رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجدات هُنّ الجميلات

 

 

على غرار البطولة الجماعية لرجال كبار السن، والتي شاهدناها في فيلم "وقفة رجالة"، يأتي فيلم "أعز الوِلد"، في بطولة نسائية هذه المرة، وهو بدوره واحد من الأفلام ذات الموضوعات التي نَدِر طرحها في دور العرض التجارية، لبساطة موضوعه واعتماده على تقديم المشاعر الإنسانية والعلاقات العائلية، مثل المسلسل الدرامي الاجتماعي الذي كانأفراد الأسرة يلتفون حوله يوميًا الساعة السابعة والنصف مساء، قبل نشرة أخبار التاسعة.هذه الأعمال الدرامية لاقت القبول والإعجاب الجماهيري على مدار عقود. وبالمثل، حصل الفيلم على مثلها، هذه النوعية ربما صارتأقرب إلى قلوب المشاهدين أكثر من أفلام الأكشن والدراما النفسية وأعمال الغموض والعنف.
الفيلم، الذي تم عرضه على منصة شاهد الرقمية بعد الانتهاء من تصويره بعامين كاملين، يأتي عنوانه من مثل شعبي مصري شهير هو "أعز الوِلد هو وِلد الوِلد"، فالوحيد الذي يحبه المرء أكثر من ابنه هو ابن هذا الولد؛ وقد كان، حيث يدور الفيلم حول هذا النوع من الحب الذي يرتكز على المثل الشعبي، من خلال قصة اجتماعية خفيفة الظل تدعو إلى التفاعل العاطفي مع كل مشهد من أحداثها. 
الحكاية كتب السيناريو فنانان موهوبان هما شريف نجيب صاحب سيناريو أفلام "لا تراجع ولا استسلام" و"سيما علي بابا"، وجورج عزمي كاتب سيناريو فيلم "خير وبركة" ومشرف ورشة كتابة "أمين وشركاه" ومن إخراج سارة نوح كأول تجارب الإخراج لها، بعد برزت كمساعدللمخرج عمرو سلامة في فيلم "الشيخ جاكسون" 2017. وتدور حول "عايدة" و"سهير" و"عبلة" و"كيكي"، وهن جدات لأطفال تعرضوا للخطفأثناء الرحلة اليوميةللأتوبيس المدرسي من قِبَل عصابة بلهاء غير خبيرة في أمور الاختطاف وطلب الفدية من عائلة المخطوفين. تقرر الجدات أن يرتجلن خطة لاستعادة الأطفال دون دفع الفدية التي تطلبها العصابة، ومن خلال رحلة مسلية إلى وكر العصابة التي احتجزتهن بالتبعية مع أحفادهن، ليحدث صدام حضاري بين أربعة سيدات متقاربات في العمر لكن مختلفات الطباع والاعتقادات، مما يولد مواقف كوميدية لطيفة ومحببة بدون ملل.
هكذا نتعرف على كيكي/ميرفت أمين التي اختارت الحياة المنطلقة دون قيود، فتزوجت المرة تلو الأخرى،وبالكاد تفيق من أثر المشروبات الكحولية والحفلات الراقصة، وسهير/ أنعام سالوسة وهى ضعيفة السمع وتستخدم السماعة الطبية طبقًا لمزاجها، وأيضًا طبقًا لأهمية ما تريد أن تسمعه، وإلا فإنها تضع السماعة في جيب ردائها وتستمع إلى الصمت، وهناك عايدة/ شيرين وهى امرأة وحيدة ترفض الزواج بعد أن هجرتها ابنتها ورحلت إلى كندا وتركتلها ابنها لتعتني به في غيابها، وأخيرًا المتسلطة المدهشة عبلة\ دلال عبد العزيز التي تعتني بحفيدها بعد ان دفعت ابنها / عمرو سلامة لتطليق زوجته/ أروى جودة.
في هذا الفيلم الخفيف الدم، نحن بصدد أربع نجمات في بطولة فيلم حديث، بعد أن اعتدن تقديم البطولات المطلقة في الزمن الجميل الفائت ،حين كانت كل منهن شابة فاتنة تُمثّل فتاة أحلام عصرها، ويهتز لخطواتها الساحرة قلوب الرجال، وتحلم الفتيات بالحصول على بعض من جمالها وسحرها. برعت هؤلاء الفتيات الكبيرات في لعب دور الجدات، وتصوير الاختلافات الجوهرية بينهن في إطار كوميدي يشبه أمهاتنا وجداتنا، لتشعر بالألفة والوفاق.
في الوقت نفسه برعت العصابة المكونة من رضوان/ سامي مغاوري، وولديه شوقي/ محمود الليثي و علي قنديل في لعب دور أفراد العصابة الظريفة التي تحاول التدرب على أفعال الشر فتنقلب إلىأفعال مضحكة؛ بينما يحدث على الجانب الآخر صدام الآباء،الاأزواجوالزوجات الذين هرعوا إلى مقر المدرسة وبقوا مع أفراد الأمن ورجال الشرطة في محاولات لإيجاد طريقة لإنقاذ أطفالهم. وسط الصدام الدائم يظهر الاختلاف المعاصر والمعتاد هذه الأيام من شكوى الزوجات من عقدة تحقيق الذات في ظل الحياة مع زوج متسلط،أونفور الأخرى من طليقها "ابن امه" المنقاد ضعيف الشخصية، كمشكلات مختلفة عن حكايات الجدات الثرية بالمواقف الإنسانية المتكاتفة والمخلصة بينهن وبين أزواجهن وأسرهن بأكملها. من أجمل المشاهد لقاء الآباء،وهي مفاجأة أخيرةظهرت فيها فاتنة أخرى من الزمن الجميل، الراحلة رجاء الجداوي في آخر أدوارها، وهىالسيدة الراقية مديرة المدرسة، والتي كانتبالغة الأناقة كعادتها.    
يمكن لأصحاب الأفكار السينمائية النظيفة الاستمتاع بالعرض ومشاركة الأسرة والأطفال دون السابعة أيضًا، فالفيلم يحمل رسائل تربوية غير مباشرة من شأنها لفت أنظار الأسر إلىأحوال علاقاتهم المتردية بين بعضهم البعض،ونظرتهمإلى ما صاروا عليه بعد قضاء أطفالهن الوقت في التحديق في الهواتف المحمولة دون القراءة والاطلاع أو ممارسة الرياضة، واحتساب وقت الخصومة الزوجية التي يدفع أثمانها الأبناء..وربما كذلك قد يُشجِّع بعض الجدات الوحيدات على الزواج مُجددًا!