رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا تظل قضية الفرص الضائعة


تعددت على مدى تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي تحديدًا الفرص وطُرحت الخيارات وعُرضت البدائل من رحم المواجهات الحربية أو على موائد التفاوض، أو على هامش مقابلات لأطراف معنية بقضية العرب التاريخية.. بعض تلك الفرص لو تم البناء عليها واستثمار أطروحاتها لتغيرت على أرض الواقع أمور كثيرة ولتحققت مكاسب أقلها الانتقال من المربع صفر إلى مواقع للتفاوض من شأنها تغيير مواصفات وشكل المفاوض الفلسطيني أو المفاوض العربي.
بعد أن تابعنا عبر كل وكالات الأنباء كيف هز وجدان العالم كله بشاعة الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة الدموية الجنونية على الشعب الفلسطيني في غزة، وحالة الدمار الشاملة للبشر والحجر التي خلفتها، وتعم المظاهرات الغاضبة المستنكرة العديد من عواصم الدنيا، ويخرج الرئيس الأمريكي بتصريحات لم نعهدها من قبل من الجانب الأمريكي واتصالات بالرئيس المصري يبدى فيها تأييده للموقف المصري، وعلى صدر صفحاتها تنشر "نيويورك تايمز" الشهيرة كل صور الأطفال الفلسطينيين ضحايا العدوان الإسرائيلي في اعتراف باستهداف المدنيين وبوحشية المعتدي وبشكل غير مسبوق في الإعلام الأمريكي، وتابعت الصحافة والمواقع الإخبارية ما نشرته صحيفة «هآرتس»، على أولى صفحاتها صورا لـ٦٧ طفلًا استشهد في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وأكدت الصحيفة أنها حصلت على هويات الأطفال الشهداء وصورهم وظروف وفاتهم من آبائهم وأقاربهم ومعلمين في غزة ومنظمات حقوقية دولية ومسئولين فلسطينيين فضلًا عن شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام في غزة وإسرائيل، وأشارت إلى أنه تم التحقق من معظم التفاصيل من قبل مصادر مختلفة.
وقالت الصحيفة في صفحتها الأولى إن 67 طفلًا قتلوا بصواريخ سلاح الجو الإسرائيلي ضد قطاع غزة خلال التصعيد الأخير، مضيفة أن هذا هو ثمن الحرب وموقف مصري عظيم ورائع مساند وداعم ومشارك ومحتوٍ ومدافع عن الحق الفلسطيني.. بعد النظر والتوقف عند تلك الأحداث والمواقف وبدايات بعض المتغيرات، ليبقى في النهاية السؤال: ألا تشكل تلك الحالة فرصة جديدة ينبغي الاحتشاد وتجميع كل القوى لاستثمارها والبناء على معطياتها الإيجابية لصالح القضية التي لم يعد من المحتمل أو المقبول إهدار أي فرص جديدة بشأنها؟ 
وأتوقف عند المطلوب فلسطينيًا:
أهمية وجود مشروع وطني وسياسي يلتقي عليه كل الفلسطينيين، ويناضلون ويتحملون تبعاته.
ضرورة الخروج من حالة الانقسام الفلسطيني، وإعادة الكلام حول بناء منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني؛ للعمل على إعادة الاعتبار للشعب الفلسطيني اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
لقد دعا الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية مصطفى البرغوثي منذ أكثر من عام إلى وضع الخلافات الفلسطينية الداخلية جانبًا والتوجه للالتحام والوحدة بسرعة، وقال لـ"المركز الفلسطيني للإعلام" "النضال الوطني الفلسطيني لم يعد فقط ضد الاحتلال، وإنما نضال لإسقاط نظام "الأبارتهايد" العنصري في كل فلسطين".
وأتفق مع الكاتب والمفكر الكبير سمير مرقص فيما أكد عليه في مقال له "لولا النضالات المواطنية - من قبل الجميع - ما كانت هناك حقائق تاريخية تتشكل منها الثوابت الحضارية المميزة للشخصية القومية.. إنها العملية التى تتجدد بها الأوطان والتى وصفها المفكر الكبير «قسطنطين زريق» (1909 - 2000) بأنها عملية: «صنع جديد للحياة».. تحية للمقاومين الجدد الذين - فيما أعتقد - أحدثوا خلخلة فى الاستقرار القسرى، وحالوا دون إتمام صفقة مجحفة.. وأذكر فى هذا المقام كلمات للشاعر محمد إبراهيم أبوسنة (1937 أمد الله فى عمره) من ديوان «حديقة الشتاء» القائلة على لسان كل مقاوم يصنع التاريخ والحضارة:
حينما قبلت هذه المجازفة.. تفتحت أمامى الكنوز.. سقطت على يدى
وحينما قامرت بالمصير.. انهارت الأغلال وامتلكت ساعدى
فحين تفتح الشجاعة الأبواب.. نذوق دونما ندم: فواكه المغامرة
وتجرى الدماء فى عروق أجمل الأحلام
فنحن معشر المجازفين.. نريد حينما نبايع الوطن
أن تستمر هذه المخاطرة.. جريئة إلى الأبد
لنقطف السعادة المحاصرة.. من فوق أغصن اللهب
لا تشفقوا علىَّ.. فها أنا الذى خسرت قد كسبت كل شىء.