رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

زورق «هنادى» والسباحة فى نهر الدم

بلغت بشاعة الاعتداءات الإسرائيلية على أهل غزة حد وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في كلمة له "إن ما تقوم به دولة الاحتلال الآن في قطاع غزة من اعتداءات وحشية على المدنيين، وقصف متعمد للبيوت والمنشآت وتدميرها على رءوس سكانها وتدمير البنى التحتية وقتل الأطفال والشيوخ والنساء، هو إرهاب دولة منظم وجرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي".
نعم "إرهاب دولة" فقد قصفت الطائرات الحربية في البداية شارع الوحدة، الذي يعد أحد أكثر الشوارع التجارية ازدحاما في المدينة، حيث تصطف على جانبيه المباني السكنية مع المتاجر والمخابز والمقاهي ومحلات الإلكترونيات في الطوابق الأرضية.
في حين بين المجلس النرويجي للاجئين في بداية الاعتداءات الوحشية أن عددا من الأطفال الذين قُتلوا في هذه الحرب كانوا يخضعون لبرامج نفسية واجتماعية تساعد الأطفال على التعامل مع الصدمات- وهي علامة على كيفية تعرض الأطفال بشكل متكرر للعنف.
وقالت "حذيفة يازجي"، المديرة الميدانية لمجلس اللاجئين: "إنها المرة الرابعة التي يتعرض فيها العديد منهم" للقصف حول منازلهم، مضيفة أن الآباء والأمهات يحاولون بيأس تهدئة أطفالهم المذعورين، حيث تتساقط القنابل، ويقولون للصغار إنها مجرد ألعاب نارية أو يحاولون تشكيل جبهة مبهجة.وقالت إن العنف سيؤثر بالطبع على نفسية هؤلاء الأطفال، ونتوقع أن الوضع سيكون أسوأ بكثير وسيحتاج المزيد من الأطفال إلى مزيد من الدعم".
ذكرتني تلك الأحداث بصورة الاستشهادية الفلسطينية "هنادي جرادات" يحملها زورق ورقي  في بحيرة بلون الدم، وبمصاحبة موسيقى "يوهان باخ" وكلمات إيمانية متبتلة منها: "قلبي يسبح في الدم.. لأن نتاج خطاياي في عيون الله المقدسة.. تحولني إلى وحش".
لتكتمل صورة عمل فنيــ عرض منذ أعوامــ كان بمثابة صرخة لفنان إسرائيلي ينتمي إلى نشطاء السلام وكان يعمل مظليا في سلاح الجو الإسرائيلي.. شهد السويديون هذا العمل في متحف التاريخ الوطني السويدي في حينه وكان ما كان وبفعل همجي لسفير إسرائيل في "ستوكهولم" خرج فيه عن كل حدود الدبلوماسية قام بقطع سلوك الكهرباء المضيئة للعمل الفني ولبحيرة الدم والإقدام على تهشيم العمل لأنه رأى فيه كشفا وافتضاحا لممارسات سلطات بلاده الدموية.
لقد قام السفير بفعل ديكتاتوري ضد مواطنه الذي لم يرتكب أي جرم ليقمع حريته في التعبير عن رأيه.. إنها الديمقراطية على الطريقة الإسرائيلية في التعامل مع مواطنيها، وتابعت كل الوسائل الإعلامية العربية والعالمية في حينه الحدث بتفاصيل لا مجال لإعادة التذكير بها، لكن الأهم ما تابعته وكالات الأنباء حول رد فعل الشارع السويدي الذي تمثل في صاحب العقار الذي تشغله السفارة الإسرائيلية وطرده للسفير والسفارة لأنه ببساطة لم يتخيل أن يضم بيته الجميل ظالما غاشما.. يلي ذلك الحدث سلسلة من الإجراءات القمعية والدموية في الأرض المحتلة وحتى كان الحادث الوحشي اغتيال الشيخ ياسين رمز المقاومة الفلسطينية والعربية.. ووصولًا لاعتداءات تدمير غزة الوحشية الأخيرة.
وكان قد ظهر بعد "زورق جرادات" عمل فني آخر هز ضمير العالم كله.. فيلم "آلام المسيح".. والذي ضمت مشاهده صورة تدفق الدم من جبين رمز المحبة والسلام والتي جاءت بمثابة تأكيد على دموية أجداد ذلك السفير الديمقراطي إياه منذ أكثر من ألفي عام عندما اختاروا السيد المسيح بعد تعذيبه للصلب بدلاً من اللص القاتل "باراباس".. ورغم هذا يقيم يهود العالم الدنيا ولا يقعدوها، يتهمون مخرج العمل بيل جبسون بمعاداة السامية.
ويعلق في حينه على ما حدث ورد الفعل الإسرائيلي الكاتب الساخر العبقري الراحل أحمد رجب  بأنه لم يعد يستبعد أن يبرئوا أنفسهم مستقبلاً وفي إطار قلبهم للحقائق ليقولوا إن المسئول عن قتل المسيح هو تنظيم القاعدة.