المعماريين الإيطاليين تأثروا بالعمارة الإسلامية
شيدها إيطاليون.. عراقة العمارة الإسلامية بأشهر مساجد الإسكندرية (فيديو)
طرز معمارية وقصص تاريخية حُفرت بداخل أروقة مساجد الإسكندرية، لتضعها على رأس المدن التي تضم مجموعة من أشهر وأجمل المساجد التي تتميز بالتصميمات المعمارية الفريدة، التي امتزجت بها جميع الثقافات لتضفي تنوعًا على العمارة الإسلامية بعروس البحر المتوسط.
للحديث عن العمارة الإسلامية بالإسكندرية والمراحل التي مرت بها، ألتقت «الدستور» الدكتور إسلام عاصم أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر والإرشاد السياحي، ونقيب المرشدين السياحيين السابق بالإسكندرية، لإلقاء الضوء على تاريخ العمارة الإسلامية.
وقال عاصم لـ« الدستور»، إن مدينة الإسكندرية أحد المدن الهامة التي لها طابع خاص بالنسبة للعمارة الإسلامية، حيث إنها مدينة متوسطية «كوزموبوليتانية» تجمعت فيها جميع بلدان العالم وتعددت الطوائف بها، مما جعل بها تنوع في العمارة ليس في المباني السكنية فقط، بل في العمارة الإسلامية.
طراز المسجد النبوي
وأضاف أن مساجد الإسكندرية بدأت تصميمها على طراز المسجد النبوي الشريف، والمعروف بتواجد الصحن المكشوف، و المحيط به الأروقة، ولكن لطبيعة مدينة الإسكندرية والأمطار التي تتعرض لها، جعل المعماريين يلجأون إلى المساجد المغطاه، مما جعلنا نري طرز معمارية جميلة ومتنوعة.
وأوضح عاصم، أن الطفرة التي حدثت بمدينة الإسكندرية، والتنوع في العمارة الإسلامية بدأت في أواخر القرن التاسع عشر، وحتى النصف الأول من القرن العشرين، وذلك لأن قبل تلك الفترة كانت العمارة متأثرة بالحكم الموجود في البلاد، حيث كانت مصر تتبع ما يسمي بـ«التخطيط العثماني» للمساجد، فكان شكل المساجد متأثر بذلك خاصة شكل المأذنة التي كانت على شكل القلم الرصاص أو مساجد الدلتا التي بمأذنة الشمعة مثل المساجد الموجودة في مدينة رشيد.
الإنفصال عن الدولة العثمانية
وتابع أنه مع بداية تفكير الخديوي إسماعيل في الإنفصال عن الدولة العثمانية، ظهر في مصر نسق معماري يريد الإنفصال عن أي شيئ له علاقة بالدولة العثمانية، وبدأ ظهور معماريين متميزين، وكان في ذلك الوقت الأشهر في الإسكندرية هم المعماريين الأجانب الإيطاليين، وقبل أن يتواجدوا في مصر، كانوا يدركون إنها بلد إسلامية من الدرجة الأولي، وأن العمارة الإسلامية شيئ أساسي في هذه الدولة، وبناءً عليه درسوا العمارة الإسلامية في الأندلس قبل المجيئ إلى مصر ، لذلك أن أكثرهم متأثر بهذه العمارة وبشدة.
ماريو روسي
وأشار عاصم إلى أن ماريو روسي هو أحد المعماريين الإيطاليين، وكان له تأثير على العمارة الإسلامية في هذه الفترة، والذي جاء لمصر في الأساس لمساعد «فيروتشي بك» المهندس الملكي في فترة حكم الملك فؤاد، لكن بعد أن أعلنت وزارة الأوقاف عن مسابقة لأختيار مفتش للتصميمات الخاصة بها، تقدم «روسي» للمسابقة بالرغم من تهديدات «فيروتشي» بترك روسي العمل إذا تقدم لتلك المسابقة ولكن دخل الإيطالي المسابقة، وضرب بتلك التهديدات عرض الحائط ليغامر بمستقبله.
وأكد عاصم، أن «روسي» تقدم للمسابقة وكان ضمن 36 مصمم من جميع أنحاء الدول العربية، وهو الوحيد الغير مسلم، واستطاع من خلال تصميماته الفوز في المسابقة والتعيين في وزارة الأوقاف المصرية، وحتى الآن البوابة الموجودة بوزارة الأوقاف هي من تصميم الإيطالي ماريو روسي، ووضع بصمته على كثير من المساجد، في مصر وحسب أقواله التي ذكرها أن أكثر من 260 مسجد وعمارة في مصر بطابع ماريو روسي، وكان للإسكندرية الحظ في 5 مساجد أهمهم أنه أكمل عمل «فازاي» في مسجد أبو العباس المرسي، بجانب جامع القائد إبراهيم، ومسجد الملك الصالح بالمنتزه، ومسجد سيدي تمراز ببحري، ومسجد الملك فؤاد والذي سمي بعد ذلك بالملك فاروق ثم مسجد محمد كُريم بداخل قصر رأس التين، بجانب مقام الشاطبي والعمارة التي يوجد بها المسجد والمقام.
ونوه إلى أن هذا الرجل كان له دور كبير في العمارة في الإسكندرية، وبفضل التسامح الذي كان يعم مدينة الإسكندرية، والموجود في تلك الفترة، جعل الإيطالي ماريو روسي يقال إنه اعتنق الإسلام في عام 1946 بعد افتتاح مسجد ابو العباس المرسي عام 1945.
وأشار إلى أنه كان له تأثير وطابع في العمارة الخاصة به والذي توارثها عنه المعماريين المصريين وأكملوا من بعده، حيث وضع في مسجد أبو العباس زخارف من الأندلس، وذلك لأن أبو العباس كان من الأندلس، وفي مسجد القائد إبراهيم خلق مزيج من المدارس المعمارية ووضعها في مسجد واحد، وتميز المئذنة التي من أرشق وأجمل المآذن الموجودة في مدينة الإسكندرية.
المعماريون الإيطاليون
قال عاصم، إنه عندما ننظر إلى مساجد الإسكندرية الأخرى نجد أن اسماء المعماريين الإيطاليين موجودة، لكن هذه الاسماء مجهولة بالنسبة لنا، فلا يوجد معماريين مشهورين بشهرة ماريو روسي، حتى أن بعض المساجد التي معروف أن مصمميها إيطاليين دائمًا تلصق بأسمه رغم انها بنيت قبل فترة وجوده في مصر ومنهم مسجد «أحمد يحيى» في الإسكندرية، والذي ينسب له، رغم أن المسجد افتتح قبل مجئ روسي لمصر وذلك لشهرته، وأيضًا مسجد «الصيني» بمنطقة فلمنج.
وتابع أن المعماريين الإيطاليين كانوا يتصدرون أعمال التصميمات والمقاولات في هذه الفترة، لإتقانهم لذلك العمل، وتلك الشهرة تحققت لأن نظرتنا للأجانب كانت مختلفة في تلك الفترة، حيث أنهم كانوا يعيشون في مصر وتجنسوا وانخرطوا في العمل بها وأصبحوا موظفين حكوميين، كما تنامى المعمار السكندري في تلك الفترة، حيث كان له انعكاسات سياسية، خاصة عندما أرات مصر الانفصال عن الدولة العثمانية، تجاهلت حينها الطرز المعمارية العثمانية، وبدأ الاتجاه للطابع المصري الذي كان غني للغاية، فبدأ العمل بالتراث المعماري الإسلامي المصري وتم مزجه فظهر الجمال الموجود في مساجد الإسكندرية.
الحفاظ على التراث المعماري الإسلامي
وأكد عاصم، أنه يجب على كل مصري أن يشاهد مدى الجمال في التصميمات والفن الموجود بداخل مساجد الإسكندرية، مثل مسجد سيدي تمراز والذي يبعد عن مسجد أبو العباس ببحري، بما يقرب من 200 متر فقط، وهو من المساجد الجميلة التي استخدم فيها المعماري الفسيفساء باللونين الاخضر والذهبي في المحراب، و«الشخشيخة» التي تم تصميمها بزخارف مميزة، كما نجد أن مسجد الصيني أو أحمد سالم، هو أحد أجمل المساجد في مصر وليس في الإسكندرية فقط، بالخطوط المستخدمة به، فضلًا عن استخدام نجف «الموارنو» الضخم والذي جاء به من إيطاليا ليوضع في المساجد ومنها مسجد على شعراوي وأحمد يحيى.
وشدد أستاذ التاريخ المعاصر على الحفاظ على تلك المساجد، قائلًا: «دائما نؤكد أن هذا جزء من تراثنا المهم الذي يجب أن نحافظ عليه، وأي نوع من انواع إهماله يؤثر بصورة كبيرة على ما نورثه لاحفادنا، حيث يتم تشويه هذا التراث بغير قصد، بمبرر إنشاء مصلى السيدات، ويتم إضافة جزء للسيدات في بعض المساجد التي أثرت على التصميم المعماري للمسجد، ومن فكر بإضافة جزء خاص لمصلي السيدات في مسجد، كان الملك فاروق عند تفقد مسجد ابو العباس المرسي أثناء إنشائه».
وأشار إلى أن الإسكندرية تزخر بالمساجد التي لكل منها تاريخ وقصة، لافتًا إلى أنه تم نشر الكثير عنها من خلال منشورات ومقالات عن مساجد الإسكندرية، والتي تم نشر بعضها في كتاب ذاكرة مصر بمكتبة الإسكندرية، وسوف تخرج قريبًا كتبًا تتحدث عن تاريخ كل مسجد في الإسكندرية وصاحب كل مسجد لأن هؤلاء كل منهم ورائه قصة يجب أن تروى.