونه علي الفتوات، وربما أكثر من "أبو أحمد" وقد اشتهر بينهم آنذاك بعد ذلك "زغلول" فتوة إنسطاسي، وهي إحدي المناطق التي كانت "ريا" تمارس نشاطها فيها، "وأبو خطوة" فتوة رأس التين والسيالة، و"سالايو" فتوة حي اللبان. وكانوا يتميزون عن فتوات القاهرة بملابسهم، إذ بينما كان هؤلاء يرتدون عادة الجلباب واللاسة فإن "الأبو أحمدات" كانوا يرتدون السروال الأسود الواسع، وفوقه صديري بلدي وجاكتة وطربوشا، ويجيدون برم شواربهم، ويحرصون على تثبيتها في هذا الوضع باستخدام مثبت كان يعرف بــ "الكوزماتيك"، وعلي حبك الطربوش على رؤوسهم.