في ذكرى ثورة 23 يوليو.. تفاصيل تأميم قناة السويس
تحل علينا اليوم الجمعة الذكرى الـ ٦٩ لثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ المجيدة، والتي كان من أهم القرارات الناتجة عن الثورة، تأميم هيئة قناة السويس.
وتنشر “الدستور” تفاصيل تأميم قناة السويس
أعلن الرئيس جمال عبدالناصر فى خطابه التاريخى فى مدينة الإسكندرية فى 26 يوليو 1956 قرار تأميم قناة السويس.
ونصت المادة الأولى من القرار على " تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها. ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكون من أسهم وحصص بقيمتها مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية فى باريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة.
وبالفعل أوفت الدولة المصرية بكافة التزاماتها ، فمع حلول الأول من يناير 1963 كانت قد سددت التعويضات التي أعلنت عن عزمها على دفعها لمساهميها تعويضا لهم عما يملكونه من أسهم وحصص تأسيس بقيمتها مقدرة وفقا لسعر الإقفال ، في اليوم السابق للتأميم في بورصة الأوراق المالية بباريس. وبلغت جملة التعويضات 28300000 جنيه قيمة 800000 سهم سددت جميعها بالعملة الصعبة ، قبل تاريخ استحقاقها بسنة كاملة.
وإذا كان قرار التأميم قد جاء ردا مباشرا على مواقف الدول الكبرى والبنك الدولى من مسألة تمويل السد العالي، إلا أن القرار فى حقيقة الأمر كان كاشفاً وليس منشئا للحقوق المصرية وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالسيادة المصرية على كامل التراب الوطنى بعد ثورة 23 يوليو المجيدة.
ولقد قامت مصر بتفنيد كافة الأسانيد التى تدحض وتشكك فى قرار التأميم ، وكان ذلك فى الخطاب الشهير الذي ألقاه وزير خارجية مصر الدكتور محمود فوزى أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 8 أكتوبر 1956 وكان خطابا مطولا من بين ما جاء فيه : إن لكل دولة مستقلة الحق في تأميم أية هيئة تخضع لسيادتها. وقد أكدت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بقرارها رقم 12626 بتاريخ 21 ديسمبر 1952 أن لكل دولة الحق في استغلال موارد ثروتها لرفاهية شعبها ، طبقا لسيادتها ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة . وما تصرف مصر في تأميم شركة القناة إلا تنفيذ لهذا القرار.
وأضاف: إن شركة القناة شركة مصرية منحت امتياز تكوينها من الحكومة المصرية، وذلك لمدى 99 عاما. والمادة 16 من الاتفاق الذي عقد بين الحكومة المصرية وبين شركة القناة في 22 فبراير سنة 1866 تنص على " أن الشركة العالمية لقناة السويس البحرية هى شركة مساهمة مصرية تخضع لقوانين البلاد وعرفها. وقد اعترفت الحكومة البريطانية نفسها بهذه الحقيقة ودافعت عنها أمام المحاكم المختلطة بتاريخ 12 أبريل 1939 ، في قضية الوفاء بالذهب. كما أعلن تمسك مصر بحق سيادتها على أرضها ، واحترامها لاتفاقية 1888 مع استعدادها للمفاوضات في سبيل الوصول إلى حل لمشكلة القناة بالوسائل السلمية.
وبعد قرار التأميم تعرضت مصر لهجمة استعمارية شرسة بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد المصرى عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون فى القناة لتعطيل الملاحة وعرقلة دولاب العمل ومن ثم إحراج الدولة المصرية بعدم قدرة أبنائها على إدارة القناة.
بيد أن روح التحدى التى تحلى بها المصريون دوما فى أحلك الأوقات ساعدت على تجاوز الأزمة حيث نجح المرشدون المصريون بمعاونة بعض المرشدين من الدول الصديقة فى تسيير الملاحة بانتظام بعد يومين فقط من انسحاب المرشدين الأجانب حيث عبرت القناة فى 16 سبتمبر 36 سفينة وفى 17 سبتمبر 35 سفينة وفى يوم 18 سبتمبر 32 سفينة وفى 19 سبتمبر 34 سفينة.
ووقتذاك ، وعلى وجه التحديد فى يوم الثلاثاء 18 سبتمبر 1956 استقبلت الإسماعيلية خمسين من المراسلين الأجانب كانت مصلحة الاستعلامات قد أعدت لهم رحلة إلى منطقة القناة ليقفوا بأنفسهم على دقة نظام الملاحة فى القناة . وفى اليوم التالى ( 19 سبتمبر 1956 ) كان المانشيت الرئيسى لصحيفة الأهرام معبرا عن واقع الحال حيث جاء كالتالى : إعجاب الصحفيين الأجانب بنظام الملاحة فى القناة ...بعد أن شاهدوا قوافل السفن تمر فى سلام، وكتب عدد غير قليل من الصحف والمجلات الأجنبية عن نجاح الإدارة المصرية فى تنظيم حركة الملاحة فى القناة ومن بينها مجلة تايم الأمريكية حيث نشرت فى عددها الصادر فى الأول من أكتوبر 1956 مقالا بعنوان " تحت ظل الإدارة الجديدة " من أبرز ما جاء فيه " ...بعد ثمانية أسابيع من تأميم القناة وبعد أسبوع واحد من انسحاب ثلثى مرشديها يبدو أن ناصر بر بما كان يفخر به ، فقد مرت منذ التأميم 2432 سفينة بسلام وأمان منها 301 عقب الانسحاب الجماعى للمرشدين الأجانب.
وتوالت الأحداث بعد ذلك والتى انتهت بشن العدوان الثلاثى على مصر والذى استمر من 31 اكتوبر إلى 22 ديسمبر 1956.
وإذا كان العدوان الثلاثى قد تسبب فى غلق القناة إلا أن ضفاف القناة ومصر كلها خاضت فى ذلك الوقت معركة مجيدة تكللت ليس فقط بانتصار 23 ديسمبر 1956 لكن معركة السويس المجيدة – كما يسميها المؤرخون - دفنت الاستعمار وعصر الاستعمار ودشنت بلا جدال عصر التحرير فى العالم وافتتحت موجة الاستقلال فى العالم الثالث بأسره.
وبنفس روح التحدى استؤنفت الملاحة في القناة ( 29 مارس 1957) بعد انتشال السفن الغارقة فيها وتطهيرها.