في ذكرى رحيله.. قصة أول غرام في حياة نجيب الريحاني
في ذكرى رحيل "فنان الشعب" نجيب الريحاني الذي رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم الثامن من يونيو عام 1949م، نعود إلى مذكراته التي نشرتها دار الهلال بعد وفاته بعشرة سنوات والتى كتبها بنفسه وقدمها صديقه بديع خيري.
وعن أول غرام في حياته، يقول الريحاني في مذكراته: "كنا نجلس في قهوة إسكندر فرح المجاورة لمسرحه بشارع عبد العزيز (سينما أولمبيا الآن) وكان بين الممثلين من زبائن هذه القهوة علي أفندي يوسف الذي أصبح بعد ذلك من عتاة متعهدي الحفلات، وكان له "طقطوقة" من بين الممثلات ما تزال إلى اليوم في عنفوان.. "الشيخوخة" تحتل أحد أركان قهوة الفن، كما كانت في الماضي تأوي إلى مثل هذا الموضع من قهوة إسكندر فرح، وتلك "الطقطوقة" هي السيدة (ص. ق). كان علي يوسف يعتز بصداقة هذه الفتاة "باعتبار ما كان" فلما كنت أذهب لأشاركهما في الحديث، كانت نظرة فابتسامة فمش عارف إيه … فشبكان!! وظلت أواصر الصداقة تنمو بيني وبين فتاة علي يوسف هذه، بينما كانت تتراخى بينها وبين صديقها، دون أن يعلم الرجل من أمرنا شيئا!! وأخيرا "لعب الفار في عبه".. وقاتل لله الفيران كلها من أجل خاطر هذا الذي لعب في عب أبي يوسف. أقول إن الشك بدأ يساوره، لكنه كان علي جانب كبير من اللؤم، فلم يبد لنا شيئا مما في نفسه، وعمل على مراقبتنا من حيث لا نشعر!".
يواصل “الريحاني”: "كنت في ذلك الوقت "ظبيا" في السادسة عشرة أو السابعة عشرة من عمري، ومع عدم المساس بفضيلة التواضع أرى ألا مانع من الاعتراف أن«خلقتي» لم تكن لتقارن بـ… أستغفر لله العظيم، خلقة الصديق اللطيف علي يوسف، زد علي ذلك أنني كنت موظفا مضمون الإيراد، في حين كان منافسي (يا مولاي كما خلقتني). كل هذه العوامل شدت أزري وقوت سببي فاتفقت مع الغزال النافر، على تمضية نهاية الأسبوع في الإسكندرية بعيدا عن علي يوسف ورقابته القاسية. ومعروف أن يوم الأحد هو موعد العطلة الأسبوعية في البنوك، فحصل الرضا والاتفاق بيني وبين… محبوبي!! على أن نغادر القاهرة ظهر السبت إلى الثغر، ثم نعود منه صباح الاثنين ولكن اسمع ماذا حدث، قبل موعد الخروج من البنك زارني في مكتبي الصديق علي يوسف وألح علي في أن أقرضه شيئا من المال لأنه دعا بعض زملائه إلى نزهة خلوية، ولذلك يحتاج إلى كذا من "الفلوس" فأعطيته ما طلب … وأنا أحمد لله على«زحلقته» وأدعو بطول العمر لأصدقائه أولئك الذين شغلوه عني في هذا الظرف السعيد. وودعت أبا يوسف إلى الباب وعدت إلى مكتبي مطمئنا. وفي الموعد المحدد قصدت إلى محطة سكة الحديد فوجدت«الكتكوتة» على أحر من الجمر في انتظاري على رصيف القطار الذي امتطيناه وقلوبنا ترقص فرحا".
ويستعيد بقية الحكاية فيقول: "وسار القطار بنا ينهب الأرض نهبا ونحن نحلم بالسعادة التي سترفرف علينا بأجنحتها في الثغر الباسم! ووصل بنا القطار إلى الإسكندرية فنزلنا نسير وخلفنا «الشيال» يحمل حقيبتنا وما كدت أسير خطوات متأبطا ذراع المحبوبة، حتى برز أمامي عزرائيل! في ثياب الصديق الملعون.. علي يوسف!! لقد اقترض اللعين مالي.. واشترى منه تذكرة السفر وجاء معنا في عربة أخرى بالقطار نفسه، وراح يستقبلنا هاشا باشا مرحبا، وهو يمد يده لي بالتحية شاكرا إياي على قيامي بدفع نفقات السفر، لحضرته ولحضرة بسلامتها «الست المصونة والجوهرة المكنونة».. التي استلبها مني وتركاني أعض بنان الندم.. ولات ساعة مندم!! أصارحك أيها القارئ الحبيب بأن الدنيا أظلمت في عيني في تلك اللحظة. وأحمد لله إذ كنت خلوا من السلاح. ولم أكن أحمل حتى ولا سكينة البصل، فأغسل بها الشرف الرفيع من الأذى!! وذهب العاشقان بينما ظللت واقفا في مكاني، حتى دنت ساعة القطار العائد إلى مصر فامتطيته وجئت أضرب أخماسا في أسداس!".