«الانهيار الكبير».. خبراء من 5 دول يتحدثون عن «نهاية الإخوان»
تعيش جماعة الإخوان الإرهابية حاليًا أضعف فترة فى تاريخها، بعدما أصبحت الشعوب والحكومات على وعى تام بخطورتها وإرهابها وطبيعة أجندتها الرامية للسيطرة على الدول ومقدراتها.
وتدفع حالة التفكك هذه إلى طرح سؤال جوهرى حول مستقبل هذه الجماعة، وهل من الممكن أن تقوم لها قائمة مرة أخرى، فى ظل تاريخها الملىء بمراحل السقوط والصعود، وقدرتها على التلون والتخفى واختراق المؤسسات.
«الدستور» طرحت تلك الأسئلة على مجموعة من الخبراء فى ملف الإسلام السياسى والتطرف فى نحو ٥ دول مختلفة، الذين أجمعوا على أن التنظيم يعيش مرحلة انهياره كليًا، لكنه ما زال يمتلك بعض أدوات التخفى والتلون والتأثير رغم فقدان العديد من رموزه تأثيرهم بعد انتشار فضائحهم بين المجتمعات المختلفة.
قدم الخبراء تحليلات دقيقة للوضع الحالى داخل جماعة الإخوان، وكيف يفكر عناصرها ويعملون ويخططون، وغيرها من التفاصيل التى نطالعها فى هذا الملف الشامل.
توقع الباحث البريطانى فرانسيسكو برونو، من مؤسسة «ITSS -Verona»، أن تعمل جماعة الإخوان الإرهابية على استعادة نفوذها المفقود فى عدة دول عبر إنشاء فروع محلية صغيرة، تنتهز الفرص المتاحة للتوسع وتعبئة الصفوف من جديد، وفقًا للأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية لكل مجتمع.
بريطانيا.. فرانسيسكو برونو: تحاول العودة بتنظيمات محلية صغيرة
■ هل يتراجع تأثير جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها «الإخوان»، حاليًا ومستقبلًا بعد فضح أهداف هذه التنظيمات وأجنداتها الخفية سواء فى الشرق الأوسط أو الغرب؟
- الأمر يترتب على عدة عوامل، منها طبيعة فروع جماعة الإخوان والشخصيات التى تديرها، والعناصر الناشطة فيها، وكيفية رؤية هؤلاء لرسالة التنظيم، وخطتهم فى الاقتراب من الهياكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية فى بيئات مختلفة، ومدى قدرة الجماعة على تكييف رسالتها مع الجماهير ومع طبيعة هذه الهياكل.
وأرى أن الجماعة يمكنها فى هذه الحالة إنشاء فروع محلية صغيرة، وانتهاز الفرص المتاحة للتوسع والتعبئة من جديد، اعتمادًا على الأحوال الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية للمواطنين داخل كل دولة.
■ فى تقديرك.. من أين تكتسب الجماعة هذه القدرة على التكيف؟
- الجماعة تمتلك قابلية عالية للتكيف اجتماعيًا وسياسيًا لعدة أسباب، ففى عالم السياسة تعد «الإخوان» ظاهرة مثيرة للاهتمام، فهى تتسم بالأيديولوجيا المتنوعة، والعدد الكبير من المنضمين أو المتعاطفين معها، بالإضافة إلى شبكتها الممتدة فى أكثر من ٧٠ دولة.
وأيديولوجيًا، نجد فى الجماعة فكر سيد قطب بإنتاجه الواسع، الذى يعد إحدى الشخصيات البارزة فى تاريخ الجماعة، والمؤسس الحقيقى للنشاط المتطرف والمتشدد لها ولغيرها من تنظيمات الإسلام السياسى، ومن ناحية أخرى، نجد فى الجماعة أصواتًا أكثر اعتدالًا، مثل المرشد حسن الهضيبى، الذى رفض أفكار «قطب» العنيفة، وهذان الموقفان يظهران بصورة منتظمة فى مسيرة الجماعة، ويخلقان تنوعها الأيديولوجى المثير للاهتمام، والذى يسمح لها بالعودة مجددًا بعد فترات الضعف.
سويسرا.. إيان هامل: قوتها ضعفت فى معظم الدول العربية
أكد الكاتب والمحلل السويسرى إيان هامل، المتخصص فى شئون الإسلام السياسى، أن الجماعة الإرهابية، رغم ما تعانى منه من ضعف فى كثير من الدول العربية، إلا أنها مازالت تتمتع بالقوة فى أوروبا والولايات المتحدة، نظرًا لدعمها من بعض السياسيين الباحثين عن أصوات الجماعة فى الانتخابات المحلية. وأضاف أن الدول الغربية لم تتخذ أى إجراءات حقيقية لمواجهة الإسلام السياسى، مشيرًا إلى أن العناصر المتطرفة تخطط لاستعادة نفوذها المفقود، كما تعمل حاليًا على الانتشار وتثبيت أقدامها فى القارة الإفريقية كلها، بدءًا من موزمبيق فى الشرق، وحتى دول الساحل والصحراء فى الغرب والوسط.
■ هل يتراجع تأثير جماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها «الإخوان» حاليًا ومستقبلًا بعد فضح أهداف هذه التنظيمات وأجنداتها الخفية، سواء فى الشرق الأوسط أو الغرب؟
- قوة جماعة الإخوان وغيرها من جماعات الإسلام السياسى قد ضعفت بالفعل، خاصة فى بعض الدول العربية، مثل مصر والإمارات والسعودية، لكن هذا الضعف أقل وضوحًا فى أوروبا.
■ ما الدولة الغربية التى اتخذت أكثر الإجراءات فاعلية لمواجهة الإسلام السياسى؟
- فى الوقت الحالى لا تعمل الدول الأوروبية والولايات المتحدة بشكل كافٍ على حظر جماعة الإخوان، ومؤخرًا أجريت مقابلة مع رئيس جمعية الصحفيين الإماراتية الكاتب محمد الحمادى، مؤلف كتاب «خريف الإخوان»، الذى أبدى اندهاشه من كون الغربيين لا يزالون لا يرون خطر الإخوان.
وفى رأيى، لم تتخذ أى دولة فى أوروبا وأمريكا أى إجراءات فعالة لمحاربة تنظيمات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان، والبلد الأكثر تأخرًا فى ذلك هو بلجيكا، الذى يحكم التنظيم فيه بعض المدن.
ويرجع ذلك إلى أن جماعة الإخوان تعتمد على دعم مالى ومعنوى كبير من بعض الدول، كما أن بعض السياسيين الأوروبيين والمرشحين فى الانتخابات المحلية وحتى الانتخابات العامة يدعمون عناصر الإسلام السياسى، خاصة من تيار اليسار الذى لم تعد الطبقة العاملة فى أوروبا تصوت له، وذلك حتى يضمن المرشح أصوات الإسلام السياسى فى الانتخابات، حتى لو اختلف معه أيديولوجيًا.
■ هل تعتقد أن الجماعة ستستعيد نفوذها مرة أخرى فى الدول التى فقدت السيطرة عليها؟
- منظمات الإسلام السياسى اعتادت العمل فى الخفاء لسنوات طويلة، وبالتأكيد ستحاول استعادة نفوذها المفقود مجددًا، وهى، فى الوقت الحالى، تستهدف إفريقيا كلها، وليس فقط دول الساحل والصحراء، فعناصر الإسلام السياسى المتطرفة ينشطون فى إفريقيا من موزمبيق فى الشرق، وحتى أقصى غرب القارة، وأخشى أنهم أثبتوا وجودهم بقوة فى دول مثل مدغشقر وجزر القمر.
■ هل فقدت رموز هذه الجماعات فى أوروبا وعلى رأسهم الإخوانى طارق رمضان تأثيرهم على الشباب فى أوروبا بعد تكرار فضائحهم؟
- طارق رمضان فقد بالفعل كثيرًا من شعبيته، خاصة بين الشباب، لكنه لا يزال مدعوًا للكتابة والظهور فى عدد من الصحف والمحطات الإذاعية والتليفزيونية، نظرًا لأن لديه عشرات المحامين للدفاع عنه، كما أنه لا يزال يتمتع بدعم مالى كبير.
إيران.. شاهين مودارس: فَقَدتْ قاعدة جماهيرية كبيرة فى الغرب
قال الإيرانى شاهين مودارس، الباحث فى الفريق الجولى للدراسات الأمنية بالمؤسسة البريطانية الإيطالية «ITSS-Verona»، إن جماعات الإسلام السياسى، وعلى رأسها جماعة «الإخوان» الإرهابية، تتسم بالمرونة فى بنائها من لحظة التأسيس، ما يجعلها قادرة على إعادة إحياء التنظيم مستقبلًا، رغم ما تعرضت له من ضعف شديد نتيجة فشل تجربتها فى حكم مصر، وانكشاف أهدافها الحقيقية، سواء فى الشرق الأوسط أو الغرب.
■ هل يتراجع تأثير جماعات الإسلام السياسى وعلى رأسها «الإخوان» بعد فضح أهدافها وأجنداتها الخفية؟
- جماعة الإخوان، على عكس مظهرها الجامد، هى جماعة مرنة للغاية، وهذه المرونة ترسخت منذ عهد مؤسسها حسن البنا، وكذلك فى عهد سيد قطب، فـ«البنا» لاحظ أن التيار السلفى فى مصر غير مرن لتحقيق أهدافه، لهذا أنشأ الجماعة وأسس لها هيكلًا واسعًا، جعل تأثيرها أكبر وأوسع نطاقًا حتى من الهياكل السياسية التقليدية.
ففى مصر، على سبيل المثال، نجحت الجماعة فى الوصول إلى سدة الحكم، لكن ذلك كشف عن وجهها الحقيقى وعدم كفاءتها السياسية أو قدرتها على إدارة دولة، رغم مرور ٩٠ عامًا على إدارتها كيانات موازية، كما أن تجربتها أضرت بمصر بشدة فى جميع مناحى الحياة، على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها.
ورغم أن الجماعة وكل جماعات الإسلام السياسى تعانى حاليًا من ضعف كبير فى الشرق الأوسط، كما فقدت قاعدة جماهيرية كبيرة فى الغرب، ورغم أنها تتوق إلى نهج شمولى يتضمن التدخل فى جميع جوانب الدولة والحكومة الحديثة، مع زراعة الأيديولوجية الخاصة بها داخل عقول الشباب- إلا أنها تتسم بالمرونة والقدرة على النهوض من مرحلة الضعف إلى القوة، وذلك عبر استحداث أشكال جديدة وأسماء جديدة للتنظيم، وهو ما فعلته أكثر من مرة من قبل، ويمكنها تكراره فى المستقبل.
■ هل فقد رموز هذه الجماعات فى أوروبا، وعلى رأسهم الإخوانى طارق رمضان، تأثيرهم على الشباب فى أوروبا بعد تكرار فضائحهم؟
- شرعية الرمز تأتى من السياق التاريخى والطبيعة الكاريزمية للشخص نفسه، وعادة تعتمد الحركات والأيديولوجيات على الشخص ذى الجاذبية والشرعية لتوسيع نفوذها ونطاقها الاجتماعى.
وكل حركات الإسلام السياسى تقريبًا لا تختار «الرمز» من الشخصيات المؤهلة أو الأكثر ذكاء أو علمًا، بل من الشخصيات الأكثر جاذبية، ليلعب «الرمز» دورًا رئيسيًا لنشر الأفكار والمساهمة فى تطور الأيديولوجية، خاصة فى المرحلة التى يطلقون عليها اسم «الدعوة»، التى تتضمن نشر فكر الإخوان وكل جماعات الإسلام السياسى.
وهنا لا يمكن أن يكون الشخص الذى يروج للأيديولوجية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، واعظًا من المدرسة القديمة التى تروج علنًا لخطاب الكراهية، لكن يجب أن يكون متكيفًا مع زمانه ومكانه لحصد المكاسب والدعم له ولجماعته.
وفى حالة الإخوان، كان طارق رمضان شخصية مناسبة للترويج لأفكار التنظيم لعدة عوامل، من أهمها أن لديه الشرعية لكونه حفيد المؤسس حسن البنا، وصلة الدم هذه تعد شكلًا من أشكال الشرعية التاريخية وتنشئ نوعًا من الرابطة التى تحدّث عنها المؤرخ «ابن خلدون» فى مقدمته، وسماها «العصبية»، وتعنى الانتماء أو الولاء لفكرة أو لمؤسس، مثل القرابة بين القبيلة الواحدة، وهذه نزعة طبيعية عند البشر.
أما ثانى العوامل فى أهمية طارق رمضان كرمز إخوانى فهو أنه يمتلك السياق القانونى، النابع من نوع دراسته ومهنته كأستاذ فى جامعة «أكسفورد» العريقة، وأخيرًا، فإنه شخصية «شبه جذابة» تقدم حججًا منظمة جيدًا حول فكر الإخوان والإسلام السياسى، فى معطف حديث، من خلال إثارة المشاعر المعادية للغرب، وذلك بنفس طريقة جده «البنا» وكذلك سيد قطب، والتى تعتمد على الخطابات الحديثة والمغلّفة ببراعة.
ومع كل ذلك فإن قضايا الاغتصاب التى تلاحق طارق رمضان أضرت بمصداقيته وشرعيته على نطاق واسع، حتى الآن، ورغم كل ما يمتلكه من عوامل الشرعية، إلا أنه تأثر بذلك، لكن تجدر ملاحظة أنه ليس الرمز الوحيد للجماعة ولا المروِّج الوحيد لأفكارها، لذا فإن تأثير الجماعة مستمر.