خبراء لـ«الدستور»: توافق مصري سوداني بشأن سد النهضة.. وكفتهما هي الراجحة
أكد خبراء الشؤون الإفريقية والدولية، أن المفاوضات الجارية مع إثيوبيا فيما يخص قضية سد النهضة استنفذت الطرق كافة، مشددين على أن الأزمة باتت قضية أمن قومي والتحركات الأخيرة تضع أديس أبابا في عزلة تامة، كما أن المجتمع الدولي بات يشعر بقلق شديد خاصة أن كفة مصر والسودان الآن أصبحتا هي الراجحة، بينما أصبحت إثيوبيا مدانة بشكلٍ كامل.
العالم يشهد تعنت إثيوبيا
وفي هذا الصدد، قال الدكتور هاني رسلان، مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن اتخاذ جامعة الدول العربية قرارًا فيما يتعلق بسد النهضة مسألة مهمة إذ أنه يضيف للثقل التفاوضي ولمطالب مصر والسودان، كما يضيف لهما وزن أكبر تجاه المجتمع الدولي، خاصة أن العالم الآن يشهد مدى التعنت الإثيوبي، وأن الحكومة الإثيوبية تفتقد المنطق والعقلانية بشكلٍ كامل وأصبحت دولة خارجة عن القانون.
وأضاف لـ«الدستور»، أن تصريحات وزيرة خارجية السودان تأتي في هذا السياق لأنها تطالب المجتمع الدولي بفرض عقوبات على الطرف الإثيوبي المخالف، إلا أن مسألة فرض عقوبات او اتخاذ اجراءات ضد إثيوبيا تخضع لتوازنات داخل مجلس الأمن وللدول صاحبة الفيتو.
وتابع رسلان: «نحن نعرف مسبقًا أن كلاً من الصين وروسيا تعارضان اتخاذ أي قرار من مجلس الأمن فيما يتعلق بقضايا المياه، لأن هذه الدول نفسها (الصين وروسيا) هي دول منابع ولديهم خشية أنه في حال صدور قرار من مجلس الأمن في هذا الشأن قد تعد سابقة تُطبق عليهما فيما بعد أو يتم المطالبة بالمثل».
عزلة وإدانة وكشف الأكاذيب
وأوضح أن مجمل هذه التحركات هي وضع إثيوبيا في عزلة تامة وإدانة موقفها وكشف الأكاذيب والمغالطات التي ظلت تروجها لفترة طويلة وإظهار أنها دولة تهدف إلى اعتبار النهر ملكًا خاصًا لها بالمخالفة للقانون الدولي، ومن ثَمّ تعرض مصر والسودان لمخاطر شديدة، وهذه أيضًا يرفضها القانون الدولي.
وذكر رسلان، أن الأهم في تصريحات مريم صادق المهدي، هو إعلانها عن تكوين لجنة دائمة للتنسيق بين الموقفين المصري والسوداني، وهو ما يظهر أن التنسيق بين البلدين بلغ مبلغًا وثيقًا للغاية، مما يعطي ثقل إضافي لمصر والسودان، ويظهر العزلة التي تعانيها إثيوبيا بسبب ما يحدث فيها بالداخل من إبادات وانتهاكات لحقوق الإنسان، بالإضافة إلى أن مواقفها فيما يتعلق بسد النهضة أصبحت تهدد الاستقرار في القرن الإفريقي بالكامل وفي شرق إفريقيا.
الكفة الراجحة
وأشار إلى أن المجتمع الدولي بات يشعر بقلق شديد كما عبر قائد القيادة المركزية الأمريكية حين قال إن الموقف الإثيوبي في هذا الشأن مثير للقلق ويمثل مشكلة كبيرة للولايات المتحدة الأمريكية.
وصرح رسلان: «من حسن الحظ أن إثيوبيا فشلت في استكمال الملء الثاني أو استكمال التعلية، وبالتالي، من المتوقع أن يكون الملء الثاني محدود الكمية، وهذا يترك الخيار العسكري قائمًا لمدة عام قادم»، لافتًا إلى أن هذه المرحلة من هذا العام ستكون موجهة للضغوط الدبلوماسية والسياسية وخاصة أن كفة مصر والسودان الآن أصبحت هي الراجحة، بينما أصبحت إثيوبيا مدانة بشكلٍ كامل.
قضية أمن قومي
من جانبه، قال الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن قضية «سد النهضة» هي قضية أمن قومي، والمؤسسات الدولية لن تفعل شئ في هذا الشأن، مشيرًا إلى أنه تم إجراء مفاوضات برعاية الولايات المتحدة والبنك الدولي في أمريكا، كما أن مصر استمرت في التفاوض مع أثيوبيا على مدار 10 سنوات؛ إما بالموافقة على اتفاق ملزم قانوني نستطيع من خلاله أن نكون شركاء في تشغيل السد، أو وقف أعمال البناء.
وأضاف غباشي، لـ«الدستور» أن تصريحات وزيرة خارجية السودان مريم صادق المهدي، والتصريحات الصادرة من مصر أو من أي طرف آخر، مفادها كلمة واحدة أن الامن القومي المائي مهدد وبالتالي القرار سيادي في المقام الأول لمصر والسودان.
وأوضح أن السبب وراء استماتة إثيوبيا في عملية الملء الثاني للسد، هو تحقق «أمان السد» حيث يستحيل بعد الملء الثاني تخريبه أو ضربه، نظرًا لما يشكله من ضرر كبير للسودان.
مخرج نيابي
وأكد غباشي، أن المخرج الحالي بالنسبة لمصر والسودان هو أن يجتمع مجلسي النواب في كلا الدولتين ويناقش اتفاق المبادئ الذي قُدِم عام 2015، ويقر مجلسي النواب في كلا الدولتين بأنه لا يوافق على هذا الإطار الذي تم التوقيع عليه، وبناءً عليه تُحَل مصر من أي اتفاق وتكون مخيرة بين التزام إثيوبيا أو يكون قرارها سيادي، موضحًا أن ما هو متاح لنا اليوم قد لا يصبح متاحًا بعد عام.
وذكر نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن المواقف العربية أو الخليجية أو الدولية المؤيدة لمصر تعطيها شكل من أشكال الأمان في حال اتخاذ مصر إجراء عنيف ضد إثيوبيا فيما يخص قضية سد النهضة.
وأوضح أنه لن يكون هناك تعاطف مع إثيوبيا بعد استنفاذ كافة الطرق، حيث أكدت جامعة الدول العربية تأييدها لمصر والسودان، كما أن هناك دول غربية وإفريقية أعربت عن دعمها لمصر بعد التعنت الإثيوبي.
وأشار غباشي، إلى أن إثيوبيا لن يجدي معها وسائل ضغط، حيث فشلت الولايات المتحدة والبنك الدولي في المفاوضات التي عُقِدَت برعاية أمريكية، وإثيوبيا في النهاية لم توقِع وهربت.
توافق مصري سوداني
وفيما يخص التوافق المصري السوداني، قال غباشي، إن الجانبين المصري والسوداني متوافقان خلال السنوات الأخيرة، على الرغم من أن الموقف السوداني كان في البدايات أكثر ميلًا للموقف الأثيوبي، إلا أنه أصبح متجاوبًا مع الموقف المصري الآن، ويجب أن يرتقى هذا التجاوب إلى خطورة ما تفعله أثيوبيا.
ورأى نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن الجانب الإثيوبي يمارس ما مارسه الجانب الإسرائيلي خلال مفاوضاته مع الفلسطينيين، لافتًا إلى أن الخطر الحالي على محددات الأمن القوي تدفع باستخدام القوة الخشنة وليس القوى الناعمة من خلال التفاوض، إذ أن المفاوضات لم تكن بحاجة إلى 10 سنوات أو حتى 10 شهور، وإنما هو مرتبط بمبدأ أن هناك خطر يهدد الأمن القومي وهو خطر محدق، ولكن المفاوضات استُنفِذت، وباتت الأخطار أكبر بكثير من المنافع خلال الفترة المقبلة.