«الطفولة فى حياتهم».. هند جعفر: كل شىء كان ملونا
عن صورة الطفولة في حياتهم، والسنوات الأولى، عن الجنة والجحيم، عن التطرف الجميل في اللعب مع الوقت، عن ما وراء الصورة من حكايات، تحدث الكثير من الأدباء لـ«الدستور» عن هذه الفترة.
كل شيء كان ملونًا
تقول القاصة هند جعفر: "في طفولته يحسب المرء أنه لن يكبر أبدًا، يُدْمِغ يقينه هذا بوقائع طفولة سعيدة لا مكان فيها إلا لوقائع اللعب واللهو، والتهام الحلوى، والتعرف على جغرافيا محيطه بروح وثابة لا تعرف الخوف، ولا يعكر صفوها سوى قرارات العقاب العابرة والتي تتوارى فيما بعد داخل بهجة المشهد بكامله".
وتضيف: "قد كانت طفولتي سعيدة، سعيدة للغاية... كل شىء كان ملونًا وزاهيًا، حتى أني تمنيت وقتها أن أعلق في تلك الأيام إلى الأبد، وألا يتناوب الليل والنهار، ويضاعف الزمن إلى ما لا نهاية ساعات لعبي التي كانت تبدأ في السادسة مساء وتنتهي شتاء في العاشرة إن وافقت الأيام يوم خميس وهو يوم تنفس الصعداء لطلاب المرحلة الإبتدائية في زماني، وقد تطول تلك الساعات صيفًا فتصل أحيانًا إلى الثانية عشرة صباحًا بشكل يومي، لم يقطعها سوى صوت أمي التي تهدد وتتوعد بعلقة إن لم أدخل بيتنا الآن".
الإسماعيلية البيت الأول
وتابعت هند جعفر: "وسط براح أسفلتي كبير أمام بيتنا في الإسماعيلية تشارك خباياه ما يقارب العشرين طفلًا وطفلة، انتموا كلهم إلى عائلة واحدة ما عداي أنا وصديقة أخرى، تشاركنا الجري ولعب الكرة، وتناوبنا الاختباء، وسباق الدراجات، وتنافسنا على ابتكار ألعاب جديدة وتسميتها بأسماء مميزة، ولن أبالغ إن قلت إن رائحة الصيف في الإسماعيلية وتلك المياه التي كان بعض الجيران حريصين على رشها لترطيب حرارة الأسفلت مازالت تنعش خلاياي حتى الآن بعد مرور أكثر من عقدين ونصف من الزمان".
الإسكندرية الرحلة الأولى
وتتذكر: "أتذكر رحلة قامت بها العائلة إلى الإسكندرية، وقفت وأنا أبلغ من العمر ثماني سنوات على ضفة أحد شوارع الشاطبي أنظر بانبهار وحذر إلى الضفة الأخرى من الشارع، سبب حذري كانت مساحة الطريق الواسعة، والتي كان علي أن أعبرها وحدي وسط كم من السيارات المتسارعة بُغية الوصول لمقام انبهاري، وهو محل كبير يبيع الحلوى ولعب الأطفال... لا أتذكر الآن كيف فعلتها وعبرت خط أحلامي واشتريت مسدس نشان صغير، وطقم لأدوات البحر يتكون من: جاروف، وجردل، ورشاش مياه، عدت بهم إلى الإسماعيلية لينضموا إلى رفقة أخرى هناك".
وتضيف القاصة هند جعفر: "بعدها بسنوات ساقتني الأقدار الرحيمة إلى أن أنتقل إلى الإسكندرية، وأتخذ من مدينة الرب مقام الإقامة والعمل، وأن يكون عملي بجوار هذا الشارع تحديدًا، وحين تفحصته بعيون تقترب من الثلاثين فوجئت أنه لا يتسع إلا لسيارتين، أما محل العجائب فمازالت لافتاته حمراء كما أتذكرها ولكنها لم تعد زاهية بل أصبحت متربة كابية، ولم تعد أضواء النيون قادرة على مدَّها بالألق القديم، والغريب أنه أصبح أقرب إلى كشك صغير منه إلى المحل الضخم القابع في ذاكرتي".
وتختم: "تمر السنوات، وقد يثقل الجسد ويكبل معه الروح، وندرك من تلك الصور القديمة التي نطالعها أحيانًا بحسرة وأحيانًا باشتياق أن الطفولة قد ولت إلى الأبد، ولكن من قال أن الطفل بداخلنا قد ولى هو الآخر؟".