إنذار بالطاعة.. خلاف بين القانون والشرع والضحية «الزوجة»
رنا خالد، 35 عامًا، تزوجت بعد قصة حب دامت سنوات كليتها السياحة والفنادق بجامعة حلوان، وأنجبت طفلين؛ أكبرهما 5 سنوات والأصغر سنتين، في بداية حياتها كباقي الحكايات لم تكن الحال ميسورة، فانتهز زوجها فرصة السفر للخارج لتحسين مستواهم المعيشي، بالفعل تمت عملية السفر لكن على عكس المتوقع.
تروي "رنا" بنبرة يملؤها الأسى، خلال حديثها مع "الدستور": عاد الزوج محملًا بالديون لأنه اضطر للاستدانة قبل سفره ليتمكن من تجميع المبلغ المطلوب لإتمام إجراءات السفر، والذي لم يكن موفقًا فيه ولم يكمل سوى عام واحد لم يتمكن خلاله من جمع المبلغ المطلوب لديونه، فكانت كأغلب السيدات خير سند لزوجها وعاونته على تلك الديون، وبعدها طلب منها تقديم طلب للحصول على قرض من البنك لكن باسمها لأنه كان بلا عمل وقتها وأراد البدء في مشروع جديد، فوافقته وتم الأمر.
وكانت المفاجأة بالنسبة لها أنه لم يقم بأي مشروع بل استغل مبلغ القرض في المخدرات بعد أن دخل في غياهبها في فترة الاستدانة ولم تكن الزوجة على علم بذلك، وحين اكتشفت ذلك حاولت ردعه عما يقوم به فما كان منه إلا أن ضربها وقام بتطليقها وهددها بأخذ الأطفال منها، وهي ليس لها حيلة في ذلك لأنها وحيدة ووالديها توفاهما الله، ثم أرسل الزوج إنذار بالطاعة لتعود إلى منزل الزوجية، فلم تستطع الاعتراض لأنها لم تملك تكلفة توكيل محامي لتخليصها من هذا العذاب فاضطرت للعودة.
قصة "رنا" واحدة من عشرات القضايا التي تمتلئ بها محاكم الأسرة، فقد وجد الأزواج في قانون "بيت الطاعة" منفذ للتهرب من دفع النفقة التي تطالبه بها زوجته في المحاكم، مستندًا إلى المادة 11 مكرر ثانيا من القانون رقم 20 لسنة 1929 المعدل بالقانون 100 لسنة 1985.
وتنص المادة على: "إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق توقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها وعليه أن يبين في هذا الإعلان المسكن".
ورغم أن الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، أكد أن العلماء في فقه المرأة ألغى ما يعرف ببيت الطاعة إلغاءً قانونيًا قاطعًا لما فيه من إهانة للزوجة، موضحًا أن العلماء نبهوا إلى أن ما يسمى ببيت الطاعة لا وجود له في الشريعة الإسلامية"، لكن لا تزال تلك القضايا موجودة ولم تتوقف.
في السطور التالية، تحدثت "الدستور" مع عدد من الزوجات اللاتي تم طلبهن في بيت الطاعة، حول أسباب اتخاذ أزواجهن هذه الخطوة تجاههن، وكيف قمن بالرد على تلك الخطوة سواء بالاستجابة أو الرفض، أيضًا يوضح لنا المختصين عن تلك القضايا ولماذا يلجأ لها الزوج.
"هنا": لأني وحيدة لم أستطع الفرار من العودة لجحيم الزوجية
هنا خالد، 21 عامًا، لديها طفلة صغيرة أتمت عامين من عمرها، تعيش في إحدى قرى محافظة الفيوم، لم يمر على زواجها فترة طويلة، كانت فيها خير زوجة، حيث تلبي طلبات بيتها وزوجها على أكمل وجه، واستمر الهدوء في هذا المنزل إلى أن حدث خلاف بسيط بينها وزوجها، لكن كان الخطأ في عرض ذلك الخلاف على الأهل، فكانت النتيجة أن زادت الأزمة بينهما حتى وصلت إلى الطلاق.
وانتقلت "هنا" إلى منزل والدها برفقة ابنتها، ثم قامت برفع قضية نفقة وتسليم منقولات، وفي المقابل رد عليها الزوج بقضيتي طاعة؛ الأولى قدمت اعتراض عليها قبل مرور 30 يومًا على الإنذار حتى لا يبطل وتضطر لتنفيذ الأمر، إلا أن الثانية كانت في صالحه من أول درجة، لكنها قامت برفع دعوى طلاق للضرر، فطلب القاضي شهودًا على ما قدمته، ولا تزال في انتظار تحديد مصيرها في جلسة الثلاثاء المقبل.
وتروي "هنا"، في ختام حديثها مع "الدستور"، أن تلك الأزمات تفاقمت بعد إعلان زواجه من أخرى، وأن منزل الزوجية الذي أراد أن تعود إليه يضم زوجته الثانية، وهو يريد أن يتملص من نفقتها وابنتها لذلك قدم تلك الدعوى.
نورا: نجحت في الطلاق والحصول على حقوقي بعد رفض "الطاعة"
القصة التالية لم تختلف عن شبيهاتها في الخطوات، لكنها نجحت في الحصول على حقوقها كاملة، هي نورا محمد، 30 عامًا، لديها طفل 5 سنوات، وتعيش في إحدى قرى محافظة سوهاج، دبت الخلافات مع زوجها الذي يكبرها بـ 10 سنوات مع بداية استلامه عمل جديد في محافظة القاهرة بعد أن تم نقله إلى فرع شركة المقاولات التي يعمل بها إلى القاهرة، فكان الزوج في البداية يعود بيته في نهاية كل أسبوع، لكنه بدأ يتهرب من المجيء إليه فتتباعد فترات وجوده التي قد تمتد إلى شهر.
انتاب "نورا" القلق من تلك التأخيرات ولم تعد تقتنع أن ذلك لزيادة الأعمال الموكلة إليه، فعزمت أن تفاجئ زوجها في القاهرة لتتأكد من الشكوك التي تساورها، وبالفعل وجدت أنه قد تزوج بأخرى دون علمها منذ ما يقرب من السنة، وتلك السنة كانت بداية الخلافات بينهما، فطلبت منه أن يطلقها ورفض ذلك.
بنبرة حزن، تابعت "نورا" حديثها مع "الدستور"، أنها لم تكن تنوي أن يلحق الخراب بمنزلها لكنها لم تستطع تحمل الفكرة، ورفعت دعوى طلاق، لكن الزوج رد عليها بإنذار الطاعة، تقول: "عملت اعتراض في الميعاد القانوني اللي هو 30 يوما من تاريخ استلامي للإنذار"، ولم يكسب الزوج تلك الجولة لاعتبار القاضي له غير أمين عليها وعلى قائمتها لأنها أيضًا وجهت دعوى قضائية له بتبديد قائمتها ومطالبة بنفقتها، وكانت أن نجحت الزوجة في الحصول على كافة حقوقها وتم الطلاق.
محامي: للمرأة الحق في الاعتراض على "الطاعة" خلال 30 يومًا
في الجزء الثاني من قصتنا، تحدثنا مع عدد من المختصين حول ذلك النوع من القضايا، والبداية كانت مع المحامي أحمد جمال، الذي أكد أنه إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق تتوقف نفقة الزوجة من تاريخ الامتناع، وتعتبر ممتنعة دون حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج إياها للعودة بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يشير في هذا الإعلان إلى المسكن.
وأوضح "جمال"، في تصريحاته لـ"الدستور"، أن للزوجة حق الاعتراض على هذا أمام المحكمة الابتدائية خلال 30 يومًا من تاريخ هذا الإعلان، وعليها أن توضح الأوجه الشرعية التي تستند إليها في امتناعها عن طاعته وإلا حُكم بعدم قبول اعتراضها، ويعتد بوقف نفقتها من تاريخ انتهاء ميعاد الاعتراض إذا لم تتقدم به في الميعاد.
ولفت أيضًا إلى أنه طالما المسكن غير شرعي لا يتم تنفيذ حكم الطاعة بناء على حكم القاضي نفسه، لكن إذا كان المسكن شرعيًا وتم رفض اعتراض الزوجة على الإنذار أصبحت "ناشز" في نظر القانون، وفي هذه الحالة عليها إرسال إنذار للزوج بالدخول في طاعته وأنها تسلم نفسها له لتفادي الحكم عليها واعتبارها ناشز.
أزهري: "بيت الطاعة" بمفهومه الحالي حرام شرعًا
ومن الناحية الشرعية، أوضح الدكتور عبدالعزيز النجار، أحد علماء الأزهر، أن المقصود بـ"بيت الطاعة" هو منزل الزوجية، حيث يطلب الزوج من زوجته العودة إلى منزلهما في حالة مغادرتها، مستنكرًا ما يقوم به الأزواج في الوقت الحالي من استغلال هذه النقطة في إذلال الزوجة وتبديد حقوقها، لذا فإن ما يتم بهذا الشكل محرم شرعًا.